شهادات أممية تفضح حجم الكارثة
غزة الموت جوعًا

آلاء شوقى
أجساد تتآكل، وعيون غائرة تحدق فى الفراغ، أطفال ينامون على بطونٍ خاوية، بينما يزحف الموت ببطء من كل اتجاه، وبعد أشهر من التردد، أعلنت الأمم المتحدة وخبراء دوليون –رسميًا منذ أيام- تفشى حالة المجاعة على نطاق واسع فى قطاع «غزة» المنكوب، الذى يتعرض منذ قرابة عامين لحصار وتجويع إسرائيلى متعمد.
يأتى الإعلان الأممى، فى ظل تحول الجوع لشكل آخر من أشكال الإبادة، حيث تفيض الشوارع المهدمة بأرواحٍ تترنح بين الحياة والموت، وجوه باتت مرايا صامتة تعكس قسوة العالم وبرودته.. وفى خضم تفاقم تلك المأساة، أوضح عدد من المسئولين الأمميين ومسئولى وكالات الإغاثة المختلفة من داخل «غزة» وخارجها حجم المعاناة اليومية التى يعيشها سكان القطاع المكلوم.
الوضع يزداد سوءًا
فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»، أكد المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ كاظم أبو خلف، على أن الوضع الإنسانى فى «غزة» سيئ بشكل مبالغ فيه، ولا يزال يزداد سوءًا؛ موضحًا أنه لا توجد مؤشرات تدعو للتفاؤل، لأن ما يجرى فى القطاع، يجرى بشكل ممنهج؛ فعموم سكان القطاع محاصرون بين المرحلتين (الثالثة، والخامسة «الأخيرة») من مراحل انعدام الأمن الغذائئ؛ بينما طال الدمار تقريبًا كل شيء.
وأوضح أن 95.5 % من المدارس تعرضت لأضرار مختلفة وصولًا للهدم الكامل، مؤكدًا أن ما تبقى منها تحول إلى مراكز إيواء. وأفاد «خلف» –أيضًا- بأن أكثر من 88 % من عموم مساحة قطاع غزة، يصنف (منطقة حمراء)، بمعنى أنها منطقة عمل عسكرى، أو منطقة جاءتها أوامر إخلاء.
وفى هذا السياق، قال إن 90 % من عموم سكان «غزة» يكافحون من أجل الحصول على مياه نظيفة، إذ يحصلون على ما لا يزيد على 6 لترات، وأحيانًا 4 لترات؛ موضحًا أن الحد الأدنى المقارن من منظمة الصحة العالمية، هو 15 لترًا لاستخدامات الفرد الواحد فى اليوم.
وأضاف أنه بناء على ما سبق، فإن الأمراض تنتشر فى القطاع؛ مشيرًا إلى أن 44% من الأمراض المرصودة فى «غزة» تعود إلى شح المياه النظيفة الصالحة للاستخدام؛ مؤكدًا وجود نحو 14 ألف حالة تحتاج إلى الإخلاء الطبى، من بينهم آلاف من الأطفال إلى خارج قطاع غزة.
كما أوضح أن هذا الرقم مرتفع، لأن المستشفيات –أيضًا- دمرت، ولم يبق من أصل 36 مستشفى عاملًا فى قطاع غزة إلا 18 أو 17 فقط يعمل بشكل جزئى.
أما فيما يخص المواد الغذائية الشحيحة بالفعل، فأكد أن الأسعار ارتفعت بشكل جنونى، فى ظل تدمير 98 % من الأراضى الزراعية، والتى لم تعد صالحة للزراعة؛ وذلك فى ظل منع الاحتلال للمساعدات، وتوقيف دخولها لفترة طويلة تقريبًا لمدة 78 يومًا (منذ 2 مارس وحتى 18 من مايو) الماضيين؛ بينما مُنع دخول الوقود حتى 9 يوليو الماضى، أى 130 يومًا؛ مؤكدًا أن منع دخول الوقود للقطاع، يعنى انعدام مقومات الحياة بداية من محطات تحلية المياه، وصولًا للمستشفيات، وسيارات الإسعاف، وغيرها.
وأكد أنه –فى المقابل- أن ما يزداد فقط، هو رقم من يسقط من الأطفال جراء سوء التغذية، بمعدل طفلين كل أسبوع؛ مضيفًا –فى هذا الصدد- أن معدل قتل الأطفال اليومى فى القطاع منذ 7 من أكتوبر 2023، بلغ نحو استشهاد 27 طفلًا فى اليوم الواحد، وهو رقم واجه الكثير من الناس صعوبة فى استيعابه، ولكنه حقيقى، ولأكثر من 689 يومًا يختفى يوميًا صف مدرسى كامل؛ قائلًا: «هناك إسراف فى القتل، واليد خفيفة جدًا على الزناد فى غزة».
فى النهاية، توقع «خلف» أن تزداد الأزمة سوءًا حال عدم تدخل المساعدات بالشكل والسرعة المطلوبة، لإدراك ما يمكن إدراكه.
إعلان متأخر
اعتبر مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، « أمجد الشوا» –فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- أن إعلان الأمم المتحدة المجاعة فى «غزة» جاء متأخرًا؛ مؤكدًا –فى الوقت ذاته- أن الإعلان مهم لأنه يأتى فى ظل ظرف حرج وبالغ الخطورة، إذ وصف الوضع الإنسانى فى «غزة» بأنه الأخطر فى تاريخ القطاع، جراء القصف الإسرائيلى، احتلال إسرائيل 86 % من قطاع «غزة»، حيث يتواجد أكثر من مليونى فلسطينى فى مساحة لا تتجاوز 14 % من مساحة القطاع.
وأوضح أن 94 % من سكان القطاع نزحوا عن مناطق سكناهم فى ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، حيث توجد آلاف الأسر التى تفترش الطرقات، بدون حتى الخيام أو مستلزمات إيواء أساسية، فى ظل انتشار المجاعة المرتبطة –أيضًا- بالواقع الصحى الذى خرج 80 % منه عن الخدمة، بسبب اعتداءات الاحتلال المتكررة، أو وجودها بمناطق الإخلاء الإسرائيلي؛ بينما يعمل المتبقى بشكل جزئى وسط نفاد الأدوية الطبية، فى ظل اكتظاظ الجرحى والمرضى.
أما فيما يخص تعطيش الاحتلال المتعمد للقطاع، فأوضح «الشوا» أن سكان الاحتلال يعتمدون –الآن- على مصادر غير آمنة للشرب.
كما أكد أن المجاعة تأخذ منحنى خطيرًا جدًا، فى ظل انخفاض قدرة المواطنين على الحصول على المساعدات، رغم دخول بعض منها؛ مشيرًا –فى هذا السياق- إلى تسجيل حالات سوء التغذية، وتحديدًا بين الأطفال، إذ يتم تسجيل 200 حالة سواء تغذية بين صغار السن يوميًا؛ مضيفًا أن هذا العدد هو ما يتم اكتشافه فى المستشفيات.. وبشكل عام، أفاد بوجود 12 ألف طفل يتلقون العلاج من سوء التغذية.
ونوه -أيضًا- إلى أن كارثة المجاعة تأتى وسط عوامل إنسانية صعبة مختلفة، من بينها النزوح القسرى، والتهديد بعملية عسكرية إسرائيلية فى «غزة»، واكتظاظ مراكز الإيواء إلى جانب الطرقات والساحات بعشرات الآلاف من النازحين، فى ظل عدم وجود الحد الأدنى من مقومات الحياة، مثل مواد النظافة، وانعدام المياه، ما أدى لانتشار العديد من الأمراض تحديدًا بين الأطفال.
وفى نهاية حديثه، حذر «الشوا» أنه إذا لم يكن هناك تدخل دولى فورى وعاجل لوقف العدوان الإسرائيلى حتى تدخل المساعدات بكميات كبيرة، وتتمكن منظمات الإغاثة الإنسانية من العمل، فإن «غزة» ستكون أمام مشهد إنسانى خطير جدًا، يتصدره استشهاد الآلاف الآخرين؛ مشددًا على ضرورة وقف الحرب بشكل عاجل.
خسارة الأرواح
اعتبر المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر «هشام مهنا» –فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- التصنيف المرحلى المتكامل، أو ما يعرف بـ(IPC) من المجاعة فى بعض مناطق «غزة» إشارة واضحة وعاجلة للاحتياجات الهائلة التى يواجهها الناس حاليًا منذ أشهر؛ وذلك بعد أن شاهدت المنظمات الإنسانية، التى تعمل بشكل محايد، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، العواقب الإنسانية المدمرة والمتوقعة عندما يحاصر سكان بأكملهم فى منطقة مغلقة يكافحون، من أجل الوصول إلى السلع والخدمات، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات فورية وإجراءات ملموسة لتغيير الواقع الأليم الذى يعيشه السكان؛ محذرًا من أن أى تأخير إضافى قد يؤدى إلى خسارة الأرواح، بناء على المجاعة.
ودعا «مهنا» المجتمع الدولى لبذل المزيد من الجهود لتمكين وصول المساعدات الإنسانية بشكل فورى، وآمن، ومستدام، وإسناد مهمة توزيع هذا الدعم الإنسانى للمنظمات الإنسانية ذات الخبرة، والتى تتبنى تمامًا المبادئ الأساسية فى العمل الإنسانى، وهي: (عدم التحيز، الشمولية، والإنسانية).
كما أكد أن لجنة الدولية للصليب الأحمر، على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من الدعم الإنسانى، إيصاله بأمان إلى جميع المحتاجين أينما كانوا؛ مشددًا –فى الوقت ذاته- على ضرورة توفير الضمانات الأمنية اللازمة، وإفساح المجال أمام العمل والوصول إلى من يحاول الصليب الأحمر الوصول إليهم فى «غزة»
وأشار «مهنا»، إلى وجود العديد من الحالات التى يستقبلها مستشفى الصليب الأحمر الميدانى فى «رفح» الفلسطينية، من بينهم أطفال ونساء يعانون من أعراض سوء حاد فى التغذية، بالإضافة إلى رصدهم صفوف اللاجئين يوميًا أمام ما تبقى من مطابخ خيرية.
وفى سياق آخر، أكد «مهنا» أن الهجوم الذى شنه الاحتلال –منذ أيام- فى «مجمع ناصر الطبى» هو أمر مرفوض تمامًا من قبل الصليب الأحمر؛ مشددًا على وجوب احترام وحماية المرافق الطبية، والصحفيين، والمستجيبين الأوائل، وفق ما ينص عليه القانون الدولى الإنساني؛ داعيًا لاتخاذ جميع التدابير الممكنة لدعم عملهم وضمان سلامة هذا المستشفى، الذى يعد أحد آخر المستشفيات الرئيسية التى لا يزال يكافح، من أجل الاستمرار فى تأدية الخدمات الصحية فى جنوب «غزة»، ويوفر خدمات طبية حرجة متخصصة لآلاف فى المنطقة.
الأونروا
قالت القائم بأعمال مدير مكتب الإعلام فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بقطاع غزة «إيناس حمدان» –فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- إن القطاع يعيش أزمة غير مسبوقة، تتفاقم مع مرور الأيام؛ مشيرة لعدم السماح بإدخال ما يكفى من المساعدات الإنسانية.
وشددت «حمدان» على احتياج القطاع لكل الإمدادات، من ماء، وغذاء، ومستلزمات طبية، وأدوية، فضلًا عن مستلزمات المأوى، ولوازم النظافة، والوقود، وغيرها.
ومع ذلك، أوضحت أن هناك الكثير من التحديات التشغيلية فى القطاع الصحى، فى ظل خروج معظم المستشفيات عن الخدمة؛ مضيفة أن (الأونروا) تُدير 6 مراكز صحية أولية إلى جانب 20 نقطة طبية متنقلة، وقدمت منذ أواخر مارس الماضى أكثر من 1.5 مليون استشارة طبية، رغم معاناة مراكز (الأونروا) الصحية من نقص فى الأدوية الأساسية بنسبة 60 ٪.
وأكدت «حمدان» أنه لم يتم السماح للأونروا بإدخال أى مساعدات إنسانية إلى قطاع «غزة» لأكثر من 5 أشهر؛ بينما تواجه الوكالة تحديات تشغيلية ومالية منذ أشهر خصوصًا عقب قرار الكنيست بحظر التعامل من مسئولى (الأونروا) فى يناير 2025.
أفادت تقارير الوكالة بتسجيل أكثر من 99 ألف نازح قسرًا فى مراكز إيواء (الأونروا)، والمناطق المحيطة بها، مع قيام الوكالة بإدارة أكثر من 60 ملجأً؛ مشيرة لنزوح ما لا يقل عن 1,9 مليون شخص، أو نحو 90% من السكان فى جميع أنحاء القطاع خلال الحرب وفقًا للأمم المتحدة؛ منوهة لتعرض العديد منهم للنزوح مرارًا وتكرارًا، بعضهم 10 مرات أو أكثر.
مع حظر دخول إمدادات الملاجئ إلى غزة منذ أكثر من خمسة أشهر حتى الآن، تتدهور حالة الخيام وتصبح غير صالحة للاستخدام فى الصيف وفى ظل الحرارة الشديدة، حيث إن معظم الملاجئ استخدمت لمدة ستة أشهر إلى سنة، وتآكلت بسبب التعرض الطويل لأشعة الشمس والنزوح المتكرر، وفقًا لما أفاد به فريق إدارة الموقع.
وفى نهاية حديثها، أكدت «حمدان» أن (الأونروا) لديها كميات من المساعدات الإنسانية فى مخازنها، بما يعادل حمولة ٦ آلاف شاحنة؛ داعية لضرورة السماح بنفاذ هذه المساعدات، وتسهيل عمل (الأونروا)، من أجل تخفيف معاناة النازحين الذين أنهكتهم الحرب.