تكسر الجمود.. والسوق تدخل مرحلة جديدة
خبراء: تعديلات «الإيجار القديم» تعيد رسم خريطة العقارات فى مصر

نعمات مجدى
دخل قانون الإيجار القديم مرحلة التنفيذ رسميًا، بعد عقود من الجمود التشريعى والجدل المجتمعى، ليعيد صياغة واحدة من أكثر العلاقات حساسية فى التاريخ العقارى العلاقة بين المالك والمستأجر.
القانون الذى طال انتظاره، عقب تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى عليه فى 4 أغسطس الجارى.
لا يُعد فقط خطوة قانونية، بل نقطة تحوّل ستعيد تشكيل الخريطة العقارية فى البلاد لعقود قادمة، وسط ترحيب من الملاّك وتحفظ من المستأجرين.
يطرح القانون نفسه كمفتاح لتحرير سوق العقارات من آلاف الوحدات المغلقة والمُجمدة خارج الدورة الاقتصادية، وإعادة ضخها فى شرايين السوق، بما يسهم نظريًا فى تحسين التوازن بين العرض والطلب وتحفيز الاستثمار العقارى، لكنه فى الوقت ذاته يضع الدولة والمجتمع أمام تحديات اجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد.
يؤكد د. محمد الشوادفى – أستاذ الإدارة والاستثمار، على أن القانون سيعيد سوق الإيجارات إلى منطق العرض والطلب، بعد سنوات من التجميد الذى فرضه النظام الاشتراكى، خاصة أن تحرير العلاقة الإيجارية سيؤدى إلى خروج بعض المستأجرين، لكنه يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة قائمة على أسعار السوق، ما يعزز ديناميكية القطاع العقارى.
وأضاف «الشوادفى»،أن تثبيت القيمة الإيجارية كان أحد أبرز مظاهر هذا التقييد، وهو ما جعل العلاقة بين المالك والمستأجر بعيدة عن منطق السوق لسنوات، مضيفا مع تطبيق التعديلات الجديدة، خصوصًا بعد انتهاء فترة السبع سنوات الانتقالية، من المتوقع أن يترك عدد من المستأجرين وحداتهم السكنية، غير أن النسبة الكبرى من المحتمل إنها ستتجه إلى التوافق مع الملاك للاستمرار فى الإقامة، لكن وفق قواعد السوق الجديدة، متوقعًا إن خروج عدد من المستأجرين، سيولد طلبًا جديدًا على الوحدات السكنية، خاصة فى المناطق العمرانية الحديثة، مما ينعش حركة البيع والشراء.
يرى د.خالد الشافعى الخبير الاقتصادى ومدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية،إن القانون سيُحدث تحولات ملحوظة فى سوق العقارات، بفعل أن نحو مليونى وحدة سكنية وتجارية وإدارية، سيعاد طرحها مجددًا فى السوق بعد إخلائها من قِبل المستأجرين، وهو ما يُنتظر أن يعزز استقرار السوق ويمنع أى قفزات مفاجئة فى الأسعار.
هذا المعروض الجديد، سواء من الوحدات المطوَّرة عبر الجهات الحكومية والمطورين العقاريين، أو تلك التى يستردها الملاك ويعيدون إدراجها للبيع أو الإيجار، يمثل شريحة إضافية من العرض، ستنعكس إيجابيًا على التوازن بين الطلب والمعروض، وتدفع نحو سوق أكثر استقرارًا.
قال مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إنه وفقا للتقديرات غير الرسمية هناك 1.2 مليون وحدة إيجار قديم فى محافظة القاهرة، 635 ألفًا فى الجيزة، إلى جانب 420 ألف وحدة تقريبًا فى الإسكندرية، ما يجعل هذه المحافظات فى مقدمة المشهد المتوقع للتحولات المقبلة سواء على مستوى حركة الإيجارات،وإعادة طرح الوحدات فى السوق العقارية.
أكد د.محمود غيث – أستاذ التخطيط العمرانى ورئيس الجمعية المصرية للتخطيط العمرانى، على أن القانون سيساهم بشكل كبير فى تحريك السوق العقارية، حيث من المتوقع أن تعود آلاف الوحدات المغلقة أو المؤجرة بقيم زهيدة إلى السوق، مما يزيد من حجم المعروض ويقلل من الضغوط على سوق الإسكان، خاصة فى المدن الكبرى كما سيشجع الملاك على صيانة وتطوير عقاراتهم التى أهملوها لسنوات بسبب تدنى العائد الإيجارى، مما يدعم جهود الدولة فى تجميل المدن والحفاظ على الطابع العمرانى.
وأضاف أن تحرير الإيجارات يتماشى مع الرؤية القومية للتوسع العمرانى، يعزز كفاءة استخدام الأراضى والعقارات، خاصة أن الدولة طرحت وحدات سكنية بديلة، ونجحت فى توفير سكن لائق فى مختلف المحافظات.
قال د.عبدالمنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن التأثير الاقتصادى لقانون الإيجارات القديمة له تأثير سلبى متمثل فى تشوه سوق الإيجار،فأسعار الإيجارات القديمة لا تتناسب مطلقًا مع القيمة السوقية للوحدات، ما يخلق سوقًا مزدوجة وغير عادلة،على سبيل المثال، هناك محلات تجارية فى مناطق راقية (وسط البلد – الزمالك – جاردن سيتى) تُؤجر بـ 10 إلى 50 جنيهًا شهريًا، بينما تصل قيمتها السوقية لعشرات الآلاف، كما أن عدد الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار القديم يقدر بحوالى 3 ملايين وحدة سكنية، مئات الآلاف من الوحدات التجارية، فكثير من هذه الوحدات مغلقة ولا يتم الاستفادة منها، ما يقلل من المعروض فى السوق ويؤدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل مصطنع وإن انخفاض العائد يجعل الملاك يحجمون عن صيانة العقارات أو تطويرها، ما يسرّع من تهالك البنية العمرانية.
وأوضح مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية،أن المستثمرين يعزفون عن الدخول فى سوق الإيجارات طويلة الأجل، بسبب غياب الضمانات القانونية بتحرير العقود،مؤكدا أن تحرير الإيجارات سيحسّن جودة العقارات ويحفز الصيانة والاستثمار، لكنه يحذر من عدم مراعاة البعد الاجتماعى، خصوصًا فى ظل احتمالات ارتفاع أسعار الإيجار وتأثيرها على محدودى الدخل.
وقال « السيد»، إن هناك حالات يعيش فيها مستأجرون من الطبقة العليا أو ورثة أغنياء فى شقق راقية بإيجارات رمزية، بينما يدفع محدودو الدخل إيجارات مرتفعة فى أماكن أقل جودة، هذا الوضع غير عادل،يُخالف مبدأ تكافؤ الفرص، كما أن عدم تدوير الوحدات القديمة يؤدى إلى بطء حركة السكن بين الفئات، يمنع الاستفادة من ملايين الوحدات المغلقة.
ولاشك أن هذا الموضوع شائك وبه العديد من الجوانب المختلفة لأزمة الإيجارات القديمة فى الوحدات السكنية والتجارية والإدارية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها، نظرًا لما يرتبط به من أبعاد اجتماعية واقتصادية وقانونية معقدة، فعلى مدى عقود، شكّل هذا القانون مظلة حماية لفئات واسعة من المستأجرين، لكنه فى الوقت ذاته فرض قيودًا مشددة على حقوق الملاك، أدى إلى تشوهات واضحة فى سوق العقارات، وأثر على الاستثمار والصيانة فى القطاع السكنى والتجارى على حد سواء.
لفت د.إسلام رأفت - أستاذ التخطيط العمرانى، إلى أن هناك عدة آثار متوقعة لتعديل قانون الإيجار القديم على السوق العقارية، منها زيادة المعروض من الشقق، انخفاض نسبى فى أسعار الإيجار نتيجة تحريك السوق مع الانتعاش فى سوق البناء والصيانة،خاصة أن ملايين الوحدات حاليا مغلقة أو مشغولة بإيجارات زهيدة، مما يقلل العرض الحقيقى فى السوق،هذا أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجار فى الوحدات الحديثة أو التمليك،حتى إن المستثمرين لا يقبلون بناء عقارات بنظام الإيجار القديم، مما زاد من التوجه للبناء الفاخر أو الشقق التمليك فقط مع ضعف الإيجارات، لا يستطيع المالكون صيانة المبانى، أدى ذلك إلى انهيار أو تهالك العديد من العقارات فى مناطق وسط البلد، الزمالك، السيدة زينب، وغيرها.