الخميس 4 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
النجم الساطع.. رسائل مصر من قاعدة محمد نجيب

النجم الساطع.. رسائل مصر من قاعدة محمد نجيب

فى الجغرافيا هناك مواقع تصنع التاريخ، وفى العسكرية هناك جيوش تُصوغ معادلات القوة. ومصر، التى لم تتخل يومًا عن دورها كقاطرة الإقليم وحارسة بواباته، تعود لتؤكد فى مناورة «النجم الساطع 2025» أن القوة ليست استعراضًا عضليًا عابرًا، بل رسالة مركبة تُقرأ من مرتفعات جبال طوروس وحتى منابع النيل قبل أن تُسمع أصداؤها فى صحراء قاعدة محمد نجيب.



 

منذ 1980، لم تشهد المنطقة تدريبًا عسكريًا بحجم هذه المناورة التى تستقطب 43 دولة، بينها 14 مشاركة بقوات مباشرة، وما يقارب الثلاثين بصفة مراقب. 

إنها أكبر عملية «محاكاة حرب» فى الشرق الأوسط، تشارك فيها قوات برية وبحرية وجوية وعمليات خاصة، على سيناريوهات تبدأ من مكافحة الإرهاب وتمر بالدفاع الساحلى، ولا تنتهى عند إدارة الأزمات الدولية.إنها ليست مجرد مناورات، بل إعادة ترسيم لموازين القوة فى زمن يتسم بالاضطراب.

أن تختار الولايات المتحدة، بكل ما لديها من تحالفات وأحلاف، أن تجعل من «النجم الساطع» حجر الزاوية فى تدريباتها المشتركة بالمنطقة، فهذا اعتراف صريح بأن الجيش المصرى هو الشريك الأكثر ثباتًا وانضباطًا. 

الجيش الذى لم تنل منه عواصف الفوضى فى العقد الماضى، وظل عمودًا صلبًا لدولة وُلدت من رحم الحضارة لتبقى.

واشنطن تعرف جيدًا أن استقرار الإقليم يبدأ من القاهرة، وأن أى معادلة ردع فى الشرق الأوسط لا يمكن أن تُبنى دون مصر. 

لذلك لا تفرّط فى هذه المناورة، بل تحرص على تكبيرها وتوسيع نطاقها، لتبقى العلاقة الاستراتيجية العسكرية بين البلدين رسختها العقود وأكدتها الدماء المشتركة فى مواجهة الإرهاب.

توقف «النجم الساطع» فى بعض السنوات تحت وطأة أحداث 2011 أو جائحة كورونا. 

لكن ما يلفت النظر أن عودته دائمًا ما تكون أقوى وأوسع، اليوم، نحن أمام نسخة هى الأضخم فى التاريخ، وكأن القاهرة تقول للعالم: توقفنا حين أردنا، وعدنا حين اخترنا، وها نحن نعود لا بمجرد استئناف، بل بتوسع يكسر السقوف السابقة.

فى السياسة، لا مجال للبراءة، هذه المناورة ليست موجهة إلى «عدو افتراضى» فقط، بل إلى قوى إقليمية تتوهم أن بمقدورها وراثة الدور المصرى.

 إلى من يحاول التمدد فى ليبيا والبحر المتوسط، تقول القاهرة: حدودنا الغربية ليست فراغًا، وذراعنا الطويلة قادرة على ردع أى عبث.

إلى من يلوح بميليشياته فى المشرق، تذكّرهم  مصر أن أمن البحر الأحمر وقناة السويس ليس ساحة مفتوحة للمغامرات.

 إلى جار السوء، الرسالة واضحة: مصر لا تساوم على أمنها القومى، وهى قادرة على حماية حدودها وشعبها فى ظل حرب غزة وتعقيدات ما بعدها وترفض تصفية القضية الفلسطينية ومخططات التهجير.

إنها رسائل ردع ناعمة، مغلفة بثوب المناورة، لكنها لا تخطئ طريقها إلى آذان كل لاعب إقليمى ودولى.

أهمية «النجم الساطع» تتجاوز التدريب إلى تأكيد أن مصر لا تنحاز لمحور على حساب آخر، بل تفتح ميدانها لمدارس عسكرية متنوعة: من العرب والخليج، إلى أوروبا واليونان وإيطاليا، إلى آسيا والهند، وصولًا إلى إفريقيا. 

إنها شهادة جديدة على أن القاهرة هى المركز الذى يلتقى عنده الشرق والغرب، وأن جيشها يملك ما لا يملكه غيره؛ الخبرة، الموقع، والقدرة على تجميع الأضداد.

فحين تنطلق الدبابات والمدرعات، وتحلّق الطائرات فوق سماء محمد نجيب، لن يكون المشهد مجرد تدريب. سيكون إعلانًا أن مصر، التى عرفت كيف تحمى نفسها فى سنوات النار، تعرف اليوم كيف تحمى الإقليم كله من الانزلاق إلى الفوضى.

«النجم الساطع» ليس مناورة عابرة، بل نصًا عسكرى سياسى مكتوب بأيدٍ مصرية، يقرأه الحلفاء باطمئنان، ويتلقاه الخصوم بتحسب.  إنها مصر حين ترفع سلاحها لا للعدوان، بل لحماية معادلة الاستقرار التى لن يُسمح لأحد بكسرها.