
كريمة سويدان
أنا وقـلمى .. حرب «تكسير العظام» و«تغيير النظام»
فى ظل التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، تبرز تساؤﻻت جادة حول طبيعة هذه المواجهة، هل هى مجرد حرب «تكسير عظام» لإضعاف الخصم وتكبيده خسائر استراتيجية، أم أنها تحمل فى طياتها مشروعًا أوسع يهدف إلى «تغيير النظام» فى طهران ضمن خطة نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، وترامب رئيس الوﻻيات المتحدة الأمريكية لتغيير خريطة الشرق الأوسط كله.. لو نظرنا إلى الصراع بين إسرائيل وإيران سنجد أنه ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لتوترات أيديولوجية وسياسية وأمنية متراكمة منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام «1979» ،حيث اعتبرت إسرائيل أن إيران - من خلال دعمها لحزب الله فى لبنان، وحركة حماس فى غزة، وتواجدها العسكرى فى سوريا- تُشكِل تهديدًا وجوديًا، وفى المقابل ترى طهران أن إسرائيل كيان «احتلال وعدو» يجب مقاومته بكل الوسائل، وخلال السنوات الماضية شنت إسرائيل عشرات الضربات الجوية على مواقع إيرانية فى سوريا استهدفت منشآت نووية وعلماء إيرانيين فى الداخل، كما يُتهم الموساد بتنفيذ عمليات تخريب معقدة فى قلب إيران، هذه العمليات تحمل ملامح واضحة لحرب استنزاف طويلة الأمد، هدفها إضعاف القدرات الإيرانية دون الدخول فى حرب شاملة، وهذه السياسة تُشير إلى نمط سياسة «تكسير العظام» وليس الإطاحة بالنظام، ورغم أن إسرائيل تُفضل نظريًا رؤية نظام إيرانى معتدل أو غير معادٍ إﻻ أن فكرة تغيير النظام فى طهران تصطدم بعدة معوقات منها أن إيران دولة كبيرة ذات عمق استراتيجى وشعب متماسك نسبيًا حول قضايا السيادة، هذا بجانب أن الوﻻيات المتحدة أو القوى الغربية ليست مستعدة حاليًا، لخوض مغامرة تغيير النظام فى إيران كما حدث فى العراق.. وفى ظل المؤشرات الحالية للعملية العسكرية التى تقودها إسرائيل الآن يمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيحٍ ساخن، ويمكن أن نتخيل عدة سيناريوهات لمصير الحرب الإسرائيلية الإيرانية أولها استمرار «الحرب الرمادية» أو حرب الاستنزاف، حيث تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية ووكلائها فى سوريا ولبنان، مع تصعيد محدود من حزب الله والحوثيين دون تجاوز الخطوط الحمراء، وهو السيناريو الأكثر احتماﻻً على المدى القريب، وتفضله إسرائيل لأنه يُضعف إيران دون تكلفة حرب شاملة، كما أنه يُناسب إيران التى ﻻ تريد مواجهة مفتوحة قبل أن تعيد استكمال جاهزيتها العسكرية مرة أخرى، أما السيناريو الثانى فهو اندﻻع حرب شاملة فى المنطقة من خلال الضربات الصاروخية المتبادلة، واحتمال مشاركة حزب الله بكامل قوته فى شمال إسرائيل مع تصعيد واسع من الحوثيين عبر البحر الأحمر، وانخراط الوﻻيات المتحدة للدفاع عن إسرائيل أو لحماية الملاحة الدولية، وهو الأقل احتمالًا لخطورته، ولأنه لو حدث سيسبب ذلك شللًا اقتصاديًا إقليميًا، واندفاع جبهات متعددة، مما يجعله مخاطرة عالية للطرفين، والسيناريو الثالث هو قيام إسرائيل بتوجيه ضربة كبرى ضد البرنامج النووى الإيرانى، وهذا السيناريو مُرجّح فى حال فشلت الجهود الدبلوماسية، واستمر تقدم البرنامج النووى الإيرانى بشكل يُهدد التفوق الإسرائيلى، حيث إن إسرائيل ترى أن امتلاك إيران لسلاح نووى «خط أحمر»، وسبق أن لمّح قاداتها إلى العمل منفردين إذا لزم الأمر، أما السيناريو الرابع والأخير فهو أن يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية مرحلية، عن طريق تجديد المفاوضات النووية بين إيران والغرب، ورغم صعوبة هذا السيناريو فإنه ﻻ يمكن استبعاده خاصة إذا تصاعد الضغط الدولي خشية اندلاع حرب كبرى، ولكنه سيكون مؤقتًا وقد يُستخدم فقط لبعض الوقت.