
أحمد إمبابى
لماذا تغيرت خطة أمريكا للحل فى غزة؟
من حلول جزئية إلى مقترحات للتسوية الشاملة بالقطاع
2
هناك عديدٌ من علامات الاستفهام التى تحيط بالتغيرات فى المواقف الأمريكية والإسرائيلية، وتطورات مسار التسوية للحرب فى قطاع غزة، الفترة الأخيرة، فلم يَعُد الحديث قيدَ رُؤَى لتطبيق هدنة لوقف إطلاق النار وتبادُل الأسْرَى؛ وإنما تجاوز ذلك للحديث عن مشاريع أخرى لا تخفى النوايا الإسرائيلية فى التوسع والاستيطان بالأراضى الفلسطينية المحتلة.
ولا نستطيع أن نفصل التغير فى المواقف، عمّا أعلنت عنه حكومة الاحتلال الإسرائيلى، من مشاريع توسعية فى الأراضى الفلسطينية، بداية من إصرارها على تنفيذ جريمة التهجير القسرى للفلسطينيين، حتى لو تحت ستار «الهجرة الطوعية»، ثم التصويت على فرض السيادة على الضفة الغربية، أو إعلان نتنياهو احتلال غزة بالكامل.
وهنا أريد التوقف مع الموقف الأمريكى، خلال الأشهُر الماضية، ذلك أنه انطوى على قدر من التغير فى الرُّؤَى للحل والتسوية فى غزة، بداية من تقديم مقترحات مع الوسطاء الدوليين مصر وقطر؛ لإبرام هدنة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، إلى رُؤَى تتحدث عن تسوية شاملة لملف غزة!.
حينما تولى الرئيس الأمريكى مقاليد الرئاسة رسميًا، فى يناير الماضى، وجَّه رسالة مباشرة لحركة حماس ونتنياهو؛ بأنه يريد إنهاء الحرب فى غزة خلال 60 يومًا، أمَلاً فى تسوية شاملة للحرب، وبَعدها بأيام فى بداية فبراير، تحدَّث عن مقترح يقضى بإدارة واشنطن للقطاع بالكامل، والعمل على إعادة تطويره، تحت مسمى مشروع أطلق عليه «ريفيرا الشرق».
هذا المشروع واجَه رفضًا عربيًا وإسلاميًا ودوليًا؛ نظرًا لأنه تحدَّث عن نقل سكان غزة لدول عربية مجاورة أو دول أخرى، وعليه قدمت مصر مقترحًا يقضى بإعادة تأهيل وإعمار قطاع غزة دون نقل سكانه، وجرى اعتماده عربيًا من الجامعة العربية، وإسلاميًا من منظمة العمل الإسلامى.
وأمام الرفض العربى والدولى، وجمود مسار المفاوضات، بادرت واشنطن بمقترح؛ لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا فى غزة، مع إطلاق سراح 28 من الرهائن، مقابل إطلاق أكثر من 1200 أسير فلسطينى، مع تدفق للمساعدات إلى القطاع.
جاء هذا التصور، فى إطار الحلول الجزئية، التى تتعاطى مع الوضع المعقد فى غزة، ولفك الحصار الإسرائيلى، عن القطاع، لكن مشاورات تنفيذه لم تنجح، رغم كل مؤشرات التقدم التى كانت تعلن عنها واشنطن، حتى إن ترامب أعلن موافقة تل أبيب، وهدَّد فى شهر يوليو حركة حماس، فى حالة عدم الموافقة، «سيزداد الأمر سوءًا».
مع جمود المفاوضات، تغيَّر الموقف الأمريكى؛ حيث خرج المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، فى شهر يوليو، عن رؤية جديدة للرئيس الأمريكى، تتحدّث عن «اتفاق شامل ونهائى، يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة ونزع سلاح حماس، بدلاً من خطة الـ60 يومًا».
القضية هنا ليست فى مسألة الحلول الكلية أو الجزئية؛ وإنما فى تغيُّر أسلوب ومشروع تسوية الوضع فى غزة، والذى أعقب زيارة ويتكوف الميدانية لقطاع غزة فى بداية شهر أغسطس، فمعها بدأت تجاهر إسرائيل بمخططاتها علنيًا، بداية من تهجير سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، مع الإشارة إلى اتصالات تجريها مع دول أخرى لتوطينهم.
هذا إلى جانب الإعلان عن مشروع الاحتلال الكامل لقطاع غزة، وفرض السيادة على الضفة الغربية، وسط تجاوزات غير مسبوقة من تل أبيب بالضفة.
الراصد لكل هذه الممارسات والتحركات، يجد أن القضية لم تَعُد فى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين؛ وإنما فى فرض واقع عسكرى جديد بالقطاع، يتيح لتل أبيب احتلال أراضٍ فلسطينية، مع تنفيذ مخطط التهجير القسرى للغزيين، تحت أى ستار، وقد يتطور الأمر لإعلان إسرائيل ضم أجزاء فعلية من الضفة الغربية، بموازاة اعترافات دولية وأوروبية بدولة فلسطين، فى شهر سبتمبر المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بمعنى أوضح؛ تعكس هذه الممارسات أن جزءًا كبيرًا مما يُطلق عليه «صفقة القرن» التى أعلنت عنها إدارة ترامب، فى ولايته الأولى؛ بات يُنَفّذ على أرض الواقع حاليًا.