الإثنين 18 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
أحلف بسماها .. وصية أنس الشريف.. وثيقة للتاريخ

أحلف بسماها .. وصية أنس الشريف.. وثيقة للتاريخ

فعلا، نحن أمام شعب جبار.. شعب لاقى الهوان منذ ما يقرب من ثمانين عامًا، تعرض خلالها للمذابح والطرد والتهجير ووعود بالعودة، تم إخفاء كل ذلك عن العالم بل لعب الكيان الصهيونى دور الضحية المحاطة بشعوب تتربص به وتريد القضاء عليه.



الشعب الجبار صمد صمودًا لم يتحمله شعب على مدى التاريخ، لأنه ليس فقط مرتبطًا بل ملتصقًا بتراب وطنه يدعمه إيمان لا حد له.. ورغم الخطيئة الكبرى التى ارتكبتها منظمة حماس عندما خططت ونفذت عملية طوفان الأقصى دون حساب العواقب التى ستدمر أهل غزة، إلا أن هجوم 7 أكتوبر قد كشف همجية الصهاينة وفضح خطة (إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات، بدءا بتهجير أهل غزة ثم أهل الضفة الغربية، ويتوالى التنفيذ فى كل الجبهات، لبنان وسوريا، وسعيا للجائزة الكبرى مصر مع كل الدعم الأمريكى لخطة الكيان.

عودة إلى ما يحدث فى غزة من محاولات القتل والتجويع وطمس الحقائق، ولأن الميديا وصلت إلى كل الشعوب التى تنبهت للقضية الفلسطينية، وبحثت فى تاريخ الصهاينة، سقط قناع البراءة المزيف عن الكيان ونهض الشباب الحر فى مظاهرات منددة بتجويع وإبادة شعب أعزل.

أنس الشريف صوت الحقيقة التى تصل للعالم عندما يتنقل من مكان لآخر ومن حدث لآخر، ينقل الصورة ويصف الواقع.. هو وأقرانه من الصحفيين والمراسلين والمصورين الذين قصفهم العدو الصهيونى ليصل عددهم منذ بدء حرب غزة إلى 242 إعلاميا.. لقد جن جنون قادة الكيان الصهيونى لغضب شعوب العالم بعد أن وصلتهم الحقيقة وشاهدوا بشاعة المجازر والإبادة والتجويع عمدا.

أنس الشريف لم يكن أول من استشهد ولن يكون الأخير لكن لماذا حزن وبكى عليه مئات الألوف فى كل مكان.. هل لسماحة وجهه أم مهنيته وسعيه الدؤوب رغم الألم والجوع وفقد الأحبة أم لإيمانه القوى بقضية وطنه أم للوصية التى كتبها وأعدها عند استشهاده أم لكل ذلك معا؟

لقد كانت وصية أنس وثيقة للتاريخ لخص فيها ببلاغة أكبر من عمره، الذى لم يصل إلى الثلاثين، مأساة وطنه وشعبه.. بدأ بعد السلام عليكم: «يعلم الله أنى قد بذلت كل ما أملك من جهد وقوة لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبى،  كان أملى أن يمد الله فى عمرى حتى أعود إلى بلدتى الأصلية عسقلان المحتلة، لكن مشيئة الله أسبق وحكمه نافذ.. عشت الألم بكل تفاصيله وذقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوان يومًا عن نقل الحقيقة كما هى بلا تزوير أو تحريف عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا وقبلوا بقتلنا ومن حاصروا أنفاسنا ولم تحرك أشلاء أطفالنا ونسائنا فى قلوبهم ساكنًا».. هذا المقطع هو شهادة للتاريخ تدين كل من آزر العدو الصهيونى وصمت عن جرائمه.

وصية أنس كانت من أجل وطنه أولاً وآخرًا.. كتب: «أوصيكم بفلسطين درة تاج المسلمين ونبض قلب كل حر فى هذا العالم، أوصيكم بأهلها وبأطفالها المظلومين الصغار الذين لم يمهلهم العمر ليحلموا ويعيشوا فى أمان وسلام فقد سحقت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية فتمزقت وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران».. هذا المقطع هو نداء لكل أحرار العالم، وما زال أنس يعمل حتى بعد استشهاده ويكشف جرائم إسرائيل الوحشية.. فى النهاية يوصى أنس الشريف بأبنائه شام وصلاح، ووالدته وزوجته الصابرة.

انتهت الوصية، لكن الرسالة وصلت وانتشر صداها فى كل مكان فقد شاهدت عشرات النشطاء الأجانب قاموا بترجمة الوصية وكانوا يقرأونها بأحاسيس جياشة.. لم يمت أنس فقد تسلم مصعب الشريف ابن شقيقه الراية ويستكمل من اليوم رسالة عمه مراسلاً صحفيا ينقل الحقيقة إلى أن تعود فلسطين حرة.