
هاني لبيب
مصر أولا.. إعادة تشكيل التحالفات والجغرافيا السياسية.. حرب الألف صاروخ إيران وإسرائيل تشعلان الشرق من جديد!
أعلنت إسرائيل فجر 13 يونيو 2025 بدء عملية عسكرية غير مسبوقة تحت اسم «الأسد الصاعد»، والذى قامت فى بدايته بتدمير أكثر من 120 هدفاً داخل عمق الأراضى الإيرانية، وقد شملت مواقع تخصيب نووى فى نطنز وفوردو، ومخازن صواريخ باليستية فى أراك ويزد، ومراكز قيادية للحرس الثورى داخل طهران وكرج وأصفهان.
وعلى الجانب الآخر، كان رد فعل إيران خلال أقل من 24 ساعة تحت اسم «الوعد الصادق» حيث أطلقت أكثر من 150 صاروخاً، بعضها من طراز «سجيل» بعيد المدى، بالإضافة إلى أسراب من المسيرات.. مستهدفة شمال إسرائيل، والعديد من القواعد العسكرية فى الجولان ومطار بن جوريون.
هل أصبحنا مقبلين على حرب إقليمية كبرى؟ وهل ستقف الولايات المتحدة الأمريكية عند حدود الدعم اللوجستى فقط؟ وماذا عن موقف روسيا والصين؟
العالم كله أصبح على حافة الهوية، وليس منطقتنا فقط. وفى كل الأحوال، لن تقتصر النتائج على طهران وتل أبيب.
صراع دون أقنعة
لم يأت التصعيد الإيرانى فجأة، بل هو نهاية لمرحلة تراكمية بعد قيام إيران بتكثيف نفوذها.. عبر وكلائها فى كل من: لبنان وسوريا واليمن والعراق. وهو ما جعل إسرائيل تقوم بسلسة اغتيالات مركزة وخاطفة. ومع ملاحظة أن الجديد فيما يحدث هو انتقال الصراع من «الحرب بالوكالة» إلى مواجهة مباشرة بين دولتين تمتلكان العديد من أدوات الردع والهجوم الذى يمكن أن يحول أى صراع إلى زلزال إقليمى شامل.
تصاعدت وتيرة الهجمات التى يقوم بها وكلاء إيران فى المنطقة منذ سنة 2023، على غرار كل من: حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، وحركة حماس فى غزة، والميليشيات التابعة لها فى سوريا والعراق. هؤلاء الوكلاء.. أطلقوا مئات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه الجولان وحيفا والمستوطنات الإسرائيلية فى النقب. وكان الرد الإسرائيلى على شكل اغتيالات منظمة لقادة ميدانيين، بالإضافة إلى هجمات جوية على مواقع تمركز هذه الميليشيات.
ظل كل ما سبق، فى إطار التكتيكات التقليدية.. إيران تدعم، وإسرائيل ترد، والمجتمع الدولى يكتفى بالشجب والإدانات. رغم تصاعد حدة الخطاب المتبادل، ولم تكن هناك أى مؤشرات استباقية علنية.. تشير إلى انتقال الحرب إلى العمق الإيرانى.
خلف الستار
ظهرت تقارير مع نهاية سنة 2024 تشير إلى تحقيق إيران تقدم فى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 %، وهو المطلوب لنجاح صنع قنبلة نووية. كما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى شهر يناير 2025.. عدم استطاعتها مراقبة المواقع النووية الإيرانية مما زاد من مخاوف حدوث انفلات أمنى نووى فى المنطقة. وهو ما مهد لتصعيد التصريحات الإسرائيلية.. فى عبارة محددة، وهى (لن نسمح لإيران بالوصول إلى امتلاك السلاح النووى، ولسنا بحاجة إلى إذن لفعل ما هو ضرورى لأمننا القومى).
من الواضح الآن.. أن إسرائيل قد كثفت عملياتها داخل إيران من خلال أجهزتها الأمنية والاستخباراتية ما بين سنتى 2023 و2025 حيث تم تنقيذ العديد من عمليات التخريب بإحداث تفجيرات داخل المنشآت النووية، واغتيال كبار علماء الطاقة النووية، واستخدام الطائرات المسيرة فى سبيل تحقيق ما سبق. والتحليل الاستراتيجى للحالة التى وصلنا لها.. تؤكد أن إسرائيل قد قامت بإنشاء شبكات معلوماتية دقيقة.. مكنتها من تحديد أهداف الهجمات الجوية واختراق الدفاعات الجوية الإيرانية التى كانت مكشوفة بدرجة كبيرة أمام الهجوم الإسرائيلى عليها.
الضربات الكبرى
استخدمت إسرائيل أولى موجاتها الهجومية فجر 13 يونيو الجارى باستخدام المقاتلات وأسراب من المسيرات الهجومية.. استناداً إلى المعلومات التى تم جمعها غبر طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدعم معلوماتى من الأقمار الصناعية الأمريكية. وقد شمل الهجوم والضربات كما أشرت إلى منشآت نووية فى نطنز وفوردو وأراك. ومخازن للصواريخ فى شيراز وهمدان.
ومقار القيادة فى طهران، ومطار مهرآباد العسكرى. ومراكز استخباراتية فى قم وكرمنشاه.
ردت إيران بإطلاق مئات الطائرات المسيرة من سوريا والعراق واليمن، فضلا عن إطلاق الصواريخ البالستية التى وصل مدى بعضها إلى شمال تل أبيب، بينما تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من اعتراض النسبة الأكبر منها.
لا شك فى صحة ما وصفته بعض وسائل الإعلام العالمية من أن ما يجرى يعتبر «أخطر تصعيد عسكرى فى الشرق الأوسط.. منذ حرب العراق سنة 2003». لقد اهتزت الأسواق، وتجاوز سعر النفط 130 دولاراً للبرميل، وبدأت موجات متتالية من النزوح الداخلى فى إيران من طهران وأصفهان وتبريز إلى مناطق أقل استهدافا من إسرائيل. وعلقت شركات الطيران رحلاتها فوق الخليج. أما إسرائيل.. فقد أعلنت حالة الطوارئ الكاملة، وتم إغلاق المدارس والمنشآت غير الحيوية.
ميزان الردع
أصبحت طهران هدفاً مباشراً لضربات إسرائيلية مكثفة وموجهة للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية سنة 1979. هذا التحول يعنى ببساطة أن قواعد الاشتباك القديمة.. انتهت. وأصبح للمعادلة السياسية.. منطق جديد مختلف ومغاير.. إسرائيل ترى أنها لن تنتظر إنتاج القنبلة النووية، بل ستضرب قبلها.. حتى لو ترتب على ذلك.. تفجير المنطقة.
لم يكن.. رد الفعل الإيرانى محصوراً فى أراضيها. نجد حزب الله يبدأ إطلاق صواريخ على الجليل الأعلى، وتم تفعيل وكلاء فى الجولان السورى فى ظل وجود تقارير عن إطلاق صواريخ من اليمن باتجاه إيلات. وهو ما يشير إلى احتمال توسع نطاق الحرب إلى كل من: لبنان وسوريا واليمن واحتمال بنسبة كبيرة العراق أيضاً.
حالة الخوف والترقب.. جعلت بعض الدول.. تسمح للطائرات الأمريكية باستخدام مجاله الجوى، والبعض الآخر بدأ فى اتخاذ موقف أكثر حذرا وخوفاً من الانتقام الإيرانى.
مواقف وتباينات
يمكن حصر مواقف القوى الكبرى فى مشهد.. يتشكل مجدداً بأدوات الحرب، وليس الدبلوماسية:
1 - الولايات المتحدة التى تدعم إسرائيل لوجستياً، ولكنها تحاول تفادى التورط المباشر، رغم أن ضرب أى قاعدة أمريكية فى الخليج قد يغير المعادلة تماماً.
2- روسيا التى انتقدت الهجمات الإسرائيلية.. لكنها لم تتدخل، بينما تحركت لإعادة تفعيل التنسيق العسكرى مع إيران.
3- الصين التى دعت إلى الوقف الفورى لإطلاق النار، ولكنها تظل فى الواقع تعمل على تأمين إمداداتها النفطية قبل أى شيء.
سيناريوهات محتملة
تمكن الوسطاء مثل: سلطنة عمان وتركيا وقطر.. من تهدئة الموقف، فمن المحتمل.. أن يتم الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار غير معلن مثلما حدث بين إسرائيل وحزب الله سنة 2006 من خلال خيار مرهون بعدم وقوع ضربة قاتلة لإيران، كاغتيال قائد كبير أو قصف غير تقليدى.
توسعت المواجهة كما ذكرت من قبل.. لتشمل لبنان وسوريا واليمن، فقد نجد أنفسنا أمام جبهة إيرانية موحدة ضد إسرائيل، مما سيدفع الأخيرة إلى التصعيد الكامل.. وربما استخدام أسلحة غير تقليدية. هذا السيناريو خطير لأنه سيفتح الباب لتدخلات متعددة أمريكية روسية وربما تركية، وسيتحول الشرق الأوسط إلى ساحة حرب كبرى.
ومع التأكيد على أنه إذا تعرضت القواعد الأمريكية فى الخليج أو الأردن لهجمات إيرانية مباشرة، فإن الرد الأمريكى لن يكون لوجستياً فقط. بل، وقد يترتب عليه.. عمليات إنزال محدودة، أو توجيه ضربات صاروخية واسعة، وربما تكرار سيناريو «عاصفة الصحراء» لكن ضد إيران.
شروط قاسية
إذا ما تم دفع إيران وإسرائيل إلى التفاوض بضغوط من القوى الكبرى، مقابل وقف الضربات.
وسيطلب تحقيق هذا السيناريو.. ضمانات واضحة وحازمة من إيران بوقف كل أنشطتها النووية الحساسة، مع رقابة مشددة من الوكالة الدولية. من جهة إسرائيل، سيكون عليها التوقف عن الضربات، وربما القبول بهدوء نسبى على حدودها الشمالية.
ولكن يظل هذا السيناريو هو أضعف السيناريوهات.. حظاً فى ظل التصعيد الحالى.
الخطأ الأكبر الآن يقع على عاتق واشنطن، التى تتأرجح بين دعم غير مشروط لإسرائيل، ورغبة فى منع انفجار إقليمى غير محسوب النتائج، وقد يعيد ترتيب النفوذ لصالح روسيا والصين. أما العرب.. فهم أمام خيارين أحلاهما مر: أما الصمت والدعاء ألا تمتد النار لدول أخرى، أو محاولة الوساطة التى قد تأتى متأخرة مثل كل مرة. وعلى المجتمع الدولى أن يتوقف عن إدارة الأزمة عبر التصريحات، ويبدأ فى فرض تدخل دبلوماسى قوى برعاية أممية. ودون ذلك، نحن أمام سنوات من الفوضى، قد تغير وجه الخليج والشرق الأوسط لعقود.
نقطة ومن أول السطر
ما يجرى بين إيران وإسرائيل ليس مجرد تصعيد عسكرى، ولكنه انكشاف نهائى لتحولات كبرى. لا زالت تتشكل فى صمت. الصواريخ والطائرات المسيرة والعمليات الاستخباراتية.. كلها مؤشرات على أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة من الصراعات المباشرة بين القوى الإقليمية.
الأسئلة كثيرة جداً.. ولكن المؤكد أن الأيام القليلة القادمة ستكون مصيرية. إما أن تنجح المبادرات الدبلوماسية فى إنقاذ المنطقة، أو سيشهد العالم واحدة من أخطر الحروب الحديثة التى تتجاوز حدود الدول، وتعيد تشكيل التحالفات والسيادة والجغرافيا السياسية.