الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
مصر اولا.. مكالمة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين  استدعاء أجواء الحرب الباردة.. وصياغة جديدة للتحالفات الدولية!

مصر اولا.. مكالمة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين استدعاء أجواء الحرب الباردة.. وصياغة جديدة للتحالفات الدولية!

أجرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مكالمة هاتفية.. تعتبر حاسمة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى 19 مايو الجارى. وهى المكالمة التى جاءت فى وقت حرج جدًا دوليًا.. سواء بسبب تصاعد تداعيات الحرب الأوكرانية - الروسية، أو بسبب تراجع جميع مبادرات الوساطة الغربية. غير أنها أثارت فى الوقت نفسه الكثير من الغموض حول غياب الشفافية، وتجاهل الاتحاد الأوروبى وأوكرانيا فى هذا التواصل المباشر بين أكبر قوتين نوويتين على الكرة الأرضية.



والملاحظ بوجه عام، أن ما يحدث فى العالم الآن.. يتسم فى الكثير من الأحوال بعدم المنطقية، وعدم تحقيق معادلة التوازن الطبيعية فى العلاقات الدولية.

علاقة منذ 2016..

علاقة ترامب وبوتين ليست حديثة العهد، ولكنها تعود إلى سنة 2016 منذ الحملة الانتخابية الأولى لترامب.. حينما تم اتهام حملته بالتعاون مع جهات روسية، وهى اتهامات لم يتم إثباتها قضائيًا، ولكنها تسببت فى شكل من الاضطراب فى العلاقات.

وأثناء ولايته الأولى، أبدى ترامب إعجابه ببوتين، ووصفه بأنه (قائد محترم، لا يلعب وفق القواعد الغربية). غير أن هذا الإعجاب والتقدير.. لم يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من فرض عقوبات على روسيا سواء بعد تسميم المعارض أليكسى نافالنى، أو بعد التدخل فى أوكرانيا. بل وعكس نهجًا أكثر تفهمًا وتساهلًا من الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس بايدن.

مكالمة محدودة التأثير..

تأتى أهمية المكالمة بين ترامب وبوتين فى كونه اتصالا وتواصلا مباشرا رفيع المستوى بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا منذ حالة الجمود السياسى بينهما. كما أنها تمت بشكل ثنائى منفرد.. دون وساطة أوروبية أو دولية. وهو ما يؤكد دلالة رغبة دونالد ترامب فى إعادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى طاولة التفاوض.. كقوة مفاوضة رئيسة بدلًا من مجرد داعم لأوكرانيا.

فى تقديرى أن أهمية هذه المكالمة لا تقتصر فقط على نتائجها التى ستكون محدودة فى كل الأحوال، ولكن الأهم فى دلالتها السياسية التى أعادت طرح أسئلة قديمة حول حدود العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين من جانب، وتوقع استحداث مسار جديد للحل السياسى.. بعيدًا عن المسارات التقليدية تحت رعاية الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة من جانب آخر.

عن المحتوى والمضمون..

تناولت مكالمة ترامب وبوتين العديد من القضايا المهمة، ومنها:

1 - وقف مؤقت لإطلاق النار: من خلال الاقتراح بهدنة مدتها 30 يومًا بحيث تشمل وقف الهجمات الروسية على البنية التحتية الأوكرانية، خاصة فيما يمس قطاع الطاقة. وفى المقابل توقف أوكرانيا عن أى هجوم مضاد فى جبهات مناطق الجنوب. وهو ما وافقت عليه أوكرانيا بشكل مبدئى، ورفضته روسيا، بل وطالبت بأن يكون أى وقف إطلاق للنار.. مشروطًا بتنازلات استراتيجية من أوكرانيا.

2 - ثنائية التفاوض: أيد ترامب وبوتين إنشاء مسار للتفاوض ثنائى أمريكى – روسى فقط للتفاوض حول مستقبل الحرب، بل وأكدا أنه لا يمكن إحراز أى تقدم إذا لم تتفق الدول الكبرى. وهو ما أثار قلقًا دوليًا لما يمكن أن ينتج عن هذا المسار من اتفاق منفرد يقوض السيادة الأوكرانية.

3 - الردع النووى: من خلال التأكيد على ضرورة ضبط النفس وعدم تصعيد التهديدات النووية، وتفادى أى سوء تقدير.. خاصة بعد الاستهداف الروسى المتكرر لمدينة أوديسا الساحلية على البحر الأسود لعزل أوكرانيا. وفى المقابل، أكد بوتين عدة مرات قبل ذلك على الخطوط الحمراء الروسية فى حالة وصول قوات الناتو إلى القرم.

4 - ما بعد الحرب: إمكانية إعادة العلاقات التجارية مع روسيا فى حالة التوصل إلى اتفاق شامل. وهو طرح يعكس رغبة ترامب فى انتهاج سياسة براجماتية.. تعيد نقطة الاستقرار الاقتصادى العالمى، وهو طرح.. يمنح الكرملين أملًا فى إنهاء العزلة الاقتصادية دون تغيير جوهرى فى سلوكها.

صدام غطرسة القوة..

من خلال ما نشر عن مضمون مكالمة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، يمكن التوقف بالرصد والتحليل والاستنتاج لبعض الأفكار، على غرار:

أولًا: غلبة لغة رجال الأعمال التى لم تتضمن تهديدًا صريحًا ومباشرًا، بقدر ما ارتكزت على تفاوض الصفقات التى تعتمد مبدأ (ماذا ستقدم.. فى مقابل ما سأقدمه؟!) و(ما يمكننا أن نفعله معًا حتى نربح معًا) مما يؤكد أن العلاقات الدولية الآن يحكمها منطق المقايضات بالتفاوض.

ثانيًا: استخدام بعض العبارات ذات الدلالة الأيديولوجية القوية، على غرار: السيادة التاريخية، وتوازن القوى العالمية. والتأكيد على قوة روسيا فى أنها لن تخضع للابتزاز أو شروط القوة.

ثالثًا: يمثل غياب أوكرانيا.. خللًا جوهريًا.. فقد تحدث ترامب وبوتين عنها دون تمثيلها بطرف يتحدث باسمها. وهو ما يعنى استدعاء مبدأ «الصفقات على حساب الآخرين».

السيناريوهات المحتملة..

1 - سيناريو الفشل المتجدد: المرجح هو فشل ما طرح بالمكالمة مثلما فشلت سابقاتها من المحاولات بسبب تزايد الضغط العسكرى الروسى على جنوب أوكرانيا.

2 - سيناريو الصفقة المفاجئة: من خلال جهود ترامب فى إقناع بوتين على أقل تقدير باتفاق جزئى.. ليظهر فيه الأخير كرجل سلام.. دعمًا لحملته الانتخابية المقبلة للرئاسة. وهو ما سترفضه أوكرانيا وحلف الناتو.

3 - سيناريو الوساطة الأوروبية: قد تمثل هذه المكالمة.. السبيل لاستدعاء الاتحاد الأوروبى لتعزيز موقفه التفاوضى.. خاصة بعد خروجه من دائرة صناعة القرار العالمى، وهو ما سيؤدى إلى وجود مسار تفاوضى جديد يضم كلا من: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا.

4 - سيناريو التصعيد: أصبح هناك نوع من التخوف فى أوكرانيا والاتحاد الأوروبى من أن تترجم روسيا المكالمة باعتبارها ضوءًا أخضر للتصعيد العسكرى.. ردًا على التقارب الأمريكى – الروسى، خاصة إذا شعرت بتراجع الدعم الغربى لأوكرانيا. وهو السيناريو الأخطر على استقرار الاتحاد الأوروبى.

 

أدوار عربية..

أصبح هناك دور عربي متنامٍ تمثل فى:

الدور السعودى حيث احتضنت عدة جولات غير رسمية من المباحثات بين أطراف الأزمة (روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية). وهو ما يعكس تحولًا دبلوماسيًا كبيرًا فى السياسة الخارجية السعودية، من وسيط إقليمى إلى فاعل دولى فى القضايا الكبرى.

الدور العراقى: من خلال عرض سابق للوساطة المباشرة، والاستعداد للدعوة لعقد قمة مصالحة فى بغداد.. ارتكازًا على العلاقات المتوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع روسيا. وهو ما رفضته أوكرانيا التى اعتبرت العراق طرفًا غير محايد بسبب علاقته التاريخية مع روسيا. 

دور القمة العربية: التى عقدت ببغداد فى مايو الجارى، والتى أدرجت الأزمة الأوكرانية ضمن بنودها فى جدول الأعمال لأول مرة فى تاريخ القمم العربية السابقة.. فى إشارة إلى أنها ليست أزمة أوروبية فقط، بل أزمة لها تداعيات تتعلق بالطاقة والأمن الغائى.

أجواء الحرب الباردة..

هذه المكالمة.. تؤكد سعى الرئيس الأمريكى ترامب فى ولايته الجديدة إلى تقديم نفسه كصانع للسلام بديلًا عن المؤسسات الدولية. ومع ملاحظة أن هذه المبادرة.. تفتقد لشرعية التفاوض الدولى بسبب استبعادها للاتحاد الأوروبى وأوكرانيا.. الطرف الرئيسى فى الأزمة، كما أنها لم تستند على أسس القانون الدولى الإنسانى، ولكن على صفقة مرهونة بالامتيازات والمقايضات الاقتصادية.

النتيجة الدالة لما سبق هى إعادة الاعتبار لمبدأ القوتين العظميين، وتكريس لأجواء عقلية الحرب الباردة المرتكزة على تقسيم العالم لمناطق تبعية ونفوذ أمريكية وأخرى روسية. 

نقطة ومن أول السطر..

حتى الآن.. لم تغير مكالمة ترامب وبوتين أى فرق جوهرى على أرض الواقع.. رغم كل الضجيج سواء الإعلامى أو على السوشيال ميديا. ولكنها كشفت الكثير عن توازن القوى الجديدة فى العالم فى غرف المحادثات المغلقة.

وسيظل المبدأ الثابت.. هو أن إنهاء حالة الحرب القائمة الآن.. مشروط بالاعتراف بسيادة أوكرانيا من جانب، ومشاركة حلفائها الطبيعيين من جانب آخر.. بعيدًا عن إعادة إنتاج صفقات الدول الكبرى على حساب الشعوب.