
هاني لبيب
مصر اولا.. الحوثيون.. ولاءات متشابكة.. خريطة النار.. البحر الأحمر تحت الحصار.. على طريق الملالى.. من المقاومة إلى القرصنة البحرية!
بدأت جماعة الحوثيين «أنصار الله».. كحركة دينية ثقافية مع بداية تسعينيات القرن الماضى وتأسست على يد حسين بدر الدين الحوثى، وهو واحد من أهم رموز التيار الزيدى الهاشمى.. فى إشارة إلى المذهب الزيدى الشيعى المعتدل. وهو التيار الذى كان يشكل أساس الحكم فى شمال اليمن لعقود ما قبل قيام الجمهورية سنة 1962.
وسعى الحوثيون منذ البداية إلى تعزيز الهوية الزيدية لمواجهة ما وصفوه بالهيمنة الوهابية القادمة من السعودية. ومرت السنوات حتى سنة 2004 حينما بدأت شرارة أول مواجهة عسكرية بين الحوثيين وحكومة الرئيس اليمنى الأسبق على عبدالله صالح.. بعد اتهامهم بالخروج عن الدولة ورفضهم سلطة الحكومة. وهى الحرب التى شهدت مقتل حسين الحوثى، وهو ما أدى إلى زيادة قوة الجماعة بقيادة شقيقه عبد الملك الحوثى. ثم اندلعت خمس حروب أخرى بين سنة 2004 وسنة 2010، مما ساعد فى بلورة تنظيم جماعة الحوثيين.. كقوة عسكرية دينية.
تبعية بالوكالة
بلغت ذروة صعود جماعة الحوثيين سنة 2014 بعد أن تمكنوا من السيطرة على العاصمة اليمنية.. صنعاء بدعم من قوات الرئيس الأسبق على عبد الله صالح. ثم سرعان ما أطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليًا، وأصبحوا طرفًا أساسيًا فى معادلة الحرب الأهلية المستمرة إلى الآن. وعلى الرغم من شرعية بعض أهدافهم ومطالبهم، فإن الحوثيين اختاروا الحل الطائفى والعسكرى الذى يتناقض مع مصالح الشعب اليمنى بعدما نجحوا فى اللعب على التناقضات القبائلية والدينية من خلال إعادة تدوير أساليب القمع والاستبداد تحت مظلة دينية متطرفة.
لا شك أن الدعم الإيرانى لجماعة الحوثيين.. لم يعد مجرد شكوك أو شائعات سياسية، وثبت صحته بتقارير رسمية سواء من الأمم المتحدة، أو من خلال تقارير أمريكية وبريطانية. ويمكن تأكيد حقيقة تلك التبعية من خلال بعض الدلائل. الدليل الأول هو أن الهجمات التى تمت على منشآت شركة أرامكو بالسعودية سنة 2019، استخدمت طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة.. منشأها إيرانى أو تم صناعتها بمكونات إيرانية. والدليل الثانى هو اعتراض بعض السفن التى حملت صواريخ ومعدات اتصال متقدمة مهربة ومتجهة إلى الحوثيين. والدليل الثالث هو تطابق الخطاب الدينى والسياسى للحوثيين مع خطاب ولاية الفقيه الإيرانى فى غالبية المواقف، وأن نفوا ذلك دائمًا. والدليل الرابع هو التقارير التى تتضمن مخططات وآليات ارسال مقاتلين من الحوثيين للتدريب فى جنوب لبنان من خلال حزب الله، والذى يرسل بدوره خبرائه العسكريين لليمن. والدليل الرابع التهديد والوعيد العسكرى لدولة الإمارات من خلال بيان شديد اللهجة.. أصدروه منذ عدة أيام.
النتيجة الوحيدة التى يمكن الاتفاق عليها بناء على ما سبق، أن جماعة الحوثيين جاوزوا كونهم حركة يمنية إلى كونهم وكليلًا محليًا واقليميًا لإيران. لا يختلفوا عن أى ميليشيات موازية للجيش الوطنى النظامى، على غرار: قوات الحشد الشعبى فى العراق، وحزب الله فى لبنان، وحركة حماس فى فلسطين، وقوات الدعم السريع فى السودان. وهو ما يؤكد.. فقدانهم لمشروعيتهم السياسية داخليًا بعد أن تحولوا إلى وسيلة لتخريب المنطقة بالوكالة.
تحالفات بحرية إقليمية
منذ اندلاع حرب غزة فى 7 أكتوبر سنة 2023، والحوثيون يعلنون تضامنهم العسكرى مع حركة حماس من خلال استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل فى البحر الأحمر. ومع اتساع دائرة الهجمات، والتى شملت السفن الأمريكية والبريطانية.. تحولت التهديدات لتشمل كل الملاحة التجارية فى البحر الأحمر.
وكان لتلك الاستراتيجية آثار سلبية مباشرة بالغة على مصر بداية من انخفاض مرور السفن والحاويات حسب البيانات الرسمية التى كشفت عن تراجع عدد السفن بنسبة أكثر من 40 % عن المعتاد. ومرورًا بقيام عدد من شركات الشحن الكبرى مثل ميرسك وMSC بتحويل طرق الإبحار والتجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح رغم مضاعفة الوقت والتكاليف الإضافية الباهظة. وصولًا وهو الأهم إلى تهديد الأمن القومى المصرى بتهديد الملاحة فى البحر الأحمر، والذى يمثل.. تهديد مباشر لقناة السويس التى تمنح مصر أكثر من 10 % من العملة الأجنبية.
لا يمكن لمصر أن تقف دون اتخاذ موقف أمام تهديد بهذا الحجم. وهنا تأتى أهمية الدور المصرى على كافة المستويات الأمنية والاستخباراتية المباشرة فى البحر الأحمر، وما يتطلبه ذلك من تفعيل التحالفات البحرية الإقليمية لحماية المصالح الاستراتيجية المصرية.
تهديدات حوثية..
شملت الهجمات الحوثية المستمرة على السفن العابرة للبحر الأحمر من مضيق باب المندب.. صواريخ موجهة وطائرات مسيرة وزوارق انتحارية. وعلى سبيل المثال: استهداف السفينة اليابانية Galaxy Leader، واحتجاز طاقمها كرهائن. والهجمات على سفن الشحن الأمريكية مثل MV Genco Picardy. وقصف سفن تحمل أعلام دول ليس لها علاقة بالحرب الدائرة وغير منخرطة فيه مثل اليونان والهند.
التوسع فى الأهداف يؤكد على أن الحوثيين لا فرق لديهم ولا يميزون بين أهداف عسكرية أو تجارية.. مما يعرض الاقتصاد العالمى لخطر أزمات ونكبات شديدة.
ما تقوم به جماعة الحوثيين لا يندرج تحت أعمال المقاومة، بل هو نوع من القرصنة البحرية باستغلال القضية الفلسطينية لتبرير ضرب حركة التجارة العالمية.. بشكل انتهازى.. يضعف من أى تعاطف حقيقى مع القضية الفلسطينية.
أجندات خارجية
تبنت جماعة الحوثيين شعارات وطنية ودينية.. تم توظيفها لصالح أجندات خارجية بدرجات متفاوتة لتحقيق عدة أهداف فى وقت واحد، على غرار: إضعاف السعودية والتحكم بمضيق باب المندب لصاح إيران. وفرض أمر واقع بخلق سبب لبقاء القوات الغربية فى الخليج والبحر الأحمر بما يخدم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وبالتالى، من الصعب، بل والمستحيل.. إثبات أنهم يستهدفوا مصلحة اليمن، وهم يفرضون حكمًا ديكتاتوريًا شديد الانغلاق على مناطقهم، فضلا عن توظيفهم للأطفال كمقاتلين.. مثلما فعلت ولاية الفقيه فى حربها مع العراق.
جماعة الحوثيين بهذا الشكل.. لا يستهدفون لا مصلحة اليمن ولا حتى مصلحتهم المباشرة، بل تحولوا إلى وسيلة للتدمير الإيرانى بتفجير المنطقة.
وهم التضامن العربى
أعلنت جماعة الحوثيين فى شهر أبريل سنة 2024 مساندتهم الواضحة لقوات الدعم السريع فى السودان، وهو ما تم تصنيفه حينها أنه نوع من التحول التكتيكى فى خريطة تحالفاتهم. وتواكب مع ذلك تهديدهم للإمارات بسبب ما صرحوا به فى بياناتهم عن دورها فى العدوان على اليمن. وقطعًا، فإن هذا التدخل فى الصراع الداخلى السودانى.. من شأنه المزيد من تعقيد الوضع هناك. كما أن مثل تلك التهديدات المتكررة من شأنها فتح جبهة جديدة.. مع دولة تمتلك قدرات عسكرية واستخباراتية.. يمتد نفوذها إلى البحر الأحمر. إن مثل تلك المواقف والتصرفات.. تجعلنا نتأكد من جهود جماعة الحوثيين للتحول من مجرد ميليشيا محلية إلى قوة إقليمية مؤثرة وفاعلة فى محاولة تثبيت حالة تتجاوز قدرات الجماعة السياسية والعسكرية.. فليس لديهم الإمكانات فى فتح الحرب فى عدة جبهات، وهو ما من شأنه أن يكون سببًا فى سقوطهم المفاجئ.
الخنجر الذى طعن
قدمت جماعة الحوثيين نفسها فى البداية كحركة مقاومة ضد الفساد، وضد التدخل الهيمنة الأمريكية.
ورفعوا شعارات مثل «الموت لأمريكا» و»الموت لإسرائيل»، ولكن الواقع كشف التناقض وفضحه.. وهو ما عاد على إسرائيل بخدمات.. حصلت عليها أكثر من أى عدو لها. وحولت اهتمام العالم إلى متابعة هجمات الحوثيين على السفن، وأن يكون ضد القضية الفلسطينية بدلًا من دعمها. كما عززت أفعالها بالتبرير المنطقى لوجود قواعد أجنبية فى البحر الأحمر والخليج.
لقد خانوا الشعب اليمنى، وقاموا بمصادرة المساعدات، وجندوا الأطفال، وحولوا التعليم لتعبئة طائفية.. فهم أعداء الحرية والدولة. وبدلًا من مقاومة الولايات المتحدة الأمريكية.. فتحوا الباب أمام تدخلها، وجعلوا من اليمن مرتكزًا لحرب مفتوحة.. تستنزف العرب وتمنح الغرب مبررًا للهيمنة. ولا يمنع إعلان العداء للغرب، استجدائه خلف الغرف المغلقة والمظلمة فى المفاوضات. وحين تبدأوا الحرب.. يتلقون السلاح من إيران التى تتفاوض مع واشنطن.
جماعة الحوثيين لم يعودوا مجرد مقاومة. بل هم عملاء متنكرون بعباءة «الحق الإلهى»، خانوا اليمن والمنطقة، وأصبحوا المسمار الأخير فى مشروع تقسيم العالم العربى.. فلا يمكن الثقة فى جماعة شعارها «الموت» وسلوكها «الخيانة».
شبه متوقعة..
هناك 4 سيناريوهات يمكن توقعها فى ظل كل تلك الأحداث.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن من خلال حروب استنزاف فى البحر الأحمر، وضربات متفرقة من التحالفات العسكرية الدولية.
السيناريو الثانى: توسع رقعة المواجهة الإقليمية بالتدخل العسكرى البرى المحتمل من بعض الدول مثل: السعودية أو الإمارات لإخراج جماعة الحوثيين من منطقتى الحديدة وصعدة.
السيناريو الثالث: انقلاب داخل جماعة الحوثيين من خلال انقلاب جناح داخلها على القيادة الحالية بدعم خارجى.
السيناريو الرابع: حل سياسى شامل برعاية دولية.. يتضمن تفكيك ميليشيا الحوثيين، ودمجها تدريجيًا فى الدولة اليمنية الجديدة.
ويظل السيناريو الذكى هو جمع الضغط الدبلوماسى والعسكرى لإجبار جماعة الحوثيين على الحل السياسى دون سقوط الدولة اليمنية فى يد التطرف أو التفكك.
السيناريو الأول
أعلنت وزارة الخارجية العمانية يوم الثلاثاء الماضى.. التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعايتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الحوثيين فى اليمن بعد العديد من المناقشات والاتصالات التي أجرتها سلطنة عمان مع الطرفين بهدف تحقيق وقف التصعيد. وعدم استهداف أى منهما الآخر.. بما يؤدى إلى ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة المرور التجارى الدولى بما فى ذلك السفن الأمريكية فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ويظل السيناريو الأول في حالة فشل وقف اطلاق النار هو سيناريو التدخل الدولى المباشر، والذى ستقوده الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية بالمنطقة بهدف حماية خطوط الملاحة من مضيق هرمز للخليج العربى وإلى باب المندب للبحر الأحمر. وستكون قواعد الانطلاق المتوقعة من جيبوتى ومن قوات البحرية الأمريكية فى الخليج. وما سينتج عن ذلك التحالف من تقليص هجمات الحوثيين، وإنهاكهم على كافة المستويات المالية والعسكرية.. لفتح طريق للتفاوض.. كبداية لحل سياسى شامل للردع. ومع مراعاة المخاطر المتوقعة من رد فعل إيرانى غبر تصعيد وكلائها فى لبنان والعراق وسوريا وفلسطين.
نقطة ومن أول السطر
جماعة الحوثيين تحولوا من مجرد حركة دينية إلى فصيل أو ميلشيا مسلحة موالية لإيران.. بشكل يمثل تهديد لأمن البحر الأحمر وللمصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، مثل: مصر. أصبح من الواضح جدًا، أن بقاء جماعة الحوثيين على ما هم عليه الآن.. لا يمثل تهديدًا فقط لليمن، بل للأمن الإقليمى والدولى فى مجمله.
يكمن الحل فى مزيج من الردع العسكرى الذكى والضغط السياسى الدولى. وستظل مصر بتاريخها ودورها على مر التاريخ.. لاعبًا محوريًا فى حماية مصالحها واستقرار المنطقة.. عبر دورًا أمنيًا وسياسيًا فعالًا.