الأحد 27 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الشامتون فى وفاة البابا فرنسيس

الشامتون فى وفاة البابا فرنسيس

كل إنسان طبيعى شعر بالحزن لوفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وكل المضطهدين والفقراء والمهمشين فى جميع أنحاء الأرض فقدوا سندًا كبيرًا وداعمًا مهمًا لهم  فى مواجهة الطغاة ودعاة الرأسمالية المتوحشة، كل العالم بكاه بحرقة، ولكن هناك من فرحوا وشمتوا فى موته وأسعدهم رحيله - حتى ولو لم يعلنوا ذلك - فقد كانت مواقفه تمثل لهم حرجًا دوليًا وتكشف وحشيتهم وهمجيتهم، وكان بمثابة  حائط صد ضد أفكارهم ومواقفهم الإنسانية، أول هؤلاء هم  الصهاينة وعلى رأسهم مجرم الحرب نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى وأنصاره الذين أزعجتهم مناصرة البابا فرنسيس لغزة وأهلها ورفضه لتهجيرهم، ودعوته المستمرة لوقف العدوان الغاشم عليها، وهو ما جعل إسرائيل تهاجمه وتصفه بالانحياز وازدواجية المعايير، وكان البابا قد أدان أكثر من مرة ما تفعله إسرائيل فى غزة واستهدافها الأطفال، حيث وصف الوضع هناك بأنه «خطير ومخزٍ للغاية»، وقال «لا يمكننا قبول تجمد الأطفال حتى الموت بسبب تدمير المستشفيات أو قصف شبكة الطاقة، ولا يمكننا بأى حال من الأحوال قبول قصف المدنيين»، وربما أكثر ما يجعل إسرائيل تكرهه هو موقفه من القضية الفلسطينية حيث كان وراء اعتراف الفاتيكان بدولة فلسطين فى مايو 2015،  ولهذا فان إسرائيل ونتنياهو لن تنسيا دعم البابا للقضية الفلسطينية.  وربما هذا أيضًا ما يجعل الرئيس الأمريكى ترامب من السعداء أيضًا برحيل البابا فرنسيس فقد كانت معظم آرائه ومواقفه ضد تصرفات وأفكار ترامب، ولم تكن الكيمياء يومًا بين الاثنين على ما يرام، سواء فى فترة ترامب الأولى أو بعد عودته للبيت الأبيض، وخصوصًا بعد رفضه قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وقال البابا وقتها: «لا يمكننى أن أكتم قلقى الكبير حيال الوضع الذى نشأ فى الأيام الأخيرة حول القدس، وأوجِّه نداء من القلب حتى يلتزم الجميع باحترام الوضع القائم فى المدينة بما يطابق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة»، وقال أيضًا «القدس مدينة فريدة، مقدَّسة لليهود والمسيحيين والمسلمين الذين يُصلُّون فيها، كلٌّ فى المواقع المقدسة لديانته، ولها رسالة خاصة من أجل السلام». ولعل ما يزيد من كراهية ترامب له  اهتمامه وتعاطفه الكبير مع المهاجرين وعلى نحو خاص من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورفضه إنشاء جدار عازل بين أمريكا والمكسيك، فى نفس صف الشامتين يقف دعاة الرأسمالية المتوحشة، وأنصار التخلص من الفقراء، والمحافظين الأمريكيين، والسائرين على نهج ترامب،  فقد كان البابا منذ جلوسه على كرسى البابوية  يقوم بأعمال جليلة لصالح الفقراء فى كل العالم، وله مواقف رائعة فى نصرة المستضعفين، ولهذا كان دائما محل اتهامات بأنه يميل للأفكار الاشتراكية، وحسب ما أوضحه الكاتب والمفكر إميل أمين فى كتابه «فقير وراء جدران الفاتيكان»: كانت عظات البابا سببًا رئيسيًا فى اتهامات بعض الأصوات ولا سيما من تيار المحافظين الأمريكيين بأنها تحمل فى طياتها أفكارًا يسارية بحتة ،«كما وصفوا كلامه» كأنه منفيستو ماركسى جديد، ويكشف الكاتب «إن انتقاد البابا لاقتصاديات السوق الحرة جعل منه فى أعين غلاة الرأسمالية رمزًا لليسار ولا سيما بعد أن وصف الرأسمالية بأنها مصدر لعدم المساواة فى أحسن الأحوال وقاتلة على أسوأ تقدير»، وربما لم ينس هؤلاء بأنه شارك قبل أن يتم اختياره بابا  فى المظاهرات التى خرجت فى الأرجنتين ضد الانصياع لوصفات صندوق النقد الدولى وضد الوصفات النيوليبرالية للاقتصاد الأرجنتينى، ولكن موقف البابا من الرأسمالية المتوحشة لم يكن عن عقيدة سياسية أو اتجاه اقتصادى وإنما نابع من إيمان حقيقى بالمسيحية الحقيقية وبأفكار المسيح حتى إنه قال: «إن التلاقى مع الفقراء والمعذبين فى الأرض لا يأتى استجابة لأيديولوجية معينة»،كما قال أيضًا: «إن الفقر فى القلب من الإنجيل وعليه فإن الشيوعيين سرقوا رايتنا لأن راية المسيحية هى الفقر والفقراء»، رابع السعداء بوفاة البابا فرنسيس هم بعض رجال الدين الذين يربطون الدين بمصالحهم الخاصة، والكلام هنا ليس خاصًا بالمسيحية فقط ولكن فى كل الأديان، صحيح أن تصرفات البابا فرنسيس كانت فى الفاتيكان ولكنه من خلالها قدم نموذجًا لرجل الدين المتواضع الذي يرفض البذخ والتكسب والتربح، فعندما جلس على كرسى البابوية، رفض مجاملات كان يقبلها من سبقوه مثل أن تكون هناك معاملات خاصة لرجال الأعمال المتبرعين، ومثل إقامة عشاءات عمل مع المانحين وقداسات خاصة لهم، وكانت هذه رسالة لبعض الكرادلة الذين وصل بهم الأمر إلى جعل هذا النوع من اللقاءات «بيزنس» خاصًا بهم، والحقيقة أن تصرف البابا كان كاشفًا للمتربحين رجال الدين فى كل الأديان، وهو ما يجعلهؤلاء يكرهونه ويفرحون بالخلاص منه، خامس السعداء هم رجال الدين المحافظون الذين يرفضون الإصلاحات الدينية ويريدون الحفاظ على مكاسبهم من خلال تجميد العقل وتمجيد النقل بدعوى الحفاظ على الثوابت والحفاظ على المؤسسات الدينية، فقد ضرب البابا فرنسيس نموذجًا فى الاشتباك مع قضايا مؤسسته، والاشتباك أيضًا مع تحديات الإنسان المعاصر، وكان قد بدأ إصلاحًا طموحًا هادئًا للإدارة الفاتيكانية وأحاط نفسه بمجلس استشارى وشكل لجانًا خاصة بالأمور المالية ورفض مظاهر الترف واحتفالات التكريم، وبالطبع فإن فكرة التجديد والإصلاح لم تحظ باستحسان الكرادلة المحافظين الذين أبدوا تخوفًا من أن يؤدى العمل الجماعى وإضفاء الديمقراطية على الكنيسة إلى إصابتها بالشلل والفوضى، وهو نفس تخوف المحافظين فى كل الأديان،  سادس الفرحين هم الرافضون للتقارب المسيحى - الإسلامى وهو النهج الذى تبناه البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فأصبحت هناك علاقات طيبة بين المؤسستين الدينيتين بعد سنوات من الجفاء، والتى ازدانت منذ سنوات بوثيقة الأخوة الإنسانية، وهو أمر يزعج المتطرفين فى الدينين والذين ينتفعون من الخلافات واشتعالها، ويكفى الشماتة التى أظهرها بعض المتطرفين عبر كتاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعى فى وفاة الحبر الجليل ناسين أنه من أكبر الداعمين للفلسطينيين وقضيتهم، ولعل الرد على هؤلاء الشامتين ما قاله شيخ الأزهر فى نعيه للبابا فرنسيس بأنه أخوه فى الإنسانية ورمز لها من طراز رفيع.