الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. أولوية المصالح الاستراتيجية على الخلافات السياسية.. الشراكة فى الملفات المشتعلة.. لا تحتاج التطابق الكامل فى المواقف والآراء!  مصر وقطر والكويت.. برجماتية الأمر الواقع

مصر أولا.. أولوية المصالح الاستراتيجية على الخلافات السياسية.. الشراكة فى الملفات المشتعلة.. لا تحتاج التطابق الكامل فى المواقف والآراء! مصر وقطر والكويت.. برجماتية الأمر الواقع

فى ظل التحديات الإقليمية غير المسبوقة، والدفع إلى إعادة تشكيل النظام العربى على أسس الاشتباك مع الواقع من جانب، والتفاعل مع ما يحدث فى المنطقة والإقليم ضمن ما يحدث فى العالم من جانب آخر. ولذا جاءت أهمية زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى كل من قطر والكويت.. لتأكيد موقف ذى أبعاد استراتيجية مؤثرة، من شأنها زيادة تفعيل دور مصر مع دول الخليج، وفتح آفاق جديدة للتنسيق العربى – العربى فى ملفات جوهرية تمس الأمن القومى للمنطقة كلها.



هذه الزيارة كما أراها.. لا تندرج تحت اللقاءات الخارجية البروتوكولية الدورية، بقدر ما هى رسالة سياسية عربية مزدوجة لتأكيد مسألة إعادة بناء روابط الثقة مع دول الخليج، والتأكيد على أهمية التضامن من خلال موقف موحد فى صياغة هندسة التوازنات الإقليمية.

 إدارة اختلاف المواقف

تمثل زيارة الرئيس السيسى إلى قطر محطة دبلوماسية مهمة فى إطار تأكيد تطبيع العلاقات بعد سنوات متراكمة من الخلاف السياسى. وعلى الرغم من تزايد الاختلاف فى وجهات النظر 

بين القاهرة والدوحة التى وصلت لذروتها سنة 2013 وما بعدها، فإن المتغيرات الدولية المتلاحقة والسريعة التى أصبحت أمراً واقعاً.. خاصة بعد التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية وموقفها من الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، والتراجع عن الالتزامات السابقة.. فرضت على دول المنطقة البحث عن حلول غير تقليدية فى ضرورة تجاوز الخلافات التاريخية فى سبيل الحفاظ على مستقبل أفضل. وهو لا ينطبق فقط على العلاقات الثنائية، ولكن أيضاً على مدى الحاجة إلى تنسيق عربى لمواجهة التمدد الإقليمى لإيران، وتبعيات حرب غزة، من خلال ترسيخ واقع سياسى جديد لإدارة اختلاف المواقف بدلاً من تأجيجها، وهو ما سندفع ثمنه غالياً دون استثناء.

الواضح أن العلاقات الدبلوماسية فى المنطقة العربية، دخلت مساحة جديدة.. تتبنى مبدأ التعاون فى الملفات المشتعلة التى تفرضها الضرورة الجيوسياسية، وفى الوقت نفسه، تأجيل التفاوض فى الملفات المعلقة، وتجميدها فى سبيل فتح المجال أمام شراكات غير ملزمة بالتطابق الكامل سواء فى الآراء أو المواقف. وهو ما يسمح باستمرار التركيز على خلفية الخصوصية التاريخية للعلاقات المصرية – القطرية والمصرية – الكويتية من جهة، وبناء تحالفات جديدة ليس على المستوى الاقتصادى فقط، بل وفى الأولوية التنسيق السياسى والأمنى من جهة أخرى.

 القمتان

لم تقتصر النتائج فى القمة المصرية - القطرية على توقيع مذكرات التفاهم الاقتصادية.. كما حاول البعض أن يختزلها، بل امتدت إلى توحيد مرتكزات الخطاب السياسى فى العديد من الملفات الدبلوماسية المشتعلة. والواضح، وجود ملامح لإرادة سياسية لدى القيادة القطرية لإعادة صياغة علاقتها تجاه القاهرة ومكانتها، خاصة فى ظل وجود مصالح استثمارية ضخمة بين الطرفين. وقبلها تنسيق ثنائى فائق الأهمية مع الأطراف الفلسطينية وإسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023. 

وفى الكويت، كان الطابع السياسى أكثر ثباتاً. وأجد أن الموقف الكويتى مع مصر ظل راسخاً على مدى سنوات طويلة، وهو ما يعتبر أحد مرتكزات الأمن الخليجى فى ظل التهديدات العابرة للحدود التى تواجه منطقة الخليج.. مثلما كان الموقف المصرى من احتلال الكويت، والسعى لإعادة استقرار الشعب الكويتى.

وما سبق، لا علاقة له إطلاقاً بتجاوز فردى من هنا أو هناك على السوشيال ميديا وغيرها، فالعلاقات الدولية.. تحكمها معايير وتوجهات ومصالح.. ربما تكون أبعد مما نتخيل من بوستات وهمية للتحريض. 

 فلسطين: التوافق أهم من التمويل

فيما يخص القضية الفلسطينية، نتج عن القمتين.. تطور إيجابي مهم، سواء من خلال الخبرة المصرية لسنوات طويلة فى طريق السلام مع إسرائيل، وفى إدارة الصراع العربى – الإسرائيلى، وفى العلاقات مع كافة الأطراف والفصائل الفلسطينية. وهو مل يجعل مصر طبقاً للمفاهيم الدبلوماسية.. لاعباً رئيسياً والأكثر قدرة على التواصل مع جميع الأطراف دون استثناء. ويدعم ذلك تأثير قطر على سبيل المثال على حركة حماس، وما يمكن أن ينتج عن ذلك واستثماره فى التهدئة ودعم تحقيق الاستقرار. 

ما تحتاجه القضية الفلسطينية الآن، ليس الدعم السياسى أو المالى، بقدر ما تحتاج إلى مساحة من التوافق العربى الفعال الذى يقود إلى إعادة طرحها وتقديمها.. كقضية مركزية بعيدة تماماً عن توظيفها واستغلالها لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.

 السودان: الحرب بالوكالة

أما فى الملف السودانى، فأصبح هناك اتفاق بين القمتين على المخاطر التى تحيط بالسودان إزاء تحولها إلى ساحة للصراع وفرض النفوذ لقوى وتكتلات غير عربية. ولذا يستند التحرك المصرى فى السودان بالمسئولية الوطنية لتفادى المزيد من التورط فى صراعات مباشرة.. يدفع ثمنها يومياً أبناء الشعب السودانى بالمزيد من القتل والدمار.

الدعم القطرى والكويتى للجهود المصرية فى السودان.. يشير إلى فهم مشترك بضرورة وقف تلك الحالة الحالية من الحرب الأهلية الشاملة، ومدى تأثير وتبعات ذلك المباشرة على أمن 

البحر الأحمر، واستقرار مصر وشبه الجزيرة العربية على حد سواء.

 إيران: تقاطعات واشتباكات

قطعاً، هناك تفاوت فى مستوى العلاقات بين مصر وقطر والكويت مع إيران، وهو ما ينعكس على التقاطعات والاشتباكات حول الخطوط الحمراء. مصر وقطر والكويت.. يرفضون التدخل الإيرانى فى الشأن العربى بكل الأشكال. والقاهرة هنا تقدم نموذجاً دبلوماسياً متوازناً باتباع مبدأ (لا مقاطعة دبلوماسية، ولا اصطفاف طبيعى).

أما قطر.. فهى تملك علاقات أكثر انفتاحاً مع طهران، كما اتبعت فى السنوات الأخيرة.. مرونة فى التنسيق بينها وبين الدول العربية فى سبيل محاولات الحفاظ على التوازن الإقليمى.

 تحولات واستقطابات برجماتية

ما نشهده اليوم فى منطقتنا العربية ليس وليد الصدفة، بل هو شكل من أشكال التحولات الجذرية لأولويات السياسة الخارجية للإقليم كله.. خاصة لمصر ودول الخليج. وهو ما يمكن تحديده فى أنه بعد مرحلة الاستقطاب الحاد بعد ثورات الخريف العربى الأسود سنة 2011، بدأنا بعد ذلك فى مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها «برجماتية الأمر الواقع»، حيث تتقدم المصالح الاستراتيجية بأولوية مطلقة على الخلافات الإيديولوجية والسياسية.

إأنه  التحول الضرورى.. خاصة أن التهديدات التى تواجه الإقليم بما فيه الدول العربية من الانهيارات الاقتصادية والتدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.. لا يمكن مواجهتها على الإطلاق بمنطق الانقسام والفردية.

ما يبدو فى الأفق، أن التحالف المصرى - الخليجى الجديد.. أكثر انفتاحاً على تنوع الحلفاء، وأقل رهاناً على الأجندات الخارجية التقليدية، وهو ما يمنحه قدرة أكبر على المبادرات السياسية العملية.

دلالات وتوقعات

أرى أنه يمكن تحديد ثلاث دلالات مهمة حول القمتين، على غرار: 

الأولى: تأكيد مركزية الدور المصرى.. فرغم التحديات الاقتصادية، تظل القاهرة لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه فى أى ترتيبات إقليمية.. خاصة السياسية والأمنية التى تخص المنطقة العربية.

الثانية: عودة الدوحة إلى المحيط العربى من بوابة القاهرة.. يشير إلى تطور نوعى فى السياسة القطرية نحو الانخراط فى الإطار العربى بالتعاون، بدلاً من التحرك بشكل فردى.

الثالث: تجديد الرهان الخليجى على مصر سواء بعمقها الجيوسياسى فى المنطقة، أو كنقطة توازن إقليمى آمن فى ظل التهديدات الإيرانية والتركية والإسرائيلية.

وقراءة المشهد الحالى، تشير إلى أن هذه الزيارة.. تمثل بداية مرحلة جديدة فى العلاقات العربية – العربية.. تقوم على تنسيق المواقف وليس الصدام، وعلى تكامل الأدوار وليس التناقض والازدواج.

 نقطة ومن أول السطر

لم تكن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى قطر والكويت.. مجرد لقاء دبلوماسى عادى، بل هى خطوة استراتيجية لإعادة صياغة العلاقات العربية – العربية من منظور واقعى ومستقل لتحقيق المصالح العربية بعيداً عن الأجندات الخارجية المرتقبة فى ظل تحولات سريعة، استطاعت مصر أن تثبت فيها.. أنها قادرة على التكيف والانفتاح والحوار والتفاوض دون التفريط بثوابت أمنها القومى وأمن الإقليم.

فى تقديرى، أن التحدى القادم لن يقتصر فقط على بناء تفاهمات سياسية، بل فى تحويل هذه التفاهمات إلى أهداف تنموية مشتركة من خلال البرامج والمشروعات والآليات المستمرة التى تدعم مساحة الموقف العربى الفعال، والتى تسهم فى ترسيخ وجود نظام إقليمى عربى قادر على التأثير، وليس فقط على التكيف أو التبعية.