
كريمة سويدان
أنا وقـلمى .. الموت قهرًا
«الموت قهرًا» عبارة قصيرة، لكنها تحمل عمقًا مؤلمًا، توحى بحالة من الحزن الشديد أو الانكسار الداخلى الذى يُشبه الموت، حيث إن الموت النفسى والعاطفى بسبب القهر أو الظلم أو السب والإهانة أو التنمر قد يؤدى إلى الموت الفورى، صحيح أن الأعمار بيد الله وحده، ولكن هناك أسبابًا لبعض الحاﻻت التى تأتيها المنية فجأة خاصة فى ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى نعيشها الآن، وما دفعنى لكتابة هذا المقال تكرار وقائع تعدى مسئولين باللوم والإهانة على مرءوسيهم أمام الجميع، حيث أثارت - مؤخرًا - حادثة وفاة «أسامة البسيونى» مدير إدارة الباجور التعليمية فى محافظة المنوفية بالتزامن مع زيارة مفاجئة لوزير التربية والتعليم والتعليم الفنى «محمد عبداللطيف» جدلًا واسعًا، ومهما اختلفت الروايات حول الواقعة وانقسمت الآراء بين مع وضد، فإن هناك تأكيدًا على أن مدير الإدارة قد تعرض لقهر، ما دفع أحد نواب مجلس النواب إلى التقدم ببيان عاجل إلى رئيس مجلس النواب موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم بشأن وفاة مدير إدارة الباجور التعليمية الذى توفى نتيجة زيارة مفاجئة من وزير التعليم ونائبه، والتعدى لفظًا على الفقيد أمام العاملين بالمدرسة - محور الزيارة - ما أدى إلى وفاته، خاصة أن إدارة الباجور التعليمية - وهى تحت رئاسة الفقيد- حازت على جائزة الإدارة المثالية من المحافظة قبل بضعة أشهر.. وﻻ ننسى واقعة وفاة «إسماعيل حلمى» مدير التعليم الإعدادى والثانوى بإدارة «دير مواس» التعليمية التابعة لمحافظة المنيا العام الماضى، حيث أكد مئات المعلمين بتلك الإدارة التعليمية أن موته كان بسبب القهر من سوء معاملة مدير إدارة «دير مواس التعليمية» له وسبه وإهانته فى أحد الاجتماعات، ثم إلغاء انتدابه وعودته مدرس فصل مرة أخرى.. وهناك وجه آخر للموت قهرًا بسبب «سوء الإدارة» الذى يتحول فيه المسئول أحيانًا من قائد إلى عبء يُثقل كاهل الموظفين والعاملين، فلم يعُد «سوء الإدارة» مجرد خلل تنظيمى أو تأخير فى اتخاذ القرار، بل أصبح سببًا مباشرًا فى أزمات صحية ونفسية قد تودى بحياة الموظفين، وطبقًا لبعض التقارير غير الرسمية هناك تزايد فى معدﻻت الانهيار النفسى والانتحار فى أوساط الموظفين بالقطاعين العام والخاص نتيجة للضغط المفرط والإهانة المتكررة وغياب بيئة العمل الآمنة، من أشهر هذه الحاﻻت انتحار موظف فى إحدى شركات «الكول سنتر» بالقاهرة الجديدة بعد تهديده بالفصل بسبب ظروفه الصحية، ووفاة موظف حكومى آخر داخل مكتبه بمحافظة الجيزة بعد تعرضه لتوبيخ حاد من مديره وفقًا لشهادة زملائه، ومن المعروف أن الإدارة غير الواعية فى القطاعات الخدمية والصناعية تُصبح خطرًا إضافيًا حيث إن المدير السيئ ﻻ يستهلك فقط إنتاجية فريقه، بل يدمر صحته النفسية والبدنية، وكل قرار متعنت أو تأخير فى إنقاذ موظف قد يتحول إلى سبب وفاة، والغريب أنه رغم تكرار هذه الحوادث فإنه نادرًا ما تتم محاسبة المسئول بشكل مباشر وواضح وسريع، مما يفتح الباب لتكرارها، إلى جانب غياب قنوات التظلم الفعالة وتجاهل الدوافع النفسية فى بيئة العمل التى قد تؤدى إلى تفاقم المشاكل، لذا أوصى عدد من الخبراء بضرورة إلزام الجهات الحكومية والخاصة ببرامج تدريب إجبارى للمسئولين حول الإدارة السليمة وضمان وجود دعم نفسى داخل المؤسسات، مع تفعيل قنوات الشكاوى بصورة محايدة وسرية.. وتحيا مصر.