الثلاثاء 15 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حنكة ولى العهد السعودى تمكنه هذه المرة من احتواء عشوائية الرئيس الأمريكى ترامب إلى الرياض للمرة الثانية وسط تعقيدات جيوسياسية

للمرة الثانية ستكون المملكة العربية السعودية هى الوجهة الأولى للرئيس الأمريكى المثير للجدل دونالد ترامب فى رحلته التى يعتزم القيام بها إلى العاصمة الرياض فى شهر مايو المقبل. فى سيناريو حدا بالسعودية أن تقلب القواعد الدبلوماسية وترسل وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إلى العاصمة الأمريكية واشنطن للإعداد والترتيب لزيارة ترامب، حيث إن القواعد الدبلوماسية كانت تقضى بأن يأتى وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو إلى الرياض لترتيب جدول الزيارة وليس العكس.



 وهو ما يعكس رغبة المملكة فى تحديد أجندة الزيارة، ورسم أهدافها، والتحكم فى جدول بنودها على خلاف زيارة ترامب الأولى عام 2017 عندما استُقبل بحفاوة بالغة فى الرياض، وألقى خطابًا لمدة 30 دقيقة أمام قادة الدول العربية والإسلامية أوضح فيه أولويات سياسته الخارجية.

لكن وإن كانت زيارة ترامب المقبلة توحى بأن التاريخ ربما فى بعض الأحيان يعيد نفسه من حيث الشكل، إلا أن عليه أن يدرك أن كل زيارة هى بنت زمانها، فواقع الأوضاع الجيوسياسية الحالية قد تبدل وتغير وبات مختلفا وأكثر تعقيدا، عما كان عليه قبل ثمانى سنوات، فالمملكة تمتلك من التراكمات التى اكتسبها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان التى تمكنه من إدارة مفاوضاته مع ترامب بحنكة وندية أكثر، ومن الرصيد الوافر الذى اكتسبه الأمير الشاب على مستوى العالم بعد أن استغل فترة رئاسة جو بايدن التى خيم عليها الضعف والارتباك والضبابية واستثمرتها المملكة فى تعزيز علاقاتها مع كل من روسيا والصين، كما استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بوساطة صينية، وهى الدولة التى انتقد ترامب دورها فى المنطقة 11 مرة فى خطاب الرياض عام 2017، ولم تنس المملكة تجاهل ترامب ضلوع إيران فى الهجوم على منشآت أرامكو فى بقيق وخريص «شرق السعودية»، منتصف سبتمبر 2019.

وفى زيارته المرتقبة سوف يواجه الرئيس الأمريكى تحديًا جديدًا، وهو مواجهة إيران دون حماس من الإدارة السعودية، خصوصا أن سياسة ممارسة الضغط القصوى التى تبنتها إدارته الأولى لم تجد نفعا فى ردع إيران، أو وقف تدخلاتها فى دول المنطقة، بل واصلت طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة %60، ما يقربها من إنتاج سلاح نووى خلال أسابيع أو أشهر قليلة، كما أوضحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هذه المخاوف تطرح العديد من التساؤلات فى هذا السياق حول إمكان توصل واشنطن إلى اتفاق نووى جديد مع إيران، وهى التى أعلنت بعد ممانعة عن مفاوضات مباشرة بدأت اليوم السبت فى سلطنة عمان بين وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، ووزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى، خصوصا إذا علمنا أن معظم القيود المفروضة على إيران وفق اتفاق 2015 الذى انسحب منه ترامب فى فترة رئاسته الأولى سترفع بحلول شهر أكتوبر المقبل، وهو آخر موعد يسمح فيه للغرب بتطبيق عقوبات «سناب باك»، مما يصعب العودة إليه، ويحتم التفاوض على اتفاق جديد، ومن المتوقع كما جرت عادته أن يمارس الرئيس الأمريكى تهديداته المتزايدة باستخدام القوة العسكرية ضد طهران لإجبارها على تغيير سياستها والتخلى عن مشروعها النووى وتفكيك برنامجها، فى المقابل فإن إيران ليست فى وضع يسمح لها بالموافقة على تفكيك برنامجها النووى، فهى لا تزال تتمسك بالاتفاق النووى الذى أبرمه باراك أوباما فى 14يوليو 2015، ودخل حيز التنفيذ فى 20 يناير 2016 ولاتزال تمسك به خمس دول هى: الصين، روسيا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا، بعدما انسحب منه ترامب فى ولايته الأولى.

واقع الأمر أن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والدولة الإيرانية أسهمت فى تعقيد استراتيجية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وباتت حجر عثرة أمام سياسته المناهضة لإيران، ففى عام 2017 بنى ترامب تحالفا ضم عددا من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية ضد طهران، وانسحب من الاتفاق النووى عام 2018، لكن السعودية تعطى من جانبها حاليًا الأولوية للاستقرار مع الدولة الجارة إيران، وتدرك أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، سواءً بالحرب أو بالاتفاق، يدفعها إلى الاستمرار فى تعزيز سياساتها الحالية وتعميق مصالحاتها فى المنطقة مع إيران وغيرها.

وبعد أيام من تأكيد ترامب زيارته المرتقبة إلى السعودية أجرى الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان اتصالًا هاتفيًا مع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان تطرق خلاله إلى التطورات الإقليمية، وأكد انفتاح الجانب الإيرانى تجاه التفاوض، وأن إيران لا تبحث عن الحرب وأنها مستعدة لـلتفاوض من أجل حل بعض التوترات على أساس المصالح والاحترام المتبادل، ومن وجهة نظر مسعود بزشكيان أن السعودية فى موقع مثالى للعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران لما يتمتع به ولى العهد السعودى من قوة تأثير ومصداقية على الصعيد العالمى، خصوصا أن المملكة تتمتع حاليا بعلاقات قوية ومتوازنة مع القوى العالمية الكبرى أمريكا والصين وروسيا، فى المقابل فإن ترمب يعطى الأولوية لنفوذ وتأثير المملكة العربية السعودية والخليج على طهران وقدرتهم على التأثير عليها بعيدًا عن السياسة الإسرائيلية التصعيدية التى من شأنها توريط أمريكا فى المنطقة وهو ماينذر بابتعاد حلفائها وانفضاضهم عنها. 

ورغم أن الرياض تسعى لأن تكون فى مقدمة الدول الحليفة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلا أنها فى نفس الوقت تحرص على علاقات التهدئة مع إيران وتبادل الزيارات وإجراء اللقاءات والحوار المباشر على عكس رغبة ترامب الذى يطالب السعودية بوقف مسار التقارب مع طهران وتسريع التقارب مع إسرائيل والمضى بخطوات عملية فى إنجاح التطبيع ضمن مسار الاتفاقيات الإبراهيمية الذى أرساه ترامب خلال ولايته الأولى ويتحمس للمضى فيه وضم دول عربية أخرى إليه، لكن المملكة رفضت الانضمام لهذا المشروع الإبراهيمى واشترطت المضى فى مسار حل الدولتين.

ويعتقد متابعون للشأن الخليجى أن الزيارة ستكشف مدى التقارب أو التباعد بين المملكة وإدارة ترامب، مشيرين إلى أن الرئيس الأمريكى، الذى يريد تغيير المعادلات، لن يكتفى بتوقيع اتفاقيات حول الاستثمارات السعودية، فهذا سيكون تحصيل حاصل، وأنه سيعمل من خلال الزيارة على تحقيق نتائج أخرى تتعلق بملفات مثل الموقف من إيران وتسريع التطبيع وانضمام المملكة إلى مسار الاتفاقيات الإبراهيمية، وكذلك موضوع النفط ودور السعودية فى توجيه دفة أوبك+ باتجاه ما يسعى إليه ترامب.

ولا تريد السعودية أن تكون على هامش شبكة العلاقات التى يؤسس لها ترامب، أو أن تبدو وكأنها تقف ضد سياساته كما كانت تتعامل مع الرئيس السابق جو بايدن، إذ أن الأمر مختلف كليا، خاصة مع الحملة القوية التى يقوم بها الرئيس الأمريكى خارجيا فى موضوع الرسوم، بما لا يسمح لأيّ جهة بالوقوف فى وجه خططه.

وأرسلت المملكة أولى الإشارات بخصوص رغبتها فى أن تكون فى صف ترامب من خلال دورها فى زيادة الإنتاج داخل أوبك+ وخفض أسعار النفط رغم أن المبرر فى ظاهره بدا معبّرا عن غضب سعودى من عدم التزام بعض أعضاء المجموعة بالحصص المخصصة لهم، لكنه فى النهاية يخدم سياسة ترامب فى خفض أسعار النفط.

وجاءت الخطوة السعودية من قبل أن يطلب الرئيس الأمريكى خفض الأسعار بشكل معلن واعتبرت حركة ذكية ضمن سلسلة الخطوات التى تجهزها المملكة لاستقبال ترامب مع بداية الشهر القادم، رغم أن خفض الأسعار إلى 65 دولارا للبرميل أو ما دون ذلك يضر بمصالح السعودية وخططها التنموية.