السبت 17 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
مصر أولا.. مطرقة الداخل.. فخ التقسيم وسِندان الخارج.. حرب باردة جديدة..  من الخرطوم إلى البحر الأحمر..  حرب النفوذ الإقليمية ومصير السودان المهدد!

مصر أولا.. مطرقة الداخل.. فخ التقسيم وسِندان الخارج.. حرب باردة جديدة.. من الخرطوم إلى البحر الأحمر.. حرب النفوذ الإقليمية ومصير السودان المهدد!

دخل السودان فى شهر أبريل 2023، أسوأ أزماته الوطنية والسياسية والعسكرية فى تاريخه الحديث؛ حيث اندلع قتال شرس بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف إعلاميًا بـ«حميدتى»).



 

والظاهر فى هذا الصراع الذى وصل إلى حرب أهلية وحرب شوارع.. أنه صدام داخلى على السلطة، والحقيقة أن ما يحدث فى السودان هو تكرار لما حدث فى العراق ثم فى لبنان من قبل؛ حيث تحولت تلك البلاد إلى ميدان مفتوح لصراعات إقليمية ودولية.. تتداخل وتتشابك فيها المصالح الاستراتيجية الكبرى.

ومع استمرار الحرب للعام الثانى على التوالى، يبدو أن السودان يتجه بقوة دفْع أطراف خارجية قبل داخلية نحو أحد أكثر السيناريوهات تعقيدًا فى تاريخه سواء بحرب طويلة الأمد، أو بتفكك محتمل، أو بتسويات دولية تعيد رسم شكل الحياة السياسية فيه.. ضمن سياق خرائط جديدة متصورة للمنطقة. 

 الواقع المرير..

تشير جميع التقارير الميدانية رغم محدوديتها حتى شهر فبراير 2025 إلى أن القتال لا يزال مستمرًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع فى العديد من المناطق الرئيسية؛ وبخاصة فى العاصمة الخرطوم وولاية دارفو.

فى الفترة الأخيرة، استعادت القوات المسلحة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم والمناطق الوسطى.. بعد معارك دامية، ولكنها لا تزال تواجه مقاومة شرسة من قوات الدعم السريع.. التى تحافظ على مواقعها فى بعض الأحياء الرئيسية. أمّا دارفور؛ فقد أصبحت بؤرة عنف خطيرة؛ حيث أفادت التقارير بوقوع عمليات تطهير عرقى واستهداف للمدنيين، مما أعاد إلى الأذهان مجازر دارفور الأولى. ولا يزال هناك تصاعد للاشتباكات بين الجيش والميليشيات المحلية فى ظل ضعف سلطة الدولة المركزية فى منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان. 

والخلاصة؛ أن الوضع الإنسانى حسبما تشير الأمم المتحدة يندفع نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتشير بعض التقديرات إلى أن معاناة أكثر من 14 مليون سودانى من نقص حاد فى الغذاء والمياه والدواء، بينما رحل ملايين اللاجئين إلى دول الجوار مثل: مصر وجنوب السودان وتشاد.

هذا الواقع المأزوم يعكس بكل الأشكال.. حجم التعقيد والتشابك والتقاطع الذى يحيط بالأزمة السودانية، غير أنه ليس منفصلًا عن التطورات الإقليمية والدولية الأخرى.

 نيروبى..

استضافت العاصمة الكينية نيروبى خلال شهر فبراير 2025، الفعالية التى نظمتها قوات الدعم السريع، والتى أعلنت فيها عن رغبتها فى تشكيل حكومة موازية. وهو الإجراء الذى أثار قلقًا دوليًا بالغًا؛ حيث اعتبرها الاتحاد الإفريقى والجامعة العربية محاولة لتقسيم السودان.

تُعَد كينيا من الدول الداعمة لحلول تفاوضية للأزمة السودانية، وفى سبيل تحقيق هذا الدور.. استضافت عدة اجتماعات للمعارضة السودانية فى السنوات الأخيرة. والملاحظة هنا؛ هى اختيار نيروبى كمكان للإعلان عن «حكومة موازية».. يعكس مدى تعقيد المشهد السياسى؛ حيث تضغط قوات الدعم السريع على اكتساب شرعية دولية، فى المقابل الذى تسعى فيه الحكومة السودانية المعترَف بها دوليًا لإفشال هذه الخطوة.

وعلى المستوى الدولى؛ رفضت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.. الاعتراف بأى كيان سياسى موازٍ، بينما أبدت بعض القوى الإقليمية العربية.. مواقف أكثر انفتاحًا ومرونة تجاه قوات الدعم السريع فى ظل متانة العلاقات التاريخية القوية التى تربطها بـ«حميدتى».

 دعم روسى ورفض أمريكى..

من أهم القضايا التى زادت من تعقيد الأزمة السودانية.. هى الموقف من إنشاء ميناء على البحر الأحمر بدعم روسى. التى تحاول منذ عدة سنوات.. تعزيز نفوذها فى إفريقيا والبحر الأحمر؛ وبخاصة بعد فرض العقوبات الغربية والدولية عليها بسبب حرب أوكرانيا.

تعود هذه الفكرة إلى سنة 2017، حينما وقّع الرئيس السودانى السابق عمر البشير اتفاقًا مع روسيا لإنشاء قاعدة بحرية فى بورتسودان على البحر الأحمر. ولكن بعد الإطاحة به، تراجعت الحكومة الانتقالية عن تنفيذ هذا المشروع.. حتى عادت المفاوضات مرّة ثانية فى عام 2023.

ولا يزال الموقف الأمريكى ضد تنفيذ هذا المشروع؛ حيث تعتبر البحر الأحمر منطقة استراتيجية مهمة، وترى أن وجود قاعدة روسية فى السودان سيمنح موسكو نفوذًا إضافيًا، وهو ما يفسّر ضغوطها المستمرة لمنع تنفيذ المشروع.

 الأزمة السودانية وغزة.. 

الملاحظ؛ أنه مع تصاعد وتيرة الصراع فى السودان، تحوّل الاهتمام الإعلامى الدولى بشكل ملحوظ من أزمة غزة إلى صراع السودان، فى الوقت الذى تستمر فيه الحرب فى غزة.

وعلى الرغم من أن التركيز الإعلامى العالمى منذ شهر أكتوبر 2023؛ مرتكز  بشكل رئيسى على العدوان الإسرائيلى على غزة؛ فإنه مع نهاية سنة 2024 وبداية سنة 2025، بدأ السودان يحتل مساحة أكبر فى الأخبار والتقارير الإعلامية الدولية من جانب، كما بدأت العديد من منظمات المجتمع المدنى الدولية تصدر تقارير عن مأساة الشعب السودانى من جانب آخر.

والسؤال المنطقى: هل هذا التحول يعتبر أمرًا طبيعيًا.. نتيجة لتطورات الصراع السودانى أمْ أن هناك توجهًا إعلاميًا متعمدًا غير مكتوب لتحويل بوصلة الاهتمام بعيدًا عن غزة؟

قطعًا؛ لا يمكن الجزم بإجابة قاطعة وحاسمة، لكن المؤكد أن الإعلام الدولى يميل إلى تغطية أزمات متعددة فى الوقت نفسه.. مما يجعل الأمر يشير بقوة إلى أن هناك «تعمد» لصرف الأنظار عن قضية بعينها.

 الترقب الحذر..

تراقب مصر ما يحدث فى السودان بقلق شديد وحذر؛ نظرًا للروابط التاريخية والجغرافية والإنسانية بين شعبىّ البلدين. ولا يخفى دبلوماسيًا وجود مخاوف مصرية ذات أبعاد متعددة بسبب:

1 - تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر.. مما يشكل تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا.

2 - المخاطر المحتملة من امتداد الفوضى والصراع إلى الحدود «المصرية- السودانية».

3 - التأثير على مسار التعامل مع ملف سد النهضة؛ حيث يعتبر السودان لاعبًا رئيسيًا فى أى مفاوضات بشأن مياه النيل.

وهو ما جعل مصر تبادر بالعديد من التحركات الدبلوماسية؛ حيث دعت إلى وقف القتال وإيجاد حل سياسى. ودعمت المبادرات الإقليمية على غرار: جهود الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية. كما دعمت وجودها العسكرى على الحدود؛ لضمان عدم تسلل أى تهديدات إلى داخل الأراضى المصرية.

 الحرب والتقسيم..

مع التصميم على استمرار القتال، تزداد احتمالات تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع أو ميليشيات مسلحة أخرى. وتشير بعض الدراسات إلى سيناريو التقسيم بقوة إلى:

  - الشمال تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.

- الغرب (دارفور) منطقة نفوذ قوات الدعم السريع.

- الشرق (بورتسودان) تحت سيطرة الحكومة الرسمية لكنه قد يشهد اضطرابات.

وهو ما يعنى استمرار سيناريو الحرب الأهلية؛ خصوصًا مع عدم التوصل إلى اتفاق سياسى. وهو ما يعنى أيضًا دخول السودان فى حرب طويلة الأمد، مثلما حدث فى سوريا؛ حيث تتحول البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراع الدولى بالوكالة.

 سيناريوهات متوقعة..

مع عدم وجود بوادر لحل شامل للسلام والاستقرار، الطبيعى أن يستمر الصراع والصدام. ولذا يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية، هى:

الأول: التوصل إلى تسوية سياسية بدعم ومساندة دولية.. بحيث يمكن التوصل إلى اتفاق ينهى حالة الحرب.

الثانى: تقسيم السودان بشكل تدريجى مع استمرار القتال، وما يمكن أن يترتب عليه من ظهور كيانات مستقلة بحكم الأمر الواقع.

الثالث: استمرار حالة الحرب دون حسم بسبب استمرار الصراع لسنوات دون حل نهائى.. مما يجعل من السودان.. ساحة نزاع وحرب دائمة.

 نقطة ومن أول السطر..

يواجه السودان اليوم أصعب لحظة فى تاريخه؛ حيث تتداخل الصراعات الداخلية مع المصالح الإقليمية والدولية. ويظل السؤال: هل سيتمكن السودان من الخروج من هذه الأزمة متحدًا أمْ أن الحرب ستؤدى إلى تقسيمه وخَلق واقع اجتماعى وإنسانى جديد؟ أعتقد أن الأيام القليلة المقبلة.. ستكون حاسمة فى تحديد مصير هذا البلد الذى يقف على مفترق طرُق خطير لنفق الأزمة الأسود والمظلم.>