
أسامة سلامة
هل يفعلها البابا تواضروس؟
مع بداية الصوم الكبير الذى يسبق عيد القيامة المجيد وتزامنه مع دعوة الرئيس الأمريكى ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة وإخلائها من أهلها لاستغلالها كمنتجعات سياحية، ومع استمرار العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين ، أتمنى أن يُفّعل البابا تواضروس تطبيق قرار البابا شنودة بمنع سفر الأقباط إلى القدس؛ وهو القرار الذى اتخذه البطريرك الراحل بعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة فى فلسطين واستيلائها على دير السلطان المملوك للكنيسة المصرية ومنحه للإثيوبيين، القرار لم يعد يطبق بجدية رغم أنه ما زال قائمًا ولم يتم إلغاؤه حتى الآن، بل تساهلت الكنيسة مع من سافروا حتى أنها سمحت لبعض الإبرشيات بالإعلان عن رحلات حج، على عكس ما كان يفعله البابا المتنيح الذى كان يطبقه بصرامة ويعاقب من يسافر بعقوبات كنسية، لقد سبق وكتبت العام الماضى مناشدا البابا تواضروس أن يطبق قرار البابا شنودة بفاعلية تضامنا مع الفلسطينيين واحتجاجا على العدوان الاسرائيلى الغاشم على غزة، واكرر الآن هذا الطلب الذى أصبح ملحًا فى ظل تصريحات ترامب المستفزة والمخالفة للقانون الدولى وللقواعد الإنسانية ولكل مبادئ الأديان السماوية، وهو ما يستلزم موقفًا جادًا ومؤثرًا يكون له صدى كبيرًا عالميًا، وإحياء تنفيذ قرار البابا شنودة سيكون أبلغ رد على ترامب وهو أيضا تأكيد على موقف كنيستنا القبطية الثابت ضد الصهيونية وإسرائيل، حيث تعددت الدراسات من كبار رجال الكنيسة فى هذا الشأن، مثل محاضرتى الأسقفين الكبيرين الراحلين الأنبا يؤانس أسقف الغربية السابق والأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى السابق واللتين نشرت ملخصا لهما الأسبوع الماضى وكذلك محاضرات البابا شنودة عن إسرائيل والقدس، وأشهرها المحاضرة التى ألقاها البابا شنودة فى نقابة الصحفيين فى ديسمبر 1971 وجاءت بعد اعتلائه كرسى البابوية بقليل وكانت بعنوان «المسيحية وإسرائيل» وهى المحاضرة التى طبعتها نقابة الصحفيين وقتها ووزعتها على نطاق كبير، وكل هذه المحاضرات بمثابة دراسات دينية لاهوتية عميقة فى الكتاب المقدس، وكلها اتفقت فى كشف الأكاذيب الإسرائيلية عن أرض الميعاد وشعب الله المختار، وسأختار نموذجا لها محاضرة البابا شنودة أمام جامعة الدول العربية عام 1995 عن «القدس فى المسيحية» وفند فيها الادعاءات الإسرائيلية بقوله «إنهم جاءوا ليس بوعد من الله وإنما بوعد من بلفور»، وشرح «الوعد الذى أعطاه الله للآباء كانت له شروط وظروف ومدى وقد انتهى»، واستطرد «أعطاهم الله وعدا أن يعيشوا لكى يحفظوا الإيمان بعيدا عن التأثير الوثنى الذى كان يسود العالم القديم إلى أن يأتى الوقت الذى ينتشر فيه الإيمان فى أرجاء الأرض كلها وتزول الوثنية» ، وأضاف «كان وعدا مشروطا ولكنهم خالفوه فقد عبدوا الأصنام حتى أيام موسى النبى ونحتوا عجلا ذهبيا وسجدوا له، ولذا غضب الله عليهم لدرجة أنه دفعهم لأيدى الأعداء وتحطمت أورشليم وقضوا فى السبى 70 سنة، وكانت هناك وعود من الله أن يعودوا لأراضيهم والقصد أن يعودوا من السبى إلى بلاد اليهودية، وتحقق ذلك فى عهد نحميا وعزرا وملوك الفرس قورش وغيره، إلى أن جاء المسيح وضربت أورشليم فى التخريب الثانى والذى شتت فيه اليهود فى أرجاء الأرض كلها ولم تعد لهم دولة من سنة 70 ميلادية»، وأكد البابا المتنيح «أن فكرة شعب الله المختار انتهت فقد اختار الله أناسا أيام الوثنية، أما الآن فهل من المعقول أن يترك الله الملايين الذين يعبدونه ويتخصص فى ثلاثة ملايين احتلوا أرض فلسطين»، وفسر «فى المسيحية عبارة أرض الله ترمز إلى السماء وهذا وعد الله أن نسكن فيها إلى الأبد»، هذا هو الموقف الثابت لكنيستنا القبطية من إسرائيل وهو ما تؤكده كل المحاضرات السابق ذكرها والتى تدور حول نفس الأفكار والمعانى، إننا نمر الآن بمرحلة صعبة فى تاريخ القضية الفلسطينية مع اتجاه ترامب ونتنياهو وأعوانهما للقضاء على فكرة حل الدولتين ومنع إنشاء دولة فلسطين وهو ما يجعلنا فى أشد الحاجة إلى اتخاذ موقف موحد وإرسال رسائل إلى كل العالم برفض أفكار وتصرفات ترامب ولن تكون هناك رسالة أقوى وأبلغ من منع سفر الأقباط إلى القدس ولو مؤقتا.