الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رسوم ترامب العدائية وتأثيراتها الاقتصادية

رسوم ترامب العدائية وتأثيراتها الاقتصادية

وفقًا لبيانات البنك الدولى فقد سجل المُتوسط العام للجمارك على الواردات الأمريكية عام 2016 نحو 1,6 %، ما يجعل الولايات المُتحدة من أقل دول العالم فرضًا للتعريفة الجمركية، حيث نجد أن المُتوسط العام لفرض الجمارك عام 2016 بلغ ما بين 1,8 % إلى 2 % فى دول الاتحاد الأوروبى، وما بين 3,5 % إلى 4 % فى الصين، وأكثر من 13 % فى الهند، وقد روج الرئيس ترامب لذلك مُعلنًا أن الولايات المُتحدة تُعانى من عدم العدالة فى مجال تجارتها الخارجية، مُتجاهلًا أن بلاده لا تعتمد فى سياستها التجارية على الجمارك المُباشرة، ولكنها تُطبق نظام الحصص الذى من خلاله تُحدد حصص متنوعة من الواردات المسموح بدخولها، حيث تُحدد حصص مُعينة منها وضع حد أقصى للاستيراد لبعض السلع والمُنتجات، كما أنها تمنح بعض الدول حصص تفضيلية فى دخول السوق الأمريكية، ويتم إدارة تلك الحصص بما يُحقق المصالح الأمريكية، أما فى حالة دخول السوق الأمريكية بما يُجاوز تلك الحصص، فإن الرسوم الجمركية ترتفع لتصل إلى نحو 100 % أو أكثر فى بعض الحالات، ومن ذلك نجد أن دخول الواردات خارج الحصص يرفع الجمارك لنحو 100 % على السكر الخام، و90 % على الزبدة، و139 % على الجبن، و26 % على اللحم البقرى، وأكثر من 32 % على الملابس.



والولايات المُتحدة فى إدارتها لنظام الحصص كانت تقوم بتفضيلات للدول الحليفة لها، والتى تتشابك معها فى مصالح تتجاوز واقع الميزان التجارى، مثل تشابكاتها الاقتصادية مع الصين، ودول الاتحاد الأوروبى، ودعمها مشروع التنمية فى فيتنام، والهند، وكوريا الجنوبية، فالولايات المُتحدة كانت تستهدف تحقيق مصالحها بمنظور أكثر شمولية يجعل من تجارتها الخارجية أحد أدوات تأثيرها الدولى.

ومع تولى الرئيس ترامب رفض كل ذلك، ولم يهتم بتعقيدات المصالح الكلية المُتبادلة، واختار زيادة الجمارك داخل الحصص بنسب كبيرة مع إمكانية التفاوض بشأنها لعقد صفقات تُعيد رسم توازنات التجارة الخارجية الأمريكية بما يحقق لها مزيدا من المصالح المُباشرة، دون اهتمام بالمصالح غير المُباشرة. وهكذا نجد أن الأكثر تضررًا من سياسة الرئيس الأمريكى هُم حُلفاء الولايات المُتحدة، وشركائها التجاريين التاريخيين المُستفيدين بحصص فعالة تُجيز لهم دخول السوق الأمريكية، أما بقية الدول فتأثير رسوم الرئيس ترامب لن يكون كبيرًا بالنسبة لها، ومع كل ذلك فهو دائما ما يُراقب الميزان التجارى الأمريكى بصورة تجعله جاهزًا لفرض نسب أكبر من الجمارك، وتغيير أية صفقات تجارية لا تصب فى مصلحة الولايات المُتحدة فى أى وقت، ودون ارتباط باتفاقات أو صفقات.

وبالنظر لتأثير ذلك على الوطن العربى فإننا نجد الرئيس ترامب قام بإعفاء النفط والغاز والمعادن الحيوية من تقرير نسب الجمارك التى قررها، وهو المُكون الأساسى للواردات الأمريكية من دول الخليج العربى، وليبيا، والجزائر، كما تم إعفاء الصلب والألمونيوم من الجمارك بما يفيد صادرات الإمارات، والبحرين، ومصر التى استفادت أيضا من إعفاء الأدوية من نسب الجمارك الجديدة.

وبالنظر للصادرات المصرية للولايات المُتحدة نجد أنها بلغت عام 2024 نحو 2,5 مليار دولار بينما استوردت مصر من الولايات المُتحدة ما قيمته نجو 6,2 مليار دولار، وهو ما يعنى أن الميزان التجارى بين البلدين حقق فائضًا تجاريًا لصالح الولايات المُتحدة بنحو 3,7 مليار دولار وهذا الأمر يجعل مصر بعيدة نسبيًا عن استهداف رسوم الرئيس ترامب التى تُركز على الدول التى تُعانى الولايات المُتحدة من عجز فى الميزان التجارى معها.

وتُشير التقديرات إلى ان المنسوجات والملابس الجاهزة تُشكل نحو 40 % من الصادرات المصرية للسوق الأمريكية وهى مُعفاة من الجمارك وفقًا لاتفاقية الكويز، ومع إضافة قيمة صادرات الصلب والألمونيوم والأدوية المُستثناة من تلك الرسوم، نجد أن ما يزيد على 50 % من الصادرات المصرية لأمريكا مُعفاة من الجمارك، وتخضع النسبة الباقية لنسبة الجمارك الأساسية وهى 10 % وهكذا تُعتبر مصر من أقل الدول تأثرًا بالتبعات المُباشرة للجمارك الأمريكية.

وبرصد قرارات رفع نسب الجمارك على بعض الدول العربية نجد أنه يمكن قراءاة بعضها كأداة تأثير على التفاوض مع دول أخرى، فمؤخرًا وفى ظل تعقد المُفاوضات التجارية بين الولايات المُتحدة، والاتحاد الأوروبى، صدر قرار جديد برفع الجمارك على عدد من الدول منها تقرير رسوم جمركية بنسبة 30 % على الجزائر وليبيا والعراق، والولايات المُتحدة تُحقق عجزًا بنسب مُتفاوتة فى الميزان التجارى مع هذه الدول، يرجع بالأساس إلى أن معظم صادراتها من النفط، والغاز، والحديد والصلب مُستثناة من الجمارك، أما بعض المُنتجات الأخرى كالأسمدة، والتمور، والفواكه فإنها لا تُشكل كميات مؤثرة سواء بالنسبة لتلك الدول أو بالنسبة للولايات المُتحدة.

وهكذا نجد أن مصر والدول العربية لدى كل منها خصائص تُخفف من التأثير المُباشر لجمارك الرئيس ترامب، ولكنها تتأثر بنسب مُتفاوته بما تخلقه تلك الرسوم من اضطرابات فى سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع التكاليف العامة للإنتاج فى الدول الصناعية، وفى المُقابل فإن حالة عدم الاستقرار والتغيير المُستمر فى تلك الرسوم الجمركية تجعل من الصعب تشجيع الاستثمار الذى يستهدف الاستفادة من المزايا النسبية فى الدول العربية، لدخول مُنتجاته للسوق الأمريكية بأسعار تنافسية، سيما مع توقع استمرار حالة الحراك والتضارب فى تصريحات وقرارات الرئيس ترامب سواء بشأن الرسوم الجمركية، أو غيرها من القرارات التى ربما تُحقق أرباحًا تجارية لأمريكا على المدى القصير، إلا أنها تخلق حالة عدم يقين، مناخ عدائى قلق يضر الاقتصاد العالمى فى المدى المتوسط.