الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
120 عامًا على رحيله

لماذا تجاهلت المؤسسات ذكرى الشيخ محمد عبده

120 عامًا على رحيله

منذ أيام قليلة وبالتحديد فى 11 يونيو مر 120 عامًا على رحيل الشيخ محمد عبده وهى ذكرى كان يجب الاحتفاء بها من جهات عديدة، ولكنها مرت فى هدوء لا يليق بشخص كان من رواد التجديد الدينى، بل يمكن اعتباره أكثر المجددين تأثيرًا، كما كان له حضور لافت فى الثقافة والسياسة المصرية، وكنت أتصور أن تنتهز مؤسسات كثيرة هذه المناسبة لإعادة طرح رؤاه وأفكاره المستنيرة والتى مازالت صالحة لإثارة النقاش بل ويمكن الاستناد إليها فى حل كثير من المعضلات والمشاكل الاجتماعية، وعلى رأس هذه المؤسسات دار الإفتاء وقد كان مفتيًا عامًا لمدة ست سنوات أصدر خلالها 944 فتوى معظمها لم تكن تقليدية بل تواكب العصر، وهو يعتبر أول مفتٍ مستقل فى مصر بعد أن كان الإفتاء تابعًا لمشيخة الأزهر، وذلك حين عينه الخديو عباس حلمى الثانى عام 1899 مفتيًا للديار المصرية، وكنت أتمنى أيضًا ألا تتجاهل وزارة الثقافة هذه المناسبة فقد كان للشيخ محمد عبده تواجد ملموس فى الحياة الثقافية فى عصره وكان كاتبًا مهمًا فى العديد من المجلات والصحف أبرزها «العروة الوثقى» التى شارك جمال الدين الأفغانى فى إصدارها فى باريس خلال منفاه، كما أنه ترأس تحرير جريدة «الوقائع المصرية» لمدة سنة ونصف استطاع خلالها تطويرها بشكل لافت، وهى أول الجرائد المطبوعة فى مصر، وهو ما يدعو نقابة الصحفيين للاحتفاء بذكراه، كما أن نشاطه السياسى كان كبيرًا وبلغ ذروته خلال الثورة العرابية، وبعد فشلها واحتلال الإنجليز مصر تم سجنه ونفيه ثلاث سنوات قبل أن يتدخل صديقه سعد زغلول والأميرة نازلى فاضل لدى الخديو توفيق والمعتمد البريطانى للعفو عنه والسماح له بالعودة إلى مصر، حيث قضى سنوات المنفى فى لبنان وفرنسا والتى ذهب إليها بدعوة من صديقه وأستاذه جمال الدين الأفغانى، وبعد عودته اعتزل العمل السياسى موجهًا كل جهوده للإصلاح وتجديد الفقه الدينى من أجل الارتقاء بالمجتمع، حيث كان يرى أن الفقه يجب أن يكون مواكبًا لتطورات العصر، وألا يظل أسير النصوص القديمة، مع ضرورة تغيير الأحكام الفقهية إذا كان لها ضرر اجتماعى، ويكفى أن كثيرًا من فتاواه ما زالت صالحة حتى الآن لحل مشاكل اجتماعية كثيرة، وسأنتقى هنا عددًا محدودًا منها ولمن يريد المزيد يمكنه العودة إلى مجموعة فتاواه الكاملة التى أصدرتها دار الكتب والوثائق فى مبادرة رائعة منها، كان الشيخ محمد عبده أول من أفتى بجواز أن تطلب المرأة الطلاق وإنهاء الزواج إذا رأت أن استمرار العلاقة الزوجية يضر بها، سواء كان هذا الضرر ماديًا كعدم الإنفاق، أو معنويًا كسوء المعاملة، وهو هنا كان سابقًا لقانون الخلع والذى يتيح بناء على الشريعة للمرأة إنهاء الزواج مقابل رد المهر أو ما تيسر، ولكنه فى نفس الوقت وضع ضوابط لهذا الأمر، حيث يرى أن المرأة لا يجوز لها طلب الطلاق لمجرد عدم رغبتها فى استمرار الزوج، بل يجب أن يكون هناك سبب وجيه فالطلاق لا يشرع إلا للضرورة، وأن الأصل فيه الكراهة، ولا يجوز اللجوء إليه إلا إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين. ويشدد الشيخ محمد عبده على أهمية الإصلاح بين الزوجين قبل اللجوء إلى الطلاق، وأن المحاكم الشرعية يجب أن تبذل قصارى جهدها فى تحقيق ذلك.



ومن الفتاوى المهمة له تقييد تعدد الزوجات وجواز منعه فى بعض الحالات، معتبرًا أن التعدد قد يؤدى إلى مفاسد وأضرار اجتماعية مثل سوء معاملة الزوجات، والعداوة بين الأبناء من أمهات مختلِفات. ويؤكد الشيخ أن العدل بين الزوجات هو شرط أساسى لصحة التعدد، وهذا الشرط غالبًا ما يكون غير متحقق فى الواقع، ولذلك يرى الشيخ أنه يجوز للحاكم أو العالم الشرعى تقييد التعدد أو حتى منعه، خاصة إذا كان التعدد مصدرًا للمفاسد والشرور.

ومن أهم فتاواه أيضا هو الأخذ بشهادة غير المسلم على زواج المسلم، وهو هنا يخالف الرأى السائد وقتها، وذهب إلى عدم اشتراط إسلام الشاهدين، فقال «ولو ذميين»، مستندًا فى ذلك إلى رأى أبى حنيفة وأبى يوسف وهما لا يشترطان إسلام الشهود، ومن أبرز فتاواه إباحته لفوائد البنوك، وإن كان لم يترك نصًا واضحًا يحسم فيه مسألة فوائد البنوك بشكل قاطع، ولكن يمكن الاستناد إلى فتواه فى شأن صناديق التوفير فى إدارة البريد، حيث أجاز الحصول على أرباحها وبالقياس فإن فوائد البنوك تكون جائزة فى حالة اعتبارها جزءًا من أرباح المضاربة، أى عندما يستثمر البنك الأموال ويتقاسم الأرباح مع المودع. وفى هذا الشأن أكد الشيخ محمد عبده على أهمية التمييز بين أنواع المعاملات المالية والمضاربات والأرباح، وأن ليس كل تعامل معها حرامًا. وشدد على ضرورة أن تكون المعاملات متوافقة مع المقاصد الشرعية للمعاملات فى الفقه الإسلامى، مع الأخذ فى الاعتبار حاجة الناس وتطورات العصر، ومن فتاويه البارزة كذلك إجازته للتصوير الفوتغرافى ونحت التماثيل، وأيضا إباحته ارتداء القبعة والبرنيطة الأجنبية وكان مشايخ عصره يحرمونها، وكذلك عدم تحريمه ارتداء البدلة والبنطلون والقميص حيث قال إن الإسلام لم يحدد زيا معينا، وله فتوى مهمة فى عصره حول إباحته استخدام مياه الصنبور فى الوضوء وإبطال الوضوء من الميضأة وهو إناء من الفخار غالبًا كان يوضع فى المساجد يتوضأ منه المصلون، ولكنه رأى أنه قد يسبب أمراضًا أو انتقالها فحرمه، هذا نذر يسير للغاية من فتاوى الإمام فى قضايا حسمها منذ سنوات بعيدة ولكن المجتمع ولأنه يرجع للخلف مازال يناقشها حتى الآن.

كان الشيخ محمد عبده مهتمًا بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية، وحاول إيجاد حلول تتناسب مع هذه التطورات مع الحفاظ على جوهر الشريعة، وواجه جمود الفكر الدينى بمزيد من الاجتهادات التى توائم بين متطلبات العصر الحديث وروح الإسلام وجوهره، ولهذا كنت أتمنى أن يتناسب الاحتفاء بذكرى رحيله مع ما قدمه للمجتمع.