
أحمد إمبابى
ترتيبات العلمين من ليبيا والسودان إلى الصومال
تابعت باهتمام سلسلة من اللقاءات الخارجية، التي أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى مدينة العلمين الجديدة، مع عدد من قادة ومسؤولى دول المنطقة، وخصوصًا دول الجوار المباشر لمصر، التي تشهد توترات وعدم استقرار أمنى وسياسى، مثل ليبيا والسودان.
وقبل التوقف مع المخرجات المهمة، لتلك اللقاءات، من المهم النظر إلى توقيتها، والسياق الإقليمى الذي جرت فيه، ذلك أنها تأتى وسط محيط إقليمى مضطرب، يشهد العديد من النزاعات والصراعات الممتدة، وتأثيراتها تمتد للجميع فى المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
فى العلمين الجديدة، استقبل الرئيس السيسي، خلال الأيام الأخيرة، عددًا من المسؤولين الدوليين، فى إطار التعاطى المصري مع القضايا الملحة بالمنطقة، ومن أبرز تلك القضايا، كانت الأوضاع فى ليبيا والسودان والصومال، وهى ملفات تشهد توترات وأزمات ترتبط بشكل مباشر بالأمن القومى المصري ومصالح مصر الاستراتيجية.
من هذا المنطلق، كانت محادثات العلمين، فى تلك الملفات، فرصة للتأكيد على مجموعة من الثوابت المصرية، المتعلقة بحماية وحدة الدول الثلاثة، (وهو تحدٍ مشترك بينها)، ودعم استقرارها وسيادتها ومؤسساتها الوطنية، إلى جانب وضع حد لأى صراع مسلح وتغليب الحلول السياسية.
محادثات الأزمة الليبية
على صعيد الأوضاع فى ليبيا، جاءت المحادثات مع مسؤولى المؤسسات الشرعية بليبيا، بداية من استقبال الرئيس السيسي، القائد العام للجيش الوطني الليبى «خليفة حفتر» بحضور الفريق خالد حفتر، رئيس أركان القوات الأمنية، والفريق صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية، وتلاه بعدة أيام، لقاء مع المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، بحضور حميد الصافى، المستشار السياسى لرئيس مجلس النواب الليبى، واللقاءان، حضرهما السيد اللواء حسن رشاد، رئيس المخابرات العامة.
خلال لقائى «العلمين»، أعاد الرئيس السيسي، التأكيد على ثوابت الموقف المصري، تجاه الأزمة الليبية، والقائمة، على مجموعة من المحددات المهمة، وهى:
- الحرص المصري على استقرار ليبيا، ذلك أن الرئيس شدد على أن استقرارها جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري، وأشار إلى أن مصر تبذل أقصى جهودها، بالتنسيق مع الأطراف الليبية والقيادة العامة للجيش الليبى، لدعم الأمن والاستقرار فى ليبيا.
- التأكيد على حرص مصر على الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة الليبية، وهو موقف تشدد عليه دائمًا الدولة المصرية، وتدعم كل المبادرات الهادفة إليه.
- دعم المؤسسات الوطنية الليبية، من خلال التأكيد على وحدة وتماسك مؤسسات الدولة الليبية، فى ضوء حالة الانقسام الداخلى، وباعتبار ذلك السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة الأراضى الليبية.
- الحل السياسى للأزمة الليبية، من خلال تنسيق جميع الأطراف الليبية، لوضع خارطة طريق سياسية شاملة تفتح المجال لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، وهذه من المحددات الرئيسية التي تدعو لها القاهرة، باعتبار أن السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية، هو الحلول السياسية وليست العسكرية.
- التصدى للتدخلات الخارجية، فى الشأن الليبى، والعمل على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، كخطوة مهمة للحفاظ على السيادة الليبية.
وإلى جانب تلك المحددات، ترى القاهرة أنه من الضرورى توحيد الجهود الدولية والإقليمية والأممية للوصول إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة فى ليبيا.
مكافحة الإرهاب
وإلى جانب محددات التعاطى المصري مع الأزمة الليبية، تأتى مسألة مكافحة التنظيمات الإرهابية، من الملفات ذات الأولوية فى تنسيق البلدين، وخصوصًا بين المؤسسات الأمنية والعسكرية، من منطلق حماية الأمن القومى المصري، فى حدوده الغربية، فخلال السنوات الماضية نجحت المؤسسات المصرية (عسكرية وأمنية)، فى مواجهة أى تهديد لهذه التنظيمات، بإحكام سيطرتها الكاملة وتأمين الحدود الغربية.
ولا شك، أن التصدى لخطر الإرهاب من هذه المنطقة، فى ظل استغلال كثير من التنظيمات حالة الهشاشة الأمنية فى الداخل الليبى، كانت بتنسيق مع المؤسسات الوطنية فى ليبيا، وفى مقدمتها الجيش الوطني الليبى، وفى هذا الإطار جاء تقدير الرئيس السيسي، لقائد الجيش الوطني الليبى، على دورهم فى مكافحة الإرهاب بمنطقة الشرق الليبى، والقضاء على التنظيمات الإرهابية فى تلك المنطقة.
إعادة الإعمار
ويمتد الدعم المصري لليبيا، ليشمل الأبعاد التنموية، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي، فى محادثاته مع رئيس مجلس النواب الليبى، حينما أكد على اهتمام الدولة المصرية، بإعادة إعمار ليبيا، والمشاركة فى تلك العملية، ونقل الخبرات التنموية المصرية لدعم مسيرة التنمية فى الأراضى الليبية.
والواقع أن هناك كثيرًا من الشركات المصرية، التي تقيم مشروعات تنموية فى مجال الطرق والموانئ والإنشاءات، بالتعاون مع صندوق إعمار ليبيا، إلى جانب مشروعات مشتركة، مثل مشروع الربط البرى بين مصر وتشاد عبر ليبيا.
الحرب السودانية
وفى العلمين، كانت تطورات الأوضاع فى السودان حاضرة أيضًا على أجندة الدبلوماسية الرئاسة، حيت التقى الرئيس السيسى، مع رئيس مجلس السيادة السودانى، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، فى نفس يوم لقائه بقائد الجيش الوطني الليبى.
لقاء البرهان، كان فرصة لتأكيد الرئيس السيسي على ثوابت الموقف المصري أيضًا تجاه السودان، والذي تحكمه مجموعة من المحددات التي لا تتغير، وأهمها:
- التشديد المستمر على دعم وحدة وسيادة السودان وأمنه واستقراره، وهذا مبدأ أصيل تتمسك به القاهرة، وتدعم فيه السودان، فى مواجهة أى محاولات ومساعٍ، من شأنها تقوض من وحدته أراضيه الداخلية وسيادته ومؤسساته الوطنية، من منطلق ارتباط أمن السودان بالأمن القومى المصري.
والشواهد هنا كثيرة، لعل أقربها، موقف القاهرة الرافض بشدة، دعوات «ميليشيا الدعم السريع» مع بعض الأطراف الداخلية لتشكيل حكومة موازية، وتراها القاهرة، خطوة تُزيد من تعقيد الأزمة وتعمق من الانقسام الداخلى، وتدعم فى نفس الوقت المؤسسات الوطنية السودانية، وفى مقدمتها الجيش السودانى، بعدّها نقاط ارتكاز يمكن أن تحقق الاستقرار الداخلى، وتحفظ للسودان وحدته وسيادته.
- دعم السودان لإنهاء الحرب الداخلية، وهو هدف من أولويات التعاطى المصري مع ما يحدث فى السودان، ذلك أن القاهرة، كانت من أوائل الدول التي تحركت باتصالاتها مع الأطراف السودانية بالداخل، ودول الجوار الإقليمى، والقوى الدولية، من أجل وقف الحرب، منذ اليوم الأول لاندلاعها فى منتصف أبريل 2023، ومنذ ذلك اليوم، قدمت القاهرة العديد من المبادرات، ودعّمت العديد من التدخلات الدولية، الراغبة لتحقيق ذلك الهدف.
وهنا نذكر محطات رئيسية لمشاهد الدعم المصري للسودان، على مدار 27 شهرًا من الحرب، بداية من قمة دول جوار السودان، فى يوليو 2023، ومبادرة الحوار السودانى السودانى، فى يوليو 2024، بمشاركة مختلف القوى السياسية والمدنية السودانية، والمشاركة فى مفاوضات جنيف فى شهر أغسطس الماضى، فضلا عن استقبال أكثر من مليون و200 ألف سودانى، فروا من الحرب، حسب الإحصائيات الرسمية.
- الدعم الإنسانى للمتضررين من الحرب، وهذه من النقاط الأساسية، فى الموقف المصري، الهادف لتخفيف المعاناة عن الشعب السودانى والمتضررين من الحرب، خصوصًا الفارين منها داخليًا وخارجيًا، وهؤلاء أعدادهم تعدت نحو 14 مليون سودانى، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ولذلك تدعو القاهرة لدعم كل الجهود الهادفة لتقديم المساعدات الإغاثية لهؤلاء المتضررين.
- دعم جهود إعادة الإعمار، وهى من الخطوات التي تُساند فيها الدولة المصرية السودان، للتعافى المبكر من آثار الحرب، خصوصًا بعد انتصارات الجيش السودانى منذ بداية العام الحالى، واستعادته العاصمة الخرطوم، وهنا يعّول السودان على الخبرة المصرية فى مجال التنمية وإعادة الإعمار، خصوصًا فى المدن والولايات التي بدأت تستقبل أعدادًا كبيرة من الفارين من الحرب مرة أخرى.
وهنا نتوقف مع اللجنة المشتركة التي أوصت بها المشاورات السياسية التي جرت بين وزيرى خارجية مصر والسودان فى نهاية شهر فبراير الماضى، من أجل وضع خطة كاملة لإعادة الإعمار، وفق أولويات، من أجل دعم جهود التعافى المبكر فى السودان.
ومع تنوع وتعدد صور الدعم المصري للسودان، كانت الرسالة المصرية واضحة، حينما شدد الرئيس السيسي للفريق البرهان، على استعداد مصر، «بذل كل جهد ممكن من أجل دعم وحدة واستقرار وأمن السودان».
الأمن المائى
إلى جانب الأوضاع الداخلية فى السودان وتطوراتها، تطرقت مباحثات الرئيس السيسي والفريق البرهان، إلى ملف مصيرى للبلدين، يتعلق بقضية الأمن المائى، وحقوقهما المائية الثابتة قانونيًا وتاريخيًا من مياه النيل.
وهنا جرى التأكيد على «تطابق رؤى مصر والسودان، بإزاء الأولويات المتعلقة بالأمن القومى، وحرصهما على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحماية الأمن المائى»، إلى جانب «رفض الإجراءات الأحادية فى حوض النيل الأزرق، وضرورة احترام قواعد القانون الدولى بما يحقق المصالح المشتركة لدول الحوض كافة»، حسب ما جاء فى بيان رئاسة الجمهورية.
ولا شك أن ملف الأمن المائى، وتطابق الموقف المصري والسودانى تجاه، التصرفات الإثيوبية الأحادية فى مشروع «سد النهضة»، من الملفات ذات الأولوية فى علاقات البلدين، خصوصًا مع تأثيرات هذا المشروع، على السياسة المائية للبلدين، ومع تطوراته الأخيرة، المتعلقة بإعلان أديس أبابا تدشين المشروع رسميًا فى شهر سبتمبر المقبل، وهنا تأتى أهمية الرسالة المصرية السودانية، للتأكيد على «وحدة الموقف، والرفض القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية، وضرورة احترام قواعد القانون الدولى، وخصوصًا الاتفاقيات التاريخية الموقعة بين دول حوض النيل».
المثلث الحدودى
تزامن زيارة البرهان مع زيارة المشير خليفة حفتر لمصر، ومباحثاتهما مع الرئيس السيسي فى مدينة العلمين، ربطته بعض التكهنات بالتطورات الأخيرة، الخاصة بمنطقة المثلث الحدودى بين مصر وليبيا والسودان، وما شهدته من اتهام الحكومة السودانية، للجيش الوطني الليبى، بدعم ميليشيا «الدعم السريع»، وخصوصًا بعد إعلان الأخيرة تواجدها فى منطقة المثلث الحدودى بين الدول الثلاث.
صحيح أن نتائج محادثات الرئيس السيسي مع المسؤولين فى ليبيا والسودان، لم تتحدث مباشرة عن قضية المثلث الحدودى، غير أن ما تضمنته من تأكيدات تتعلق بحرص مصر على ركائز الأمن واستقرار وسيادة تلك الدول، تعكس تعاطى «محادثات العلمين» مع هذا الملف، لاحتوائه، حماية لأمن الدول الثلاث.
ونستطيع أن ننظر لمحادثات الرئيس السيسي مع مسؤولى ليبيا والسودان، بعدها تحركا استباقيًا لاحتواء تصعيد أمنى كاد يلوح فى الأفق، فى منطقة الحدود الجنوبية الغربية، وبالتالى ما خرجت به تلك المباحثات، يعيد ضبط التوازنات فى منطقة المثلث الحدودى، ولاسيما أن استقرار تلك المنطقة، مسألة حيوية بالنسبة للدول الثلاث، لارتباطها بمشروع إقليمى تنموى، وهو مشروع طريق الربط البرى بين مصر وليبيا وتشاد.
تعزيز الشراكة الاستراتجية مع الصومال
ومن ليبيا للسودان، إلى الصومال، كانت مدينة العلمين الجديدة، شاهدة على جولة جديدة من قمة رئاسية جمعت الرئيس السيسي، بنظيره الصومالى، حسن شيخ محمود، فى ثانى زيارة له لمصر خلال هذا العام، بعد زيارة شهر يناير الماضى، والرابعة له على مدى عام ونصف العام.
وتعكس اللقاءات الرئاسية مستوى العلاقات المصرية الصومالية، التي تكللت بتوقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة، بين البلدين فى شهر يناير الماضى، ومن هذا المنطلق، جاءت محادثات قمة العلمين، للبناء والتطور الذي تشهده العلاقات الثنائية، ولتعزيز التنسيق تجاه عدد من القضايا الاستراتيجية، وأهم تلك الملفات ما يلى:
1 - الملف الأول، يتعلق باستقرار منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر، وتلك مسألة حيوية واستراتيجية بالنسبة لمصر، وتعمل مع دول القرن الأفريقى، وعلى رأسها الصومال، من أجل حماية استقرار تلك المنطقة، ومن هذا المنطلق، جاءت تأكيدات الرئيس السيسي، على استمرار تكثيف التعاون لضمان استقرار هذه المنطقة الحيوية، لما لها من تأثير مباشر على الاستقرار والأمن الإقليمى والدولى.
2 - الملف الثانى، متعلق بمشاركة مصر العسكرية والشرطية فى بعثة الاتحاد الأفريقى الجديدة للدعم والاستقرار فى الصومال، التي تهدف إلى دعم الجهود الوطنية لإرساء الأمن، وهنا جاء تأكيد الرئيس السيسي، على التنسيق مع الشركاء الدوليين، لضمان توفير تمويل كافِ ومستدام للبعثة.
3 - دعم قدرات المؤسسات الوطنية الصومالية، فى مواجهة التحديات الملحة، التي تواجهها، مثل مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الدولة وبناء مؤسساتها، وهنا أكد الرئيس السيسي، على مواصلة التنسيق فى إطار بروتوكول التعاون العسكرى الموقّع بين بلدينا فى أغسطس 2024، من أجل دعم قدرات الكوادر الصومالية، وتعزيز دور المؤسسات الوطنية فى حفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وتمكين الدولة الصومالية من بسط سيادتها وسيطرتها على كامل التراب الوطني.
لا شك أن المحددات الثابتة التي خرجت بها محادثات الرئيس السيسي مع مسؤولى ليبيا والسودان والصومال، فى مدينة العلمين، تعكس الإطار الأخلاقى، للسياسة المصرية، فى تعاطيها مع قضايا المنطقة، باعتبارها صاحبة دور رشيد، أمين، له وجه واحد، كما أنها تتعامل مع أى أزمة بالحوار، وتمد يدها فقط للتعاون والبناء والتنمية.