تستمر حتى منتصف مارس.. وتختبر أسلحة جديدة المناورات العسكرية الإيرانية.. استعداد للحرب أم استعراض للقوة فى مواجهة واشنطن وتل أبيب؟

الحسين عبدالفتاح
تنفذ القوات المسلحة الإيرانية سلسلة مناورات عسكرية، حتى منتصف شهر مارس القادم، في مناطق متعددة من البلاد، بهدف رفع الجاهزية القتالية والتصدي للتهديدات الأمنية المحتملة، تحت مسميات «النبي الأعظم 19.. اقتدار.. مدافعو سماء الولاية» في مناطق استراتيجية: كرمانشاه، فوردو، خنداب، ونطنز، بمشاركة وحدات من الحرس الثوري، القوات الجوية، قوات الباسيج، ومنظومات الدفاع الجوي.
المناورات العسكرية الإيرانية تستهدف محاكاة سيناريوهات قتالية واقعية تشمل التصدي لهجمات جوية، تأمين منشآت حيوية، واختبار أسلحة ومعدات مطورة حديثًا، فيما تم نشر أنظمة دفاع جوي متقدمة لمواجهة المقاتلات الجوية والطائرات المسيّرة، كما تشمل التدريبات على حماية مواقع حساسة، كمنشأتي فوردو وخنداب النوويتين، اللتين تمثلان جزءًا حيويًا من مشروع البرنامج النووي الإيراني.
مناورات «النبي الأعظم 19»، التي جرت في محافظة كرمانشاه، ركزت على عمليات الانتشار السريع للقوات والمعدات في المناطق الجبلية، إضافة إلى تنفيذ سيناريوهات دفاعية معقدة باستخدام وحدات الحرب الإلكترونية، أنظمة التحكم بالمعلومات، والرادارات المتطورة. وبالتزامن، شهدت مناورات «اقتدار» تنفيذ تدريبات على كشف واستهداف الأهداف الجوية، باستخدام الطائرات المسيّرة الهجومية وصواريخ كروز.
إضافة إلى المناورات البرية والجوية، نفذت البحرية الإيرانية تدريبات عسكرية في الخليج، شملت إطلاق صواريخ مزودة بالذكاء الاصطناعي من طائرات مسيرة متطورة، مثل «مهاجر 6» و«أبابيل 5»، في استعراض لقدرات الردع الإيرانية. كما جرى اختبار منظومة «التاسع من داي» الدفاعية، المصممة لاعتراض الطائرات الشبحية مثل «إف-35» و«إف-22».
هذه المناورات، التي تأتي بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول التوصل إلى «اتفاق» مع إيران لتجنب استهداف مواقعها النووية، تعكس سياسة طهران في تعزيز قدراتها العسكرية، وتوجيه رسائل ردع إلى خصومها الإقليميين والدوليين، ولا ينكر الحرس الثوري أن التدريبات تُجرى وسط بيئة تحاكي «تهديدات جوية معقدة وحرب إلكترونية متطورة»، ما يشير إلى تحسب إيران لاحتمالات التصعيد العسكري الأمريكي- الإسرائيلي.
تُظهر هذه العمليات تركيز إيران على تطوير استراتيجيات دفاعية وهجومية متقدمة، تشمل استخدام الطائرات المسيّرة، الحرب الإلكترونية، والأنظمة الصاروخية بعيدة ومتوسطة المدى، كما أن قرب هذه التدريبات من المنشآت النووية يوحي برسالة سياسية وأمنية، مفادها استعداد إيران للرد على أي تهديد قد يستهدف بنيتها التحتية الاستراتيجية، ضمن مناورات دورية، تسعى إيران من خلالها إلى تعزيز جاهزية قواتها، واختبار تكتيكاتها الدفاعية والهجومية في مواجهة أي تطورات محتملة.
هذه الملابسات تجعل من هذه التدريبات جزءًا من سياسة الردع العسكري التي تعتمدها طهران، التى تواصل تعزيز قدراتها العسكرية عبر تطوير منظومات الدفاع الجوي وإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق، في خطوة تعكس استراتيجيتها لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة، فيما يؤكد المسئولون العسكريون الإيرانيون أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تحسين الجاهزية القتالية وحماية المنشآت الحيوية من أي تهديدات محتملة.
تشير تقديرات قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، إلى أن إيران حققت تقدمًا كبيرًا في مجال الدفاع الجوي خلال الأشهر الأخيرة، مشيرًا إلى أن اختبار المنظومات الدفاعية في المناورات يهدف إلى محاكاة سيناريوهات واقعية لتعزيز فاعليتها، ما يوضح أن هذه المقاربة تتماشى مع السياسة الإيرانية القائمة على تطوير أنظمة الردع الجوي في ظل التحديات الأمنية الإقليمية والدولية.
في السياق نفسه، فإن تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري، علي محمد نائيني، حول استمرار المناورات حتى منتصف مارس ترتبط بـ«مواجهة تهديدات جديدة للأمن»، ويؤكد هذا التصريح مدى إدراك إيران لمخاطر متزايدة، سواء من أطراف إقليمية أو من تغيرات في البيئة الأمنية الدولية، وهو ما دفعها إلى التركيز على مناورات تشمل وحدات متنوعة مثل البحرية وقوات الباسيج.
الجانب العملياتي لهذه المناورات يركز على تأمين البنية التحتية الاستراتيجية، من واقع ما قاله قائد القوات البحرية في الحرس الثوري، الأميرال، علي رضا تانغسيري، أن التدريبات شملت حماية «مواقع حساسة مثل مجمعي الغاز والبتروكيماويات في عسلوية، ومحطة الطاقة النووية في بوشهر، ومنصات النفط ومصافي التكرير». ويعكس هذا التصريح قلقًا إيرانيًا متزايدًا من استهداف منشآتها الاقتصادية والطاقة، مما يفسر تكثيف الجهود الدفاعية لحمايتها.
من الأبعاد الأخرى للمناورات الإيرانية ما قاله قائد المنطقة الغربية للحرس الثوري في كرمانشاه، العميد محمد نزار عظيمي، عندما شدد على أهمية إدماج التقنيات الدفاعية الحديثة لضمان حماية المنشآت الحيوية، فيما تشهد هذه المناورات المستمرة استخدام معدات عسكرية جديدة، ما يشير إلى سعي إيران لتحديث منظوماتها العسكرية لتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات المحتملة.
الأمر الأهم، أن ما يتم يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للطائرات المسيرة في الاستراتيجية الإيرانية، حيث تعد إحدى الأدوات الرئيسية في الحروب الحديثة، لما توفره من قدرات هجومية واستطلاعية متقدمة، بعدما أكد نائب منسق الجيش الإيراني، حبيب الله سياري، عن إضافة أكثر من ألف طائرة مُسيّرة «استراتيجية ذات خصائص التخفي، وقوة تفجير عالية، ومدى طويل، ودقة في التصويب» إلى الترسانة العسكرية في الأيام المقبلة.
هذه التصريحات والمواقف تشير إلى أن إيران تعتمد نهجًا مزدوجًا يجمع بين تعزيز قدراتها العسكرية التقليدية وتطوير أنظمة هجومية ودفاعية متقدمة، وفي ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، تسعى طهران إلى توجيه رسائل ردع واضحة من خلال هذه المناورات والتحديثات العسكرية. ومع ذلك، فإن مدى فاعلية هذه الاستراتيجية في تحقيق الاستقرار أو تجنب التصعيد يظل رهنًا بالتطورات الإقليمية والدولية.
إعادة النظر فيما تقوم به إيران، على الصعيدين العسكري والأمني، عبر سلسلة المناورات والتدريبات تكشف عن:
- تعزيز منظومة الدفاع الجوي وحماية المنشآت الحيوية، حيث تركز إيران، من خلال هذه المناورات العسكرية، على تطوير وتعزيز منظومة الدفاع الجوي، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه منشآتها الحيوية، وعلى رأسها المنشآت النووية، كما أن نشر أنظمة دفاع جوي متطورة، مثل «15 خرداد» و«تلاش»، في مواقع استراتيجية، كمنشأتي «فوردو» و«خنداب»، يعكس إدراك طهران لأهمية تأمين هذه المرافق ضد أي استهداف محتمل.
أيضًا، التدريبات على مواجهة الطائرات الحربية والمسيّرات، إلى جانب استخدام منظومات أخرى لاعتراض الطائرات الشبحية، تؤكد أن إيران تسعى إلى تحقيق تفوق نوعي في الدفاعات الجوية، بما يمكنها من إحباط أي هجوم مفاجئ. كما أن إجراء هذه المناورات في مواقع متعددة، بينها نطنز، التي تضم منشآت نووية أساسية، يشير إلى أن إيران تعتبر تحصين هذه المنشآت أولوية قصوى في استراتيجيتها الدفاعية، تحسبًا لأي هجوم أمريكي أو إسرائيلي يستهدف برنامجها النووي.
- تعزيز القدرة على الردع ورفع الجاهزية العسكرية، كإحدى الرسائل الاستراتيجية الأهم التي تبعثها هذه المناورات هي أن إيران قادرة على الردع والتصدي لأي عدوان محتمل. إجراء التدريبات في مناطق استراتيجية، مثل كرمانشاه، بوشهر، خوزستان، ومياه الخليج، يشير إلى أن إيران تعمل على تغطية مختلف الجبهات الدفاعية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، تحسبًا لأي مواجهة عسكرية واسعة النطاق.
يهدف التركيز على اختبار أسلحة متطورة، مثل الصواريخ الباليستية، الطائرات المسيّرة المسلحة، وصواريخ كروز المضادة للسفن، إلى إظهار القدرة الإيرانية على تنفيذ ضربات استباقية وردعية، مما يعزز موقفها التفاوضي أمام القوى الكبرى. إلى جانب ذلك، فإن هذه التدريبات تُظهر قدرة القوات المسلحة الإيرانية على الانتشار السريع ونقل المعدات إلى مناطق وعرة مثل هورامان، ما يعكس اهتمام إيران برفع مستوى الجاهزية القتالية لمواجهة أي سيناريو عسكري طارئ.
- تطوير قدرات الحرب الإلكترونية والمراقبة الاستخباراتية، حيث تشير المناورات الإيرانية إلى أن طهران تضع الحرب الإلكترونية والمراقبة الاستخباراتية ضمن أولوياتها الاستراتيجية.
التدريبات تضمنت عمليات محاكاة لمواجهة «هجمات إلكترونية معقدة»، وهو ما يعكس إدراك إيران لضرورة تعزيز أنظمتها الدفاعية في الفضاء السيبراني، خاصة مع ازدياد الهجمات الإلكترونية التي استهدفت منشآتها العسكرية والنووية في السنوات الأخيرة.
كما أن استخدام أنظمة تنصت ورادارات متطورة يكشف عن سعي إيران إلى تحقيق تفوق استخباراتي يتيح لها رصد أي تحركات معادية في الأجواء والبحار المحيطة بها. هذه التدريبات تعكس أيضًا اهتمام إيران بتوظيف الذكاء الاصطناعي في أنظمتها العسكرية، كما ظهر في استخدام صواريخ ذكية أطلقتها الطائرات المسيرة خلال المناورات، مما يعزز قدرتها على تنفيذ عمليات دقيقة ضد الأهداف المعادية.
- توجيه رسائل سياسية وأمنية إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث إن توقيت المناورات الإيرانية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن «اتفاق لتجنب ضربات ضد إيران»، يوضح أن طهران تسعى إلى توجيه رسائل مباشرة لواشنطن وتل أبيب، مفادها أنها لن تتراجع عن تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية، وأن أي استهداف لمواقعها الاستراتيجية سيواجه برد عسكري واسع.
كما أن نشر منظومات دفاع جوي متقدمة بالقرب من المنشآت النووية، إضافة إلى اختبار صواريخ طويلة المدى، تحذير غير مباشر من أن إيران مستعدة لصد أي هجوم يستهدف بنيتها التحتية النووية. إلى جانب ذلك، فإن تنفيذ هذه التدريبات في مياه الخليج، وإطلاق صواريخ مضادة للسفن والطائرات، يحمل رسالة مفادها أن طهران قادرة على تعطيل الملاحة البحرية في المنطقة، مما يجعل أي تصعيد عسكري ضدها مكلفًا استراتيجيًا واقتصاديًا للولايات المتحدة وحلفائها.
- تعزيز التنسيق بين القوات المسلحة وتطوير التكتيكات القتالية، من واقع الأهداف الاستراتيجية الواضحة لهذه التدريبات، تعزيز التنسيق بين مختلف أفرع القوات المسلحة الإيرانية، من الحرس الثوري إلى الجيش النظامي، وصولًا إلى قوات الباسيج. إجراء مناورات مشتركة تشمل القوات البرية، البحرية، والجوية، يعكس رغبة إيران في تطوير تكتيكات قتالية حديثة، تتيح لها التصدي لهجمات معقدة ومتعددة الجبهات.
إشراك ألف طائرة مسيرة، بينها طائرات ذات قدرات هجومية متطورة، يُظهر أن إيران تعزز اعتمادها على الأنظمة غير المأهولة، التي باتت تلعب دورًا رئيسيًا في الحروب الحديثة. كما أن تدريب القوات الخاصة على القتال في بيئات وعرة مثل جبال أورامانات، يوحي بأن إيران تستعد لاحتمال اندلاع مواجهات برية في المناطق الحدودية. هذه التدريبات لا تقتصر على الاستعداد للدفاع، بل تتضمن أيضًا تمرين القوات على عمليات هجومية محتملة، مما يشير إلى أن إيران لا تكتفي بردع التهديدات، بل تسعى إلى بناء قدرة عسكرية تمكنها من توجيه ضربات استباقية عند الضرورة».
ويبقى، أن إيران تسعى من خلال هذه التدريبات إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية لمواجهة أي تهديدات محتملة، مع التركيز على تطوير أنظمة الدفاع الجوي وحماية منشآتها الحيوية، خاصة النووية منها، كما تعكس المناورات اهتمام طهران برفع جاهزية قواتها المسلحة عبر اختبارات الانتشار السريع واستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية لتعزيز الردع، وفي المجال الأمني، تسلط التدريبات الضوء على تنامي قدرات الحرب الإلكترونية والاستخباراتية لمواجهة الهجمات السيبرانية. وأخيرًا، توجه طهران رسائل سياسية واضحة بأن أي استهداف لمواقعها الاستراتيجية سيقابل برد عسكري قد يهدد استقرار المنطقة.