![مصر أولا.. الاستثمار الثقافى.. أمن قومى مصرى.. متى نواجه الأفكار المتطرفة التى تحرِّم الفن والغناء والتمثيل والإبداع؟!](/Userfiles/Writers/346.jpg)
هاني لبيب
مصر أولا.. الاستثمار الثقافى.. أمن قومى مصرى.. متى نواجه الأفكار المتطرفة التى تحرِّم الفن والغناء والتمثيل والإبداع؟!
لماذا الثقافة؟!
ملف الثقافة هو المنوط به.. وعى الشعب المصرى وفكره وصياغة وجدانه تجاه مواجهة تحدياته الداخلية والخارجية وصياغة ملامح مستقبله فقط.. باعتباره واحدا من أهم ملفات الأمن القومى المصرى.. كما أعتقد وكما كتبت كثيراً.
العمل على تحديد رؤية ثقافية مصرية.. يتطلب تحديد السياسات الثقافية، والتى بدورها تحتاج إلى تكوين مجموعة وزارية ثقافية مثل المجموعة الوزارية الاقتصادية.. مجموعة تتكون من: التربية والتعليم، والتعليم العالى، وممثلى من المجتمع المدنى وممثل للقطاع الخاص الثقافى (أحد دور النشر الخاصة) لبلورة رؤية للسياسات الثقافية المصرية تضم معها التعامل مع القطاع الخاص الثقافى (مثل دور النشر).
منطلقات ثقافية..
أولاً: الحديث عن الثقافة أو تناول السياسات الثقافية تحديداً هو أمر منوط به كل مهتم بالشأن المصرى بوجه عام، والمثقفون والمفكرون بوجه خاص.. لما له من دلالة ترتبط بوعى المجتمع لماضيه وحاضره ومستقبله. فضلاً عما يترتب على هذه السياسات من تحديد رؤيتنا لقيمتنا ومكانتا بين الأمم.
ثانياً: ليس كل نقد هو رجس وشر مطلق من عمل الشيطان.. طبقاً لمقتضيات نظرية المؤامرة، وليس كل نقد هو بالتبعية حملة ممنهجة شخصية. وما سبق، هو فى تقديرى.. الرد سابق التجهيز على أى نقد من منطلق المثل الشعبى الساذج (الباب اللى يجيلك من الريح.. سده وأستريح).. دون حساب حقيقة هذه الرياح التى ربما تقتلع الباب من أصله.
ثالثاً: ترتبط الثقافة من الأصل بالمعلومات والأفكار والخيال والإبداع.. وهو ما يعنى أن الفكر النقدى يعد من أساسيات العمل الثقافى. وأؤكد هنا بدقة أن حديثى هنا يقتصر على النقد الحقيقى البناء الذى يقدم بدائل من الحلول العملية والسيناريوهات القابلة للتنفيذ، وغير ذلك.. يندرج تحت بند الهدم والتدمير والتسلية والشللية.. وربما النفسنة الثقافية.
رابعاً: تناول العمل الثقافى بالنقد.. هو فى الأساس حديث عن المؤسسات والهيئات والمجالس الثقافية لكونها المنوط بها مسئولية السياسات الثقافية. ولذا فأن تناول المسئولين والقيادات هو أمر عرضى بسبب مناصبهم ومسئولياتهم، وليس لأشخاصهم وحياتهم الشخصية بأى حال من الأحوال.. فالمناصب والمسئوليات زائلة ومتغيرة، ولكن يبقى أثر عملهم وقراراتهم تحت النقد على مدار سنوات طويلة.
خامساً: يستهدف النقد فى كل الأحوال الحفاظ على مؤسسات وهيئات وزارة الثقافة، ولا يستهدف بالقطع الحفاظ على المناصب والقائمين عليها فى حالة عدم قدرتهم على تحقيق نجاح أو فشلهم فى تحقيق الأفكار والخطط والاستراتيجيات البراقة أو التراجع عن الحفاظ على الإنجازات والمكتسبات السابقة عن تولى مسئولياتهم. ولذا فإن التغيير لأصحاب تلك المناصب هو فرض ثقافى وطنى.
خلاصة المنطلقات السابقة.. أن مناقشة تحديات وزارة الثقافة لا ترتبط بأى شكل من الأشكال بأشخاص.. بقدر ما ترتبط بالسياسات والاستراتيجيات الثقافية الناتجة عن مدى وضوح رؤيتنا للصورة التى نريد أن نكون عليها ولمستقبل الثقافة فى مصر.
اللى على راسه بطحه..
من الواضح أن أصحاب «سطوة الفوضى الثقافية» من المخلدين والمقدسين فى مناصبهم.. يرفضون تماماً أى شكل منظم لإدارة العمل الثقافى الذى يستهدف التعددية والتنوع وقبول الاختلاف والحوار والنقاش والانفتاح على الثقافات المتعددة. وهو ما أدى بنا الآن إلى تراجع التأثير الثقافى بعد أن استنفذت كل السياسات الثقافية القديمة أهدافها وأغراضها. ولا زلنا ندور فى فلك تلك السياسات.. دون تحديث أو تطوير أو تقويم أو تغيير، بل على العكس نقاوم ونرفض ونهاجم ونشكك.
على المستوى الشخصى، لا زلت أعتقد أن الثقافة تمثل أحد أهم ركائز الشخصية المصرية.
وفى تقديرى أن الترويج لأى نقد للعمل الثقافى باعتباره أمرا مرفوضا.. هو نوع من العبث. وكما ذكرت سابقاً، أن اتهام كل من يكتب عن أحوال الثقافة فى مصر.. بأنها حملة ممنهجة وموجهة هو نوع من الاستغراق فى نظرية المؤامرة الفاسدة التى تضعنا فى دائرة الضعف والتراجع والهوان للذين لا حول ولا قوة لهم، ولا القدرة على الاختيار والقرار. فضلاً عن محاولة إصباغ صفة الاتهام لكل من يكتب نقدا لوزارة الثقافة.. وكأنها خارج سياق التناول وفوق مستوى الأخطاء أو التجاوزات البشرية. وهو ما يظهر من خلال البعض ممن يطلق عليهم «الشلل الثقافية».. ذات الاستفادة الفورية والمستمرة فى عضوية اللجان والمؤسسات ومجالس الإدارات التابعة لوزارة الثقافة.
وتطبيقاً للمثل الشعبى بعد تطويره (اللى على راسه بطحه.. يصورها وينشرها).. فأود أن أؤكد أنه لم يدور بينى وبين كل من: د.أحمد هنو «وزير الثقافة» ود.نيفين الكيلانى «وزيرة الثقافة السابقة» أو قيادات وزارة الثقافة الحالية بما فيهم رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.. أى حوار شخصى من قريب أو من بعيد.. ولم أتقابل معهم ولا مرة واحدة. كما أننى لم أنشر طيلة حياتى أى كتاب من مؤلفاتى.. ضمن منظومة نشر وزارة الثقافة.
أكتب هذا الكلام.. لتأكيد بعض الثوابت بشكل واضح حتى لا يختلط الأمر.. مثلما يحاول البعض من الشلل الثقافية المجاهدة.. أن تفعل لكى تعيد توجيه مسار النقد والحوار إلى مساحات شخصية لا نفع فيها أو منها.
ويظل السؤال الساذج: لو توقف نقد العمل الثقافى فى مصر.. هل سيعمل المقدسون والمخلدون.. أم سيبقى الحال كما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للورقة والقلم ليكتب شجونه الثقافية؟!
دق طبول التغيير..
أعلم جيداً أن د.أحمد هنو «وزير الثقافة».. يواجه ميراثا ضخما من البيروقراطية التى تعيق أى نوع من التطوير والتغيير. كما أعتقد فى أهمية أن يبدأ التغيير مع منح صلاحيات حقيقية للقيادات والمسئولين حتى يتسنى له تقييم أدائهم بشكل حقيقى.. فالثقافة هى معركة الوعى الحقيقية. خاصة أن العديد من النقد الموجه للعمل الثقافى هو نوع من دق طبول الإنذار بعدم التأخير أكثر من ذلك. وانتحار موظف دار الأوبرا مجرد جرس إنذار لذلك الميراث الضخم الذى ورثه وزير الثقافة الجديد باعتباره المسئول أدبياً ومعنوياً عنه.. رغم عدم مسئوليته المباشرة عما حدث أو تسبب فى ذلك.
التغيير الثقافى قرار.. والقرار هو اختصاص أصيل لوزير الثقافة.. الذى ننتظر منه الكثير خلال الأيام القادمة، ولتكون البداية مع تقييم حقيقى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب سواء على المستوى اللوجيستى والرقمنة المستخدمة، أو على مستوى مضمون المحتوى لبرامج وفعاليات وأنشطة المعرض، أو على مستوى الدعاية والتسويق الديجيتال للكتب ودور النشر.
الاستثمار الثقافى..
أطرح هنا بعض الأفكار التى تناولتها قبل ذلك عدة مرات، ويمكن تطبيقها عملياً.. حتى يكون النقد بناء بشكل قابل للتنفيذ.. بعيداً عن أحلام اليقظة الثقافية. وذلك على غرار:
1 - إلغاء الأنشطة الثقافية وتجميد الفعاليات والمهرجانات ومعارض الكتب هو أسهل طرق اللاعمل تبريراً للالتزام بترشيد الإنفاق. أما التحدى الحقيقى فهو الاستثمار الثقافى واستحداث مسارات تمويل بديلة فاعلة وواضحة المعالم مع تغيير كامل فى اللوائح والنظم. ويمكن للخبراء تقديم مقترحات لوزارة الثقافة فى شكل سيناريوهات حقيقية لاستعادة دورها المفقود فى تقديم خدماتها الثقافية لكل مواطن مصرى.
2 - رؤيتنا للاستثمار الثقافى.. ترتكز على خبرة عملية، فيمكن لدار الوثائق ودار الكتب وهيئة الكتاب أن يكونوا نموذجاً لمبدأ الاستثمار الثقافى.. الذى يجعل مقتنيات ومحتوى تلك المؤسسات أحد مصادر الدخل لوزارة الثقافة فى حالة إذا كانت هناك رؤية حقيقية لمستقبل الثقافة فى مصر.
3 - يحاول البعض استقطاب قوتنا الناعمة من المثقفين والمبدعين والفنانين المصريين لوهم الحصول على مكانة مصر الثقافية، كما يحاول البعض الآخر شراءهم. ولكن فى كل الأحوال، ورغم كل التحديات.. سيظلون هم سفراء القوة الناعمة.. الكنز الحقيقى المخفى وخبيئة الزمان الثقافية.. الذين نفخر بهم باعتبارهم صناعة مصرية حصرية وأصيلة.
4 – الاستثمار الثقافى يحتاج إلى دعم وزارة الثقافة لإصدار تشريعات وقوانين خاصة بتفعيل العمل الثقافى وحيويته.
آن الأوان، أن نبدأ التفكير فى «الاستثمار الثقافى» على مستوى: الفنون، والنشر الورقى والرقمى، والصناعات الثقافية (الفنية: المنحوتات والقطع الفنية..، والحرفية: الخزف والفخار..).. خاصة أننا نطرح هنا الثقافة بمفهومها الشامل للعناصر الثقافية المتميزة فى مجتمعنا، وليس فقط المفهوم المباشر جداً المقتصر على الفنون والآداب ومرتبط بهما.
خضوع الخدمات الثقافية (معارض كتب ومهرجانات وأنشطة فنية) إلى معيار قياس الأداء لضمان وصول الخدمة دون أى تمييز بين العاصمة والمدن الأخرى، وبين وجه قبلى ووجه بحرى، وبين المركز والأطراف. وبضمان العدالة الثقافية فى المساواة وقضايا الجندر (النوع الاجتماعى).
نقطة ومن أول السطر..
أن يأتى التغيير متأخراً.. أفضل من عدم التحرك والإصابة بالسكتة الثقافية المفاجئة..
الثقافة.. نور. وهى الوسيلة الوحيدة لمواجهة التطرف والتعصب والتشدد.
الثقافة هى السبيل لتحقيق الدولة المدنية المصرية.
الثقافة هى الحل..
الثقافة والمعرفة هى الحل..
العدالة الثقافية..
الثقافة.. أمن قومى مصرى..