السبت 12 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. روزاليوسف.. البيت المفتوح

الحقيقة مبدأ.. روزاليوسف.. البيت المفتوح

منذ نحو أسبوعين جاءنى اتصالان متتاليان من ابنتى العزيزة القريبة جدًا من قلبى السيدة هبة صادق رئيس مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف ومن الزميل والصديق والأخ الغالى الكاتب الصحفى طارق رضوان رئيس تحرير جريدة القاهرة حاليًا والذى ترأس تحرير مجلة صباح الخير فى مرحلة سابقة، وذلك لدعوتى للحديث فى ندوة فى معرض الكتاب بمناسبة مرور 100 سنة على تأسيس روزاليوسف.. وهنا بدأت ملايين اللحظات الجميلة تتداعى على ذاكرتى منذ دخلت روزاليوسف أول مرة منذ قرابة 52 عامًا كنت حينها مازلت طالبة فى كلية الآداب قسم التاريخ بجامعة عين شمس وقدمنى وقتها للعمل الصحفى بشكل عام ولروزاليوسف بشكل خاص أستاذى فى الجامعة المفكر والباحث الكبير الدكتور محمود إسماعيل، ومنذ اللحظة الأولى أيقنت بأن روزاليوسف ليست فقط مجلة كبيرة وذائعة الصيت فى العالم العربى ككل، وإنما هى قبلة محبى الصحافة والحرية والعدل.. بل صانعة أكبر وأهم أسماء فى تاريخ الصحافة المصرية / العربية.



وبمرور الوقت والسنوات ترسخ فى داخلى الإيمان بأنها أهم وأقوى مدرسة صحفية فى الشرق الأوسط، بل واحدة من أهم مدارس الصحافة السياسية والأدبية فى العالم دون مبالغة.

حكاية المؤسسة والمجلة التى بدأت فى أكتوبر 1925 عندما كانت مدام روزاليوسف تجلس فى محل حلوانى كسّاب فى وسط البلد - مكان سينما ديانا الآن - مع زوجها الفنان العظيم زكى طليمات والصحفى الشهير إبراهيم خليل - كان يعملُ بجريدة البلاغ - حتى أقبل عليهم الصحفى حافظ نجيب - والذى كان يكتب مسرحيات لفرقة إسكندر فرح.

وضع حافظ نجيب أمامهم مجلة (الحاوى)، وفى صدرها هجوم على الممثلات والممثلين، تصفحت مدام روز المجلة سريعًا، وسألت الجالسين: لماذا لا توجد مجلة فنية تُدافعُ عن هؤلاء الممثلات والممثلين؟! وَمَنْ يكتبُ فيها؟! وَمَنْ يُدافعُ عن الفنانين المظلومين الذين انهالت عليهم المجلة بالتجريح؟!

أنا بقى هعمل مجلة تُدافعُ عن هؤلاء المظلومين!

وتحمس زكى طليمات للفكرة قائلًا: إن الناسَ تتعطشُ إلى الأدب الرفيع، ولو صدرت مجلة لتلقفتها الأيدى بسرعة!

وفورًا سألت الصحفى إبراهيم خليل عن تكلفة طباعة 3000 نسخة من عدد المجلة، فأخرج ورقة وقلمًا وقعد يحسبُ، واقترح الأصدقاء بعض الأسماء للمجلة، لكن مدام روز قالت فجأة:  أنا قررت أن تحملَ المجلة اسم روزاليوسف؛ لتكونَ أول مجلة تحمل اسم سيدة.

ابتسم زكى طليمات مُؤكدًا أنه اختيار شديد الذكاء؛ لأن اسم روزاليوسف معروف فى الأوساط الفنية والشعبية كونها ممثلة مسرحية مشهورة، وانتهى الحوار، ورجع كل واحد إلى بيته وقد نسوا الحديث تمامًا، لكن روزاليوسف لم تنم، وظلت تحلمُ بالمشروع.

وفى صباح اليوم التالى كانت تجلسُ فى مكتب إبراهيم خليل؛ لتكتبَ طلبًا لوزارة الداخلية لاستخراج رخصة مجلة روزاليوسف، ونصحها إبراهيم خليل بالاستعانة بالكاتب محمد التابعى، وفى اليوم التالى اجتمعت بالكاتب محمد التابعى على المقهى الذى نصحها باستكتاب كبار الأدباء مثل: عباس العقاد ودكتور طه حسين وإبراهيم المازنى.

 وتم تشكيل فريق التحرير من خمسة أشخاص هم: محمد التابعى - وكان يعملُ فى مجلس النواب، ويكتبُ فى الصحافة باسم (حندس) - وأحمد حسن، وسعد الكفراوى وزكى طليمات، وإبراهيم خليل، والأخير خاله عبدالقادر حمزة صاحب جريدة ومطابع البلاغ الذى ساعد المجلة كثيرًا.

كان مقر المجلة بشقتها فى 10 شارع جلال عمارة بالمنيرة الدور السادس، بعمارة يمتلكها أمير الشعراء أحمد شوقى، وَمَنْ يريدُ الوصول للمجلة عليه أن يصعدَ 95 سلمة؛ لهذا كانت روزاليوسف تجلسُ مع الصحفى محمد التابعى رئيس تحرير المجلة على المقهى لمراجعة البروفات؛ لأنه يرفضُ الصعود للدور السادس، وهكذا صدر العدد الأول كمجلة أدبية فنية أسبوعية، وكان ثمن النسخة عشرة ملليمات، ثم خفضوا السعر وأصبح خمسة ملليمات، وفى صباح يوم الاثنين 26 أكتوبر سنة 1925 انطلق بائعو الصحف فى شوارع القاهرة، وهم يصيحون بصوتٍ عالٍ:

روزاليوسف، البلاغ، الأهرام.

هكذا نجحت السيدة روزاليوسف فى تخليد اسمها، وتحقيق أسطورة صحفية من طراز خاص. أنا بحكى لكم بداية القصة علشان تعرفوا إن تكوين مدرسة روزاليوسف قائم على نصرة المظلوم والإصرار والتحدى.

ظلت مجلة روزاليوسف تصدر من شقة شارع جلال عمارة بحى المنيرة فى السيدة زينب، وتطبع بمطابع دار البلاغ فى شارع محمد سعيد، حتى استأجرت روز بيتًا من بابه، فى شارع محمد سعيد، وسنة وراء سنة بدأت مدام روز بتجهيز مطبعتها الخاصة وتستقل بالطباعة عن دار البلاغ، وظلت بهذه الدار حتى انتقلت إلى رحمة الله، ولم يمهلها القدر حتى ترى مبنى مؤسسة روزاليوسف الحالى، الذى اشترت أرضه بنفسها فى شارع القصر العينى، وقام ببناء المبنى الحالى ابنها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس بعد رحيلها.

ولدت روزاليوسف ميلاد الآلهة الإغريقيّة.. بدأت كبيرة وبأيادى الكبار من رؤساء التحرير والكتاب الكبار.

فعلى مقعد رئيس تحرير مجلة روزاليوسف جلس كل من: محمد التابعى، روزاليوسف، إحسان عبدالقدوس، أحمد حمروش، أحمد بهاء الدين، كامل زهيرى، عبدالرحمن الشرقاوى، فتحى غانم، صلاح حافظ ومرسى الشافعى.

ومن أهم كتاب روزاليوسف بالإضافة طبعا لرؤساء التحرير: (يوسف إدريس، محمد عودة، مصطفى الحسينى وفتحى خليل).. وأهم فنانى كاريكاتير سياسى عرفتهم مصر زى صاروخان وزهدى وصلاح الليثى وحجازى وطوغان.

وبطبيعة ميلادها وروحها ساهمت روزاليوسف فى حركة الأدب والثقافة بإصدار الكتاب الذهبى كسلسلة شهرية معنية بالرواية واستعانت مدام روزاليوسف بقامات أدبية وفكرية مهولة فى حجمها للإشراف على سلسلة الكتاب الذهبى أبرزهم : الدكتور طه حسين، على أحمد باكثير، عبدالرحمن الشرقاوى، نجيب محفوظ.

كل ما أرويه لكم باختصار شديد كان الدافع الرئيسى لى كطالبة شابة بكلية الآداب قسم التاريخ حتى أكون صحفية وسط أهم وأقوى مجموعة من الكتاب والصحفيين والأدباء تحت سقف واحد سنة 1973 قبل الحرب بشهور.

دخلت هناك بنت صغيرة تتعلم الصحافة، لكن شاء القدر أن تجد نفسها داخل أكاديمية مليئة بعمالقة يمشون بيننا هم آباء المهنة وجيلها الذهبى.. مناقشات يومية عن الحرب وسياسة المنطقة وتوجهات الغرب، تكليفات بعمل حوارات صحفية مع أكبر عقول فكرية وسياسية فى مصر حتى وأنا فى بداية المشوار. 

أساتذة كبار يعلمون وينصحون ويساعدون، ومتى دخلت روزاليوسف فى أى وقت ستجد كُتّابها وصحفييها ومعهم أصدقاؤهم من كبار كتاب الصحف والمجلات الأخرى فى جلسات نقاش ودية، ولهذا هى قبلة الصحافة والسياسة والأدب.

روزا كانت هى مجلة المعارضة غير الحزبية وروزا كانت تقف دائمًا على يسار السلطة حتى لو لم يكن رئيس التحرير يساريًا، لكنها دائما صوت الناس.

أعوام طُوال مع روزاليوسف شكلت وعيى ووجدانى وتعلمت كيف أخوض عشرات المعارك الصحفية بشرف ومهنية ونبل، عشت فيها أجمل سنين عمرى عاصرت فيهم أهم وأكبر الكتاب حتى رأيت ابنى «أحمد الطاهرى» - وأنا أعنى هذه الكلمة جيدًا - رئيس تحرير كبير ناجح يشارك فى صناعة مواهب جديد ويضيف أقلامًا شابة واعدة للصحافة المصرية والعربية.

أعطانى الله هذه الفرصة وأعطتنى روزاليوسف هذا الشرف فى أن أكون واحدة من كاتباتها فيذكر اسمى بين الكبار الذين أسهموا فى بناء روزاليوسف البيت المفتوح.