
أسامة سلامة
«إستر ويصا» مازالت تواجه إسرائيل
يعرف كثيرون خاصة المهتمين بتاريخ الحركة الوطنية الدور السياسى والوطنى الذى لعبته المناضلة إستر ويصا، لكن موقفها من إسرائيل والصهيونية لم يُلق عليه الضوء بشكل كاف، وهو موقف مشرف دفعت ثمنه كثيرا قبل وبعد ثورة يوليو، وقد لفت نظرى إلى ذلك الدور الوطنى كتاب «إستر ويصا.. حكايات النضال والكفاح والوطنية» للقس عيد صلاح،الصادر مؤخرا عن دار «رجاء للجميع» وتأتى أهمية الفصل الذى يكشف فيه الكتاب هذا الدور فى أنه يُنشر ونحن فى هذه الظروف المؤلمة التى تمر بها القضية الفلسطينية وعدد من الدول العربية، حيث يعرى المخطط الإسرائيلى للهيمنة على المنطقة العربية والعالم من خلال تفسير وتأويل الكتاب المقدس بما يخدم أهدافها، كما أن أفكار إستر ورؤيتها عن الصهيونية ما زالت صالحة لمواجهة إسرائيل وأكاذيبها، لكن قبل أن نستطرد فى تفاصيل ما جرى بين إستر والإسرائيليين وحلفائهم، ولمن لا يعرف دورها السياسى والاجتماعى والوطنى فإنها ولدت فى أسيوط عام 1895 ونشأت فى أسرة إنجيلية وتخرجت في كلية البنات الأمريكية فى أسيوط عام 1910 وتزوجت عام 1913 من فهمى بك ويصا الذى كان وزيرا للوقاية - وهو ما يسمى حديثا بالدفاع المدنى- خلال الحرب العالمية الثانية وكان عضوا فى اللجنة المركزية لحزب الوفد وعضوا فى مجلس الشيوخ ومن اسم عائلة زوجها أخذت إستر اسمها الذى اشتهرت به، هذا المناخ السياسى أسس لديها الحس الوطنى والوعى بقضايا بلدها، كما أن إجادتها للعربية والإنجليزية وقراءاتها المتنوعة ساعداها على تكوين ثقافتها الواسعة وترتيب آرائها وأفكارها فكانت لها مؤلفات فكرية ودينية واجتماعية عديدة بالعربية والإنجليزية، دورها السياسى برز مع ثورة 1919، حيث ساهمت فى المظاهرات النسائية ضد الإنجليز والمطالبة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه الذين تم نفيهم خارج مصر، وبعدها كانت إحدى المؤسسات للجنة الوفد المركزية للسيدات وهى اللجنة التى لعبت دورا كبيرا فى الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزى وكانت هذه اللجنة نواة الاتحاد النسائى المصرى الذى تأسس عام 1923 وكان غرض هذا الاتحاد رفع مستوى المرأة والوصول بها إلى الاشتراك مع الرجال فى جميع الحقوق والواجبات، وكان لإستر دور مهم فى مؤتمر النساء العالمى الذى عقد فى روما عام 1923 ونجحت خلاله فى نفى شائعة التعصب الدينى فى مصر، وشاركت بعدها فى عدة مؤتمرات مماثلة فى العواصم الأوروبية، وكان لها دور كبير فى الدفاع عن حقوق المرأة السياسية فكانت من أوائل المطالبات بمشاركتها فى العمل السياسى، كما كان لها توجه اجتماعى بارز فكانت عضوا بجمعية «منع المسكرات» وجمعية «العمل لمصر» وعضوا بالهلال الأحمر وجمعية «السيدات المسيحيات» وخلال عملها بالهلال الأحمر قامت بأعمال إنسانية مميزة أثناء الأزمات والحروب خاصة وقت انتشار وباء الكوليرا الذى ضرب مصر عام 1948 وفى حربى 1967 و1973، واستمر عطاؤها الاجتماعى حتى وفاتها عام 1990، وتقديرا لجهودها الوطنية والاجتماعية منحها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1967 وسام الكمال كما كرمها مرة أخرى عام 1969 فى الذكرى الخمسين لثورة 1919 ضمن أربع زعيمات ممن شاركن فى الثورة، أما موقف الصهاينة منها فقد شرحه القس عيد صلاح فى كتابه: «حينما سافرت عدة مرات إلى أمريكا وإنجلترا على نفقتها الخاصة للدعاية للقضايا المصرية ما بين أعوام 1937 و1957 وكانت تطوف أمريكا فى كل رحلة محاضرة عن قضية فلسطين وضد العدوان الثلاثى وقت حدوثه وفى هذه الزيارات ذاقت من اليهود الموالين لإسرائيل فى أوروبا وأمريكا الأمرين حيث كانوا يطاردونها فى كل مكان تذهب إليه للحيلولة دون وصول صوتها إلى الناس لولا قلة من أصدقائها الذين ساعدوها فى إيصال رسالتها»، ولم تكن هذه هى المعاناة الوحيدة من الصهاينة، فقد رفضت دور النشر فى أمريكا طبع كتابها «القلب الطاهر» الذى ألفته خلال وجودها هناك عام 1954 خوفا من الضغوط الصهيونية العالمية كما عرضته على دار نشر «دوجلاس» فى لندن لكنها اعتذرت عن نشره فقامت إستر بطباعته على نفقتها فى الإسكندرية عام 1956 وتمت ترجمته إلى العربية عام 1979 -بعد 25 عاما من نشره بالإنجليزية، وكان أنصار الصهيونية المسيحية يحاربون نشره لأن المؤلفة تعرضت لادعاءات إسرائيل بالعودة إلى أرض الميعاد وفندت أقاويلهم، حيث كتبت فى مقدمة الكتاب «رسالة هذا الكتاب هى رسالة سلام للعالم المتحضر، والتفسير الحرفى للكتاب المقدس قاد للصراع الحالى، وحسب تفسير المسيح أن ملكوت السموات هو ملكوت المصالحة لكل البشر تحت راية المحبة والخدمة، وأن العودة لفلسطين تكون عودة لله وعودة للقلوب، وهذا التفسير الروحى يزيل جميع الصراعات السياسية والكراهية والعنصرية»، لم تخف إستر من إعلان مفاهيمها ضد الحركة الصهيونية وهى صاحبة القول بأن الحق يجب أن يعلن مهما كانت التكلفة، ونفس الأمر تعرضت له من قبل عندما رفضت دور النشر الغربية طبع كتابها «مُسكّن الحروب.. قلق العالم الأسباب والعلاج» ويتناول الكتاب المسيحية الصهيونية ونقدا لبرتوكولات حكماء صهيون، وقالت فى مقدمة الكتاب «حاولت نشر هذا الكتاب فى لندن عام 1932 فلم تقبل أى دار نشر طبعه وحاولت مرة ثانية عام 1936 فى لندن ونيويورك دون جدوى»، والغريب أن هذا الكتاب الذى نشر بالإنجليزية فى مصر لم يترجم إلى العربية حتى الآن ولعلها فرصة ودعوة للمجلس القومى للترجمة بترجمته ونشره فى أسرع وقت، كما أدعو الهيئة العامة للكتاب إلى نشر أعمالها الكاملة وهى متاحة لمن يرغب فى ذلك.. كتاب القس عيد صلاح مهم وقد نشر فيه ملحقا يضم رسائل إستر ومنها عدة رسائل إلى اللورد اللنبى الذى شغل موقع المعتمد السامى البريطانى فى مصر من عام 1919 إلى عام 1925 حيث ناقشته فى مواقفه ودافعت عن حرية وطنها وحقه فى الاستقلال، ولعل شعارها الذى عملت من أجله يصلح فى كل وقت وهو «بالمحبة لا بالكراهية نعمل لمصر».