الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. سيناريوهات بقاء  الدولة السورية!  لماذا سقطت بين اللاعب الصامت وحماية الحليف؟!  تحولت بعد الربيع العربى الأسود إلى ساحة مفتوحة للاعبين الإقليميين والدوليين..

مصر أولا.. سيناريوهات بقاء الدولة السورية! لماذا سقطت بين اللاعب الصامت وحماية الحليف؟! تحولت بعد الربيع العربى الأسود إلى ساحة مفتوحة للاعبين الإقليميين والدوليين..

كانت سوريا.. ذات يوم من دول الاستقرار والتوازن فى الشرق الأوسط، ولكن بعد الربيع العربى الأسود فى 2011.. أصبحت نموذجًا للدولة التى تم استحلال أراضيها لتصبح مسرحًا للصراعات الإقليمية والدولية.



 

ولتحليل الوضع السورى بدقة، يجب فهم الجذور العميقة للأزمة، مع إدراك تشابك المصالح الدولية والمحلية. وهى بدأت منذ تولى حزب البعث السلطة سنة 1963، وما سعت إليه سوريا من تقديم نفسها باعتبارها دولة قومية قوية. لكن مع مرور السنوات بين حافظ وبشار الأسد.. تراكمت الأزمات الداخلية. وبعد 2011 تفجرت أزماتها الخارجية، وتحولت تدريجيًا من دولة مركزية قوية إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية.

وكانت الانتفاضات فى تونس ومصر وليبيا.. دافعًا للشعب السورى للانطلاق فى مظاهرات سلمية. لكن القمع العنيف للاحتجاجات فى درعا وريف دمشق أدى إلى عسكرة الثورة، وسرعان ما تحول الصراع إلى حرب أهلية.. سرعان ما أظهرت أطماعًا دولية فى التحكم فى القرار السورى ومصير شعبه. وهو ما تفاقم حتى وصل الحال بين ليلة وضحاها إلى سقوط النظام السورى.

تداعيات السقوط.. 

يمكن تحديد أسباب وتحليل سقوط سوريا على النحو التالى:

- الأسباب السياسية والاجتماعية: والتى يمكن تحديدها فى أسباب داخلية تتحدد فى هيمنة حزب البعث، ودولة الحزب الواحد التى تم فيها منع الأحزاب المعارضة وقمع الحريات تحت سيطرة حافظ وبشار الأسد على مفاصل السلطة لأكثر من 50 سنة منذ سبعينيات القرن الماضى وحتى سقوط سوريا منذ عدة أيام.. مما أدى إلى تآكل الثقة بين القيادة والشعب. ومع ترسيخ الطائفية من خلال حكم الأقلية العلوية على مقاليد الحكم وتجاهل الأغلبية السنية، مما خلق شعورًا بالتهميش والإقصاء والاستبعاد لدى الكثيرين. إن غياب الحريات السياسية وتضييق مساحة تحرك المعارضة، وانتشار الفساد الذى أصاب العديد من مؤسسات الدولة، وتدهور الخدمات والبنية التحتية.. أسهم فى تراكم السخط الشعبى.

- الأسباب الاقتصادية: رغم أن سوريا تمتعت بموارد طبيعية كافية، مثل: البترول والزراعة، غير أن الاقتصاد كان هشًا جدًا وعانى من سوء إدارة متواصل بسبب الخصخصة والفساد التى تم اتباعها فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين من خلال تطبيق نظم سياسات اقتصادية جزئية خاطئة للخصخصة.. أفادت النخبة المقربة من النظام على حساب الشعب. وارتفعت معدلات البطالة وزيادة الفقر مما خلق بيئة مناسبة لانفجار الغضب الشعبى. فضلًا عن أثر الجفاف الحاد بين 2006 و2011 خاصة فى المناطق الريفية، مما دفع آلاف الفلاحين إلى النزوح نحو المدن، وأدى ذلك إلى تضخيم البطالة والفقر.

- الأسباب الاجتماعية والطائفية: من خلال الانقسامات الطائفية الموجودة بشكل تراكمى.. مما سهل تفاقمها بعد سنوات طويلة من الشعور بالتهميش للعديد من الأقليات والمناطق الريفية.

- الأسباب الإقليمية والدولية: شهدت سوريا بعد 2011 تحديدًا.. دعم بعض الأطراف الدولية والإقليمية للفصائل المعارضة بالتمويل ولبعض الفصائل بالسلاح. وهو ما رسخ لوجود تدخلات أجنبية مباشرة، مثل: روسيا وإيران لدعم نظام الأسد، وتركيا والولايات المتحدة لدعم أطراف أخرى. وكان من الطبيعى أن تكون النتيجة ظهورًا قويًا لتنظيمات متطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة».. التى استغلت الفراغ الأمنى لتوسيع نفوذها من جانب، وجعل سوريا مركزًا لجذب الجماعات المتطرفة من جانب آخر.

استفادة إسرائيل..

احتلت سوريا مكانة استراتيجية كبرى لدى إسرائيل. وهى أهمية تتعلق بأمن إسرائيل القومى وتوازنات القوى فى المنطقة. وسقوطها يعنى استفادة إسرائيل على عدة محاور، على غرار:

- المحور الأمنى: منذ بداية الأزمة، أصبحت سوريا تمثل تهديدًا محتملًا لإسرائيل، خاصة بعد زيادة النفوذ الإيرانى وحزب الله على أراضيها.. فاستخدمت إيران الأراضى السورية لتعزيز وجودها العسكرى، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للعمق الاستراتيجى لإسرائيل باحتمالية فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل فى حال تصاعد التوترات مع لبنان. وهو ما جعل إسرائيل تسعى للحفاظ على تفاهمات مع روسيا تجعلها.. تضمن حرية عملياتها الجوية فى سوريا وتحقيق مصالحها دون الدخول فى مواجهة مباشرة مع إيران.

- المحور الإقليمى: انهيار سوريا وإضعاف نظامها كدولة قوية.. سيتيح لإسرائيل حرية أكبر فى التحرك عسكريًا، كما سيحد من تهديد تحالفات كانت قائمة فعليًا فى الماضى بين دمشق وطهران أو دمشق والفصائل الفلسطينية.

- محور اللاعب الصامت: من خلال استفادة إسرائيل «اللاعب الصامت» من الفوضى فى سوريا لضمان بقائها قوية إقليميًا، دون الاضطرار للدخول فى صراعات مباشرة. 

النتيجة هى المزيد من المكاسب الاستراتيجية سواء بمنطق إدارة الفوضى بإضعاف الأعداء التقليديين لإسرائيل.. بتراجع قدرة سوريا على دعم الفصائل الفلسطينية أو تهديد إسرائيل عسكريًا، أو بتكريس التفوق العسكرى من خلال الوضع الراهن الذى سيساعد إسرائيل على تعزيز هيمنتها العسكرية فى المنطقة، خاصة مع تدمير الجيش السورى.

سيناريوهات محتملة..

من المبكر جدًا الحديث عن مستقبل الدولة السورية. ولكن يمكن تحديد بعض السيناريوهات المحتملة فى ظل الغموض الطبيعى بعد حالة الانهيار، وبعد انتظار موقف اللاعبين الإقليميين والدوليين فى محاولة فرض تفاهمات سياسية محددة. من أبرز تلك السيناريوهات:

1 -سيناريو استمرار الوضع الراهن: استمرار فوضى الانقسامات الجغرافية والطائفية. وتتحول المناطق تدريجيًا للخروج عن السيطرة، وتزايد سيطرة قوات الشرع. وهو ما سيزيد من استمرار معاناة الشعب السورى، دون أى تقدم نحو الحل السياسى.

2 - سيناريو التقسيم الفعلى: إلى مناطق نفوذ بين اللاعبين الرئيسيين.. روسيا وإيران فى الغرب، وتركيا والفصائل المسلحة فى الشمال الغربى، والولايات المتحدة الأمريكية ودعم الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) فى الشمال الشرقى. وهو سيناريو قد يؤدى إلى صراعات طويلة الأمد، وتفاقم النزاعات بين الأطراف.. خاصة على الحدود والموارد.. مما يضعف من احتمال عودة الدولة المركزية السورية فى الوقت القريب.

3 - سيناريو التسوية السياسية الشاملة: من خلال اتفاقات دولية تضمن صيغة.. تقضى بتشكيل حكومة جديدة تضم كل الأطراف السورية. وهو سيناريو.. يتطلب تنازلات كبرى وإصلاحات دستورية كبيرة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة.. لكنه يظل الأكثر استدامة.

4- سيناريو الفوضى الشاملة: بانهيار كامل، وفقدان السيطرة على جميع المناطق، وبروز فصائل جديدة تتقاتل على السيطرة.. مما قد يؤدى إلى اقتتال داخلى أوسع. وهو سيناريو، يجعل من سوريا.. ساحة حرب مفتوحة لجميع الأطراف الدولية. وتصبح سوريا «دولة بلا دولة»، مما سيزيد من التدخلات الأجنبية ويعزز الإرهاب والتطرف.

إيران وسوريا..

تلعب إيران دورًا رئيسيًا فى الملف السورى، وسعت عبر سنوات طويلة لتحقيق مصالح استراتيجية عبر دعم النظام السورى. ويمكن تحديد موقفها قديمًا.. فى رؤيتها لبقاء النظام السورى باعتباره محورًا أساسيًا لاستمرار نفوذها فى المنطقة. وظل دعمها العسكرى والاقتصادى.. حاسمًا فى منع سقوط النظام. كما احتفظت إيران باستخدام سوريا.. كجسر برى يربط بين إيران وحزب الله فى لبنان. ومن خلال تعزيز وجودها العسكرى فى سوريا.. تواجه النفوذ الأمريكى والإسرائيلى فى المنطقة.

ومع ملاحظة، أن إيران واجهت ضغوطًا دولية وتحديات إقليمية بسبب العقوبات الأمريكية والإسرائيلية التى تستهدف مواقعها فى سوريا. كما أن استمرار تدخلها.. عمق عزلة النظام السورى وزاد من معاناة شعبه.

احتفظت إيران بأهداف استراتيجية على مدار سنوات طويلة من أهمها مبدأ «حماية الحليف» لأنها رأت فى بقاء نظام الأسد.. ضرورة لضمان استمرارية مشروعها الإقليمى.. فى ظل الاحتفاظ بالجسر البرى منها إلى لبنان لتصل إلى حزب الله. وقد قدمت إيران دعمًا عسكريًا واسعًا للنظام السورى عبر فيلق القدس وحزب الله والحشد الشعبى العراقى. وظلت رغم العقوبات تدعم سوريا بموارد ضخمة.. لدعم اقتصادها المتدهور.

مواقف دول الجوار..

يظل من أهم تحديات مستقبل الملف السورى هو مواقف دول الجوار، وعلى سبيل المثال:

• الأردن: تسعى الأردن لتأمين حدودها مع سوريا ومنع تسلل الجماعات الإرهابية. والمتوقع.. تفضيلها وسعيها لتسوية سياسية لاستقرار سوريا بما يخدم مصالحها الأمنية.. فى ظل التوجس من النفوذ الإيرانى.

• تركيا: تسعى تركيا لمنع قيام أى كيان كردى مستقل، وتسعى لضمان وجود منطقة عازلة على الحدود. والمتوقع.. أن تستمر فى دعم المعارضة السورية، وفى تنفيذ عمليات عسكرية شمال سوريا لتوسيع نفوذها، والضغط للحصول على مقعد فى أى مفاوضات مستقبلية.

• فلسطين: تتأثر فلسطين بالموقف السورى بناءً على تحالفات الأطراف الإقليمية. والمتوقع.. أن تبقى السلطة الفلسطينية على الحياد، بينما تستمر حماس فى تعزيز بقاء علاقاتها وتحالفاتها مع مواليها فى دمشق وإيران.

• العراق: يواجه تحديات مشابهة لسوريا.. خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيرانى. ولذا تستهدف منع عودة تنظيم داعش وحماية الحدود المشتركة. والمتوقع.. دعمها لاستقرار سوريا، ورفض أى تقسيم تجنبًا لانتقال الفوضى إلى أراضيها والضرر بالتوازن الإقليمى.

- الأكراد: سيواصل الأكراد التحالف مع الولايات المتحدة. والمتوقع.. التفاوض مع النظام السورى الجديد إذا تغيرت المعطيات. والحفاظ على المكاسب السياسية والعسكرية التى حققوها.

نقطة ومن أول السطر..

الأزمة السورية الحالية.. ليست مجرد نزاع محلى، بل تمثل انعكاسًا لصراعات إقليمية ودولية عميقة وتحديات هائلة تتطلب حلولًا جذرية وشاملة.

الأوضاع الحالية لا تشير ولا تبشر بقرب انتهاء الأزمة، والأسباب التى أدت إلى سقوط  سوريا معقدة ومتشابكة جدًا، والوضع الراهن يفرض تحديات وفرصًا لجميع الأطراف المعنية. المستقبل يعتمد على قدرة أطراف اللعبة الإقليميين والدوليين على تقديم حلول واقعية وتقديم تنازلات حقيقية.. تضمن وقف النزاع وإعادة بناء الدولة. وإنهاء المأساة المستمرة وتضمن استقرار الدولة السورية.

سوريا، رغم كل الأزمات، ستبقى محورًا أساسيًا فى توازنات الشرق الأوسط، مما يجعل تسويتها ضرورة إقليمية ودولية.