النسوية الإسلامية القَصص القرآنى.. والتاريخ: المرأة.. فى حياة الأنبياء! 109

محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
أمينة ودود مواليد 1952م، ولدت باسم «مارى تيزلى»، أمريكية من أصل إفريقى، اعتنقت الإسلام 1972م، وهى طالبة تدرس العلوم فى جامعة بنسلفانيا، وغيّرت اسمها إلى أمينة ودود.
حصلت أمينة ودود على درجة الماجستير فى دراسات الشرق الأدنى، ودرجة الدكتوراه فى الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميتشغان عام 1988، أمضت فترة الدراسات العليا فى مصر، درست اللغة العربية فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وتخصصت بالدراسات القرآنية والتفسير الدينى فى جامعة القاهرة، والفلسفة فى جامعة الأزهر.
عملت كأستاذ مساعد فى مجال الدراسات القرآنية فى الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، ونشرت أثناء وجودها هناك دراسة حول القرآن والمرأة، تشمل إعادة قراءة القرآن من منظور المرأة، وعملت ودود كأستاذة للدين والفلسفة فى جامعة فرجينيا كومونولث.
تقاعدت عام 2008، وتولت منصب أستاذ خارجى فى مركز الدراسات الثقافية والدينية المختلفة فى جامعة فى إندونيسيا، وركزت على تفسير القرآن.
أحداث أثارت جدلًا:
فى المنامة عاصمة البحرين فى أبريل 2004، أوقفت الشرطة البحرينية فى مسجد الفاتح سيدة تنكرت بزى إمام شقت طريقها بين الرجال، وقبل وصولها إلى المنبر حيث أرادت أن تلقى خطبة.
ألقت أمينة ودود خطبة صلاة الجمعة عام 1994 فى مسجد فى جنوب إفريقيا، وفى يوم الجمعة 18 مارس عام 2005، ترأست ودود الصلاة كإمام لمجموعة تضم حوالى 60 امرأة و40 رجلًا دون أى فصل بينهم، ورفعت الأذان امرأة مسلمة أمريكية من أصول مصرية اسمها سهيلة العطار، ولم تكن مرتدية للحجاب، وقد أقيمت الصلاة فى مبنى تملكه كاتدرائية القديس يوحنا الأسقفية فى مانهاتن، بعد أن رفضت ثلاثة مساجد استضافة الصلاة.
وقالت أمينة ودود قبل بدء شعائر الصلاة إن: «مسألة المساواة بين الرجل والمرأة أمر مهم فى الإسلام، وقد استعمل المسلمون، وللأسف، تفسيرات تاريخية متشددة للعودة إلى الوراء».
وأضافت: «ونحن من خلال هذه الصلاة نتقدم نحو الأمام، فهذا العمل هو بحد ذاته تجسيد للإمكانات المتاحة فى الإسلام، وشارك فى الصلاة قرابة مائة شخص من الرجال والنساء، ونظم هذه الصلاة «عسرة نعمانى»، وهى كاتبة ومراسلة لصحيفة «وال ستريت»، وقالت نعمانى: «إن القصد من هذه الخطوة لفت الانتباه حول عدم المساواة التى تطال حياة المرأة الروحية، وجوانب أخرى من حياتها بشكل عام».
وأضافت نعمانى: «نحن نطالب بحقوقنا كنساء مسلمات، لن نقبل بعد اليوم الدخول من الأبواب الخلفية أو البقاء فى الظل، وسنكون فى نهاية المطاف قياديات فى العالم الإسلامى»، وتظاهر عدد من المعترضين خارج المبنى حيث أقيمت الصلاة.
وفى رد فعل على إمامة المرأة، قال شيخ الأزهر: «إن الإسلام يبيح للمرأة أن تؤم نساء أخريات فى الصلاة، وليس جمعًا من المصلين من ضمنه رجال»، وأضاف: «لا يصح أن يرى الرجال جسد المرأة أمامهم، رغم أنهم يرونها فى حياتهم اليومية، يجب ألا يكون ذلك فى أثناء العبادة، حيث الأساس هو التواضع والتعبد».
أثارت إقامة الصلاة جدلًا مع ردود أفعال مختلفة من المجتمع الإسلامى، فقد انتقد الشيخ سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر وقتها قائلًا: «عندما تقوم المرأة بإمامة الرجال فى الصلاة، فلا يجوز للرجال فى هذه الحالة النظر إلى جسدها الذى أمامهم».
وقال عدد من الفقهاء والشيوخ إن المرأة تستطيع أن تقوم بإمامة نساء أخريات وحتى أطفالها الصغار فى الصلاة، لكنها لا تستطيع أن تقوم بإمامة مجموعة مختلطة من المصلين تشمل ذكورًا غير محارم.
نقد الفكر:
فى الحياة من الطبيعى أن تكون المرأة شريكة الرجل فى صناعة الحدث، ولكن الرجل حين يقوم بكتابة التاريخ فإنه غالبًا ما يتجاهل دور المرأة، ولذلك توجد فجوة هائلة بين الروايات التاريخية وأحداث التاريخ الحقيقية، ولكن القَصص القرآنى له اتجاه مختلف فى الحديث عن مكانة المرأة ودورها المؤثر فى التاريخ الإنسانى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم 10–12.
ونلاحظ فى الآيات أن الله تعالى ضرب المثل السيئ للكافرين رجالًا ونساءً بامرأتين، هما امرأة النبى نوح وامرأة النبى لوط، وضرب المثل الحسن للذين آمنوا رجالًا ونساءً أيضًا بامرأتين، هما امرأة فرعون والسيدة مريم، وفى هذا دليل قوى على مدى فاعلية المرأة حتى فى حياة الأنبياء مثل نوح ولوط وموسى وعيسى عليهم السلام.
والقَصص القرآنى يعطى الشخصية فى القصة حقها حسب تأثيرها ودورها، والمرأة أخذت حقها فى القصص القرآنى حسب دورها فى كل قصة، وجاء ذلك متفقًا مع دورها الحقيقى فى الحياة الواقعية فى كل عصر.
ويبدأ دورها مع بدء الخليقة، وهى زوج لآدم حين أكلا من الشجرة، ولا يوجد فى القصص القرآنى ما يثبت أنها كانت هى المسئولة وحدها عن خروج آدم من الجنة، بل كانا معًا عندما جاء لهما الأمر معًا وعصياه معًا، وكذلك الشيطان أزلهما معًا وأخرجهما معًا: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) البقرة 35-36.
وفى قصة النبى موسى عليه السلام، حيث نماذج إنسانية متعددة للمرأة والتى صحبته منذ ولادته إلى بعثته، وتبدأ القصة بأمه والوحى يأتيها بأنها إذا خافت عليه فلا تلقيه فى أحضانها ولكن فى أحضان النيل، لتشمله عناية الله حيث يتربى فى قصر فرعون الذى سخره الله تعالى ليرعى النبى القادم وتكون الملكة المؤمنة خير بديل لأمه، ثم تأتى الأخت وتدلهم على مرضعة جديدة هى أم موسى نفسها، وبعد ذلك عند بئر مدين يساعد فتاتين فى السقيا ويعرض عليه أبوهما الصالح أن يزوجه إحدى ابنتيه، والتى يعود بها النبى موسى عليه السلام إلى مصر، وفى سيناء تحتاج زوجته إلى التدفئة ويرى نارًا بجانب شجرة حيث يسمع كلام الله تعالى له وتكليفه بالرسالة.
ونجد فى القصة نماذج مختلفة للمرأة مثل الأم والأخت والزوجة وامرأة فرعون والمراضع وأخت الزوجة، فيهن حب الأم وعطف الأخت ورقة الملكة وحنانها، فيهن الملكة والمرضعة والابنة التى تعمل لخدمة أبيها الشيخ الكبير، ونلاحظ أن القرآن تحدث عن ملكة مصر على أنها مجرد زوجة لحاكم مستبد إلى درجة ادعاء الألوهية، لذلك وصفها بامرأة فرعون وهى التى كانت تدعو الله من أن ينجيها من شر فرعون وشر أعوانه.
ملكة سبأ:
كما يحدثنا القَصص القرآنى عن ملكة سبأ التى تملك وتحكم: (إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) النمل 23، ولها من الحكمة ما يوضحه عنها حين تستشير الملأ لما جاءتها رسالة النبى سليمان عليه السلام، ولكن الرجال أهل الشورى يفوضونها فى التصرف فعرضت عليهم اقتراحًا بإرسال بعثة بهدايا وانتظار نتائج هذا الاقتراح، أى أنها تفضل السلام وحل الموضوع بالطرق الودية لأنها تعرف أن الملوك الرجال إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، لم تغتر بالمستشارين أولى القوة والبأس الشديد وإنما قدرت العواقب مما يدل على استحقاقها للملك، وربما لو كان هناك رجل فى مكانها لأشعل حربًا أضاع فيها ملكه وشعبه. والقرآن الكريم لم ينكر وجودها كملكة وإنما أنكر سجودها وقومها للشمس: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) النمل 24. ثم أوضح فى نهاية القصة أن الملكة استجابت للحق وأسلمت لله: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل 44. وهكذا نجد القَصص القرآنى قد أورد نماذج مختلفة للمرأة فى سيرة الأنبياء، من الخادمة إلى الملكة الحاكمة، ومن الزوجة المؤمنة المقهورة أمام زوجها الكافر إلى الزوجة الكافرة المتمردة على زوجها النبى المؤمن، ومن الزوجة العاقر التى تلد بعد سن اليأس «زوجتا النبيان إبراهيم وزكريا عليهما السلام» إلى الزوجة الولود للنبى يعقوب عليه السلام، ومن أم النبى إسماعيل المؤمنة التى تركها زوجها النبى إبراهيم عليه السلام فى واد غير ذى زرع عند البيت المحرم، إلى امرأة أبى لهب التى سيكون فى جيدها حبل من مسد، تنوع هائل وموجز إنسانى واقعى فى القَصص القرآنى لا نجد مثيلًا له فى الروايات التاريخية الإنسانية.