الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

زمن المواجهات

خلال الأربعين سنة الأخيرة، مر الوطن بكثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية، أثرت بشكل أو بآخر على طبيعة الفن المقدم للجمهور، وكالعادة كانت مجلة «روزاليوسف» حاضرة بقوة، وشاهد عيان على كل هذه المتغيرات، بل شريكًا أساسيًا بها، فكثيرًا ما تبنت قضايا فنية، ودافعت عنها بجسارة، حتى إن جاء ذلك مخالفًا لما هو سائد من آراء ومعتقدات، وكثيرًا ما ساندت فنانين ظهرت عليهم أمارات الموهبة والنبوغ، فسلطت الضوء على موهبتهم، وكانت خير رفيق لهم فى طريقهم نحو النجومية، كما ساهمت فى تعريف القارئ بجانب آخر من شخصية الفنان لم يكن يجده فى غيرها من المطبوعات، فحوارات محررى الفن بالمجلة لم تقتصر أسئلتها عن آخر المستجدات، أو أبرز الإطلالات، بل كان القارئ من خلالها يتعرف على الفنان المثقف الواعى، المهموم بقضايا مجتمعه، والمدرك لقيمة ما يقدمه من فن يؤثر على وجدان جمهوره، وقد وقفت «روزاليوسف» أمام الهجمات الظلامية التى كان يشنها أعداء الفن، الذين هم بالتبعية أعداء للحياة، وهو موقف تبنته المجلة على مدار تاريخها وإن تجلى ذلك بوضوح فى السنة التى تولت فيها جماعة الإخوان الإرهابية حكم مصر، ومع اختلاف أسماء النجوم من جيل إلى جيل، وتبدل القضايا المطروحة على الساحة الفنية، كان الشعار الذى تبنته «روزاليوسف» ولم تحد عنه أبدًا هو الانتصار للإبداع وللحرية مهما كان الثمن.



 الواقعية الجديدة على خط النار!

لم يكن مخرجو تيار الواقعية الجديدة مرحبًا بهم فى بداية مسيرتهم الفنية، وفى وقت بزوغ نجمهم، واختمار أحلامهم، شنت عليهم كثير من الأقلام الصحفية هجمات عنيفة بوصفهم يشوهون صورة مصر بواقعيتهم، ويبرزون أسوأ ما فيها فى أفلامهم، بل لفظهم بعض من أساتذتهم فى الإخراج ممن ينتمون إلى الجيل الذى سبقهم، ولم يقدموا لهم دعمًا أو مساندة، وفى المقابل كانت «روزاليوسف» هى حائط الصد المنيع لهذا الجيل الاستثنائى من المخرجين الذين دهسوا بقدمهم كثيرًا من المحظورات، وفى مقال كتبه الكاتب الصحفى «إبراهيم عيسى» مطلع الثمانينيات بعنوان (سينما فوق السطوح) وصفهم فيه بأنهم مثل قبضة الأصابع حين تجتمع لتعطى التاريخ السينمائى لكمة أو دفعة للأمام، وحين تفترق وتنفرج لتربت على التاريخ السينمائى ناصحة ومحذرة وحانية، كما وصف أفلامهم بالخبز الذى تصدع رائحته فواحة لتغير الشاشة المصرية فى فترة كست الأتربة والغبار الكثيف عيون الناس وشاشات العرض، ولتغير طبيعة جمهور السينما الذى تحول فى فترة ما قبل ظهورهم على الساحة إلى جمهور قوامه الأساسى شرائح الحرفيين والأغنياء الجدد، وفرت من مقاعده الخربة وشاشاته المغشوشة الجماهير الحقيقية التى تؤمن بحرية التعبير، وبأهمية أن تقدم هموم الإنسان البسيط على الشاشة، ذلك الإنسان الذى فرض عليه صناع السينما فى وقت من الأوقات أن يظل على الهامش.

ولم يقتصر دعم كتاب المجلة لهذا الجيل على متابعة أعمالهم، والكتابة عن أفلامهم بقلم منصف ومتفهم لطبيعة التجربة، وما تتناوله من موضوعات، أو عقد لقاءات معهم ومع أبطال أفلامهم، بل حملت المجلة لواء الدفاع عن تلك التجارب ضد منتقديها، تمامًا كما فعل الكاتب الكبير «صلاح عيسى» فى مقاله عن فيلم (أحلام هند وكاميليا) للمخرج «محمد خان»، عندما كتب (أحلام هند وقرف أنيس منصور) وكان يرد فيه على رأى «منصور» فى الفيلم، حينما وصفه بالفيلم المقرف، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تبنت المجلة موقفًا فعليًا عام 1991 ضد ما حدث لفيلم (ناجى العلى) الذى أخرجه «عاطف الطيب» عن حياة رسام الكاريكاتير الفلسطينى المعروف، ولعب بطولته الفنان «نور الشريف» فبمجرد عرضه فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، قامت حملة عليه فى عدد من الصحف أبرزها (أخبار اليوم) بقيادة «إبراهيم سعدة» وتوافقت هذه الحملة مع أهواء بعض المسئولين فى الدولة آنذاك، الذين أرق الفيلم مضاجعهم، وبالتالى تسببت تلك الحملة فى مصادرة الفيلم، وهو ما ترتب عليه عدم نشر أى أخبار أو صور لـ«نور الشريف» بطل الفيلم و«سعد الدين وهبة» رئيس مهرجان القاهرة ولم يقتصر أمر المنع عليهما فقط، بل طال زوجتيهما الفنانتين «بوسى» و«سميحة أيوب» وبالطبع لم تشترك «روزاليوسف» فى هذه المهزلة، لكنها ساندت الفيلم وبطله، حتى إنه عندما أقيم المهرجان القومى للسينما فى نفس العام، كانت هناك توجيهات برفض مشاركة الفيلم فى المهرجان بحجة ضعف مستواه الفنى، فما كان من المجلة وقتها إلا أن شكلت لجنة موازية، كان المسئول عنها الكاتب الكبير «طارق الشناوى»، وضمت اللجنة أسماء النقاد «على أبو شادى، سمير فريد، كمال رمزى، خيرية البشلاوى» والمخرج «محمد كامل القليوبى» ومنحت جوائز موازية لتلك التى منحها المهرجان القومى وكان فيلم (ناجى العلى) ضمن الأفلام المتنافسة فى مهرجان (روزا) دون إقصاء أو منع كما حدث فى مسابقة القومى.

وفى عام 1994 أقيمت دعاوى قضائية تطالب وقف ومنع عرض فيلم (المهاجر) لـ«يوسف شاهين» والتحفظ على نسخه ومنع تصديره للخارج، فكان موقف المجلة هو الدفاع عن حرية الرأى والتعبير، فشنت حملة مناهضة لما يتعرض له الفيلم من محاولات قمع واغتيال، ومع صدور الحكم بعودة الفيلم، كتب الكاتبان الصحفيان «وائل لطفى، ونبيل أبوزيد» فى نهاية تقريرهما عن الحكم لصالح «شاهين» والفيلم (مبروك ليوسف شاهين.. مبروك لنا.. مبروك لمصر). 

 المشبوهون يتحدثون

ولأن «روزاليوسف» دائمًا ما تلتقط طرف الخيط ولا تتركه حتى آخره، ولأن الاتهامات ظلت تلاحق هذا الجيل بمخرجيه وفنانيه سنوات طوال، فقد ظلت المجلة على موقفها المدافع عن هذا الجيل، وفى تحقيق صحفى أجراه الكاتب الكبير «محمد هانى» فى منتصف التسعينيات، حمل عنوان: (المشبوهون يتحدثون.. الجيل القديم يتهمهم بالحقد والقذارة وتشويه سمعة مصر) أتاحت المجلة الفرصة لكل أبناء هذا الجيل للدفاع عن تجربتهم بالأدلة والبراهين، حتى أثبتوا من خلال حديثهم أن المرارة التى فى أفلامهم ليست عقدًا نفسية يعبرون عنها فى أفلامهم، لكنها نتاج مناخ عاشه جيلهم الذى شهد فى طفولته شروق الحلم مع ثورة يوليو ثم انكسارها فى 67 ثم السطو عليها فى السبعينيات، ومع ذلك يصعب أن نصف أفلامهم بأنها كئيبة ومحبطة تخلو من بريق الأمل، فصمود «حسن» فى (سواق الأتوبيس) وصرخته فى نهاية هذا فيلم الذى أبدعه «عاطف الطيب» ليست كآبة، ولم يكن اكتشاف «عطية» لنفسه من جديد فى أحضان الريف فى فيلم (خرج ولم يعد) الذى أخرجه «محمد خان» إحباطًا، وهو ما ينطبق أيضًا على دعوة «خيرى بشارة» لمحاربة الجهل والخرافة فى (الطوق والإسورة) وعلى تحريض «داوود عبدالسيد» لكى نواجه أنفسنا بالحقيقة فى (الكيت كات) أو نبحث عن ضوء شمعة فى الظلام فى فيلم (سارق الفرح) أو حتى نكتشف السعادة الحقيقية البسيطة بعيدًا عن (أرض الأحلام).

وبما أننا قد ذكرنا الجيل القديم من المخرجين، وما كان يكيله من اتهامات ضد هؤلاء المجددين، فيجدر الإشارة هنا إلى أن المجلة قد ساندت ثورتهم ضد رائد الواقعية، وأبيها الروحى المخرج الكبير «صلاح أبوسيف» وقد كتبت الإعلامية «سهير جودة» عام 1994، تحقيقًا بعنوان (فى جمعية الفيلم ثورة المخرجين على صلاح أبوسيف)، وقد سجل هذا التحقيق واقعة سينمائية غير مسبوقة انسحب فيها ثلاثة مخرجين من مهرجان جمعية الفيلم اعتراضا على رئاسة المخرج «صلاح أبوسيف» للجنة التحكيم، وهم «داود عبدالسيد» والذى كان ينافس بفيلم (أرض الأحلام) و«خيرى بشارة» بفيلم (أمريكا شيكا بيكا) و«محمد كامل القليوبى» بفيلم (ثلاثة على الطريق)، وقد رصد التحقيق المأزق الذى وضع فيه المهرجان، وقد برر المخرجون الثلاثة انسحابهم بالسلبية التى يتعامل بها مخرجو الجيل الذى سبقهم، وعلى رأسهم «صلاح أبو سيف».

 فى مواجهة الرقابة

لم يقتصر دور «روزاليوسف» فى تلك الفترة على فتح بوابات العبور لكل فنان جاد، يمتلك موهبة حقيقية، والوقوف لنصرته ضد من لا يدركون قيمة فنه، لكنها أيضًا شنت حربًا على الرقابة وما تقترفه من آثام ضد إبداعات هذا الجيل بالحذف الجائر تارة، والمنع تارة، ولم تكتف فى هذه الحرب بنقل معاناة هؤلاء المخرجين مع كيان الرقابة، كما فعلت مع «خيرى بشارة» الذى أرسل عبر صفحات المجلة رسالة إلى وزير الإعلام «صفوت الشريف» طالبه فيها بعدم عرض أفلامه مشوهة فى التليفزيون، مؤكدًا له أنه عندما يشاهد أفلامه على الشاشة لا يستطيع التعرف عليها، فيغلق جهاز التليفزيون، ويتحول ألمه إلى حزن على ما آلت إليه الرقابة التى تتعامل معنا بمنطق يخاف من عرض الواقع الذى نعيشه الآن، أو كما ساندت «محمد خان» الذى صرح عبر صفحات المجلة أن الرقابة بعد أن فعلت ما فعلت فى السيناريو الخاص بأحد أفلامه، كتب الرقيب ملحوظة غريبة على صدارته حذره فيها بأن يراعى أن يكون التنفيذ على مستوى لا يسىء للمجتمع أو للفن المصرى حتى لا يتعرض فيلمه إلى منع توزيعه للخارج!

كل هذا الصلف والغرور الذى كانت تتعامل به الرقابة مع هؤلاء المبدعين، كان يقابل بحزم شديد من كتاب المجلة، حتى إن الكاتب الكبير «محمد هانى» قد اقترح -متهكمًا- فى أحد مقالاته على الرقيب فتح فصول محو الأمية الرقابية ليتلقى فيها المخرجون أمثال «عاطف الطيب ومحمد خان وخيرى بشارة» والكتاب أمثال «بشير الديك ووحيد حامد وأسامة أنور عكاشة» دروسًا فى التأليف والإخراج على أيدى أساتذتهم من الرقباء حتى يتعلموا كيف يصنعون أفلاماً ترضى عنها الرقابة!

والحقيقة أن «روزاليوسف» كانت دائمًا تعادى أى رقيب يجلس على كرسى الرقابة، وكان رؤساء الرقابة يقيمون وزنًا لكل كلمة تكتب فى المجلة ضدهم، لذلك كان من الطبيعى أن تجد ردًا على ما نشر على صفحات المجلة من رئيس الرقابة يدافع فيه عن نفسه، وفى المقابل تجد تعقيبًا أو مقالاً جديدًا تستمر فيه المجلة بالتمسك بموقفها، وقد ظل الكاتب «محمد هانى» طوال التسعينيات ينشر مقالاته النارية، ضد الرقابة وضد أى نوع من الوصاية على الفن من الجهات الرسمية، منها على سبيل المثال (عاشت الرقابة حرة.. مستبدة) أو (لجنة التحكيم تضحى بالأم والجنين لكى تعيش الرقابة) والمقصود هنا لجنة تحكيم المهرجان القومى 1996 أو(الفن تحت وصاية الداخلية) وغيرها. 

عادل إمام.. الوجه الآخر

وإلى جانب القضايا التى تبنتها «روزاليوسف» فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات، كانت الحوارات الصحفية التى يجريها كتاب الفن فى المجلة تحاول أن تلقى الضوء على جانب آخر من شخصية الفنان، بعيدًا عن تلك الجوانب التى تفرضها الشهرة والنجومية، وبما أن «عادل إمام» يمثل فى الفن ما ممثلته «روزاليوسف» فى الصحافة التى ناهضت الإرهاب على صفحاتها كما ناهضه هو على شاشة السينما، فكان من الطبيعى أن يكون له نصيب الأسد من الحوارات واللقاءات التى أبرزت فلسفته فى الفن والحياة.

أدركت «روزاليوسف» منذ بزوغ نجم «عادل إمام» أنه فنان استثنائى، فلم تقدمه على صفحاتها ككوميديان كاسح لألغام الكآبة والحزن، لكنها سلطت الضوء على مواقفه التى تحلى فيها بالشجاعة، وانحاز فيها للضمير الوطنى، وللمواطن البسيط أيضا، وقد بدى انحيازه للبسطاء فى الزى الذى اختار فى تلك الفترة أن يرتديه فى حياته قبل أفلامه وهو (الجينز والتى شيرت) وهو ما علق عليه الكاتب الكبير «عمرو خفاجى» فى إحدى الحوارات التى أجراها معه على صفحات المجلة بعنوان (عادل إمام: كلنا إرهابيون على بعض) حيث قال: «عادل إمام يرتدى الجينز فى حياته قبل أفلامه، لأن الغالبية يرتدونه، فقراء، وأغنياء، ففيه مساواة طبيعية، فالجينز زى موحد لم يفرضه نظام الحكم أو حزب سياسى، بل للجينز حزب خاص به، أعضاؤه أعلنوا التمرد على رتم الحياة، ورفضوا قسوتها، وانحياز عادل إمام للبسطاء انحياز طبيعى ومنطقى، فهو أحد الذين استفادوا من ثورة 23 يوليو، التى كان همها الأول البسطاء، كما أنه يؤمن تمامًا أنها صنعت نجوميته، أو جزءًا منها على الأقل» وقد أعجب «عادل» بهذا التفسير، وعلق قائلاً: «استفدت كثيًرا من الثورة، تعلمت مجانًا، وأصبحت فنانًا فى سنوات صعودها، ولا أعرف إذا لم يكن هذا المناخ موجودًا كنت سأصبح فنانًا أم لا».

أحب «عادل إمام» الثورة، وآمن بها، وظلت هى مشتعلة داخل عقله، لكنها ثورة من نوع آخر، ثار فيها ضد التطرف والإرهاب، وهو ما برز فى تقديمه أعمالاً سينمائية تناهضهما مثل سلسلة أفلامه مع الكاتب الكبير «وحيد حامد» والمخرج «شريف عرفة» ومنها (الإرهاب والكباب) و(طيور الظلام). بالإضافة إلى فيلمه (الإرهابى) الذى كتبه «لينين الرملى» وأخرجه «نادر جلال» بكل ما سببته له هذه الأفلام من متاعب، ومواجهات، كانت «روزاليوسف» حاضرة فيها أيضًا، حتى أنه فى عام 1995، عندما استعرض التيار الدينى قوته، ورفع قضية مستعجلة لوقف عرض (طيور الظلام) أجرى «عمرو خفاجى» حوارًا بعد خروج «عادل إمام» مرهقًا من عرض مسرحية (الزعيم) وكان قد تلقى لتوه الخبر، فكان فى قمة غضبه أثناء الحوار، وأعلن خلاله أنه لن يدفع أموالاً لأى محام ليترافع فى هذه القضية، لأنها قضية وطنية، والمحامى الذى سيترافع فيها يدافع عن وطنه لا عن أشخاص.

والحقيقة أن مواجهات «عادل إمام» مع هذا التيار قد سبقت ذلك كله، ففى عام 1988 قرر النجم الكبير أن يعرض مسرحيته (الواد سيد الشغال) على مسرح الثقافة الجماهيرية فى أسيوط بعد أن كانت قد تعرضت إحدى الفرق التى تعرض مسرحيتها على نفس الخشبة لهجوم من المتطرفين هناك.. تصدر «عادل إمام» غلاف العدد 3130 والصادر فى 6 يونيو 1988. وبداخل العدد قدم الإعلامى «عمرو أديب» الذى كان محررًا بالمجلة آنذاك، تغطية كاملة لرحلة أسيوط، فكتب مقالاً بعنوان: (مظاهرة تهتف باسم عادل إمام فى أسيوط ومنشور يهاجمه قبل وصوله المدينة بأيام)، ولم يكتف بذلك بل تابع فى تحقيق آخر ما حدث بالتفصيل، موضحًا موقف المتطرفين الجبناء الذين لاذوا بالفرار وقت الزيارة، لدرجة أنه ذهب إلى أماكن تجمعهم فى مساجد «أبوبكر الصديق، ابن جود، والجهاد» والتقى ببعضهم وتمكن بالفعل من أخذ تصريحات منهم على شاكلة أن وجود «عادل إمام» هو تحد للمشاعر الإسلامية وعندما عرف الإخوة المتطرفون أن «أديب» صحفى من «روزاليوسف» قالوا له: «إن الجماعة انتهجت لنفسها خطًا بعدم الحديث مع مجلة «روزاليوسف» لمواقفها المعادية للجماعة» وختم «أديب» متابعته بحوار مع «عادل إمام» تحت عنوان: (لماذا أخاف وأنا بين جمهورى).

ولـ «عادل إمام» موقف عروبى واضح، وفى عام 1998 انضم للوفد المصرى المسافر على أول طائرة تهبط فى مطار غزة فى رحلة عمرها 24 ساعة فقط، حيث أصر الرئيس «ياسر عرفات» أن تكون أول طائرة تهبط على أرض هذا المطار مصرية، وهناك تأكد ما كان يحاول إثباته طوال مسيرته الفنية منذ بداياته، وهو أن الزعامة ليست سلطة أو نفوذًا أو جاهًا، لكنها تاج مصنوع من حب الجماهير الغفيرة، فلقد استقبله الفلسطينيون بالزغاريد والقبلات، وسألوه عن أفلامه ومسرحياته، وطلبوا منه زيارة المخيمات، فزار مخيم الشاطئ، وتجول فى شوارع غزة، وفى حواره مع الكاتب الكبير «كرم جبر» حكى عن تفاصيل الزيارة، وعن الكلمة التى ألقاها فى الاحتفال الرسمى نيابة عن الوفد، وعن العلاقة الممتدة مع الرئيس الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات» كما تذكر لقاءهما سويًا فى لبنان عام 1981، حيث كانت الحرب الأهلية على أشدها، وقرر «عادل» أن يعرض مسرحيته فى بيروت، إيمانًا منه بأن الفن المصرى هو الذى وحد المشاعر العربية، وكان الفرقاء من اللبنانين فى بيروت الغربية وبيروت الشرقية يجيئون إلى المسرح ويتركون المدافع الرشاشة فى الخارج، ويحصلون على بطاقة لاستلام السلاح بعد المسرحية، وبعد انتهاء العرض يعودون للتقاتل حتى كتبت الصحف اللبنانية: (عادل إمام جعل اللبنانيين يسلمون أسلحتهم). 

روزاليوسف 2000 والموجة الجديدة

مع بداية الألفينيات تغيرت المعطيات، وتغير شكل الخريطة الفنية، وظهر نجوم جدد على الساحة السينمائية لم يحظوا حينها بالاعتراف الكامل بموهبتهم إلا فى «روزاليوسف»، والحقيقة أن الأمر بدأ قبيل عام 2000 بسنوات قليلة، وتحديدا مع صدور فيلم (إسماعيلية رايح جاي) حتى أنه فى عام 1997 مهد الكاتب «عمرو خفاجى» لذلك بمقال عنوانه (هنيدى وصل يا رجالة) أجاب فيه على سؤال شغل الوسط الفنى حينها، حيث اعتقد البعض أن ظهور «هنيدى» يعنى سحب البساط من تحت أقدام غيره ممن سبقوه فى النجومية خاصة أن إيرادات (إسماعيلية رايح جاى) وصلت إلى 15 مليون جنيه، فى حين أن إيرادات (بخيت وعديلة) أعلى فيلم لـ«عادل إمام» فى تلك الفترة من حيث الإيرادات لم تصل إلى نصف هذا الرقم، وفى المقال يعلنها «خفاجى» صريحة، أن «هنيدى» لم يأت للقضاء على الآخرين، أو بديلاً عن أحد، لكنه قفز إلى المقدمة، وحقق أرقامًا غير مسبوقة لأنه موهوب، وفى مقال للناقد الفنى «طارق الشناوى» بعنوان (كامننا بانجو شرعى يحميه القانون) وفيه رصد ما أسماه (بظاهرة كامننا) خاصة أن المقال قد كتب عام 1998، أى بعد 7 شهور من عرض الفيلم، حيث جاء مهرجان القاهرة السينمائى، وأفسحت نصف دور العرض السينمائية أبوابها لاستقبال أفلام المهرجان واحتفظ النصف الآخر بعرض الفيلم، وعندما جاء شهر رمضان، أغلقت نصف دور العرض أبوابها فى مواجهة الزحف التليفزيونى، وظل الفيلم وحده فى السينما صامدًا يواجه المسلسلات، وعندما عرضت أفلام الثلاثة الكبار «عادل إمام، ونادية الجندى، وأحمد زكى» لم يستسلم الفيلم وظل يزاحمها فى الإيرادات، ومما سبق يتضح مدى الدعم الذى حظى به «هنيدى» وجيله من بعده، من أجل أن يثبتوا أقدامهم على الساحة، ولذلك انتمى هذا الجيل إلى المجلة، وكان مدينًا لها بكل الفضل، وشاعرًا بأن صفحاتها مساحة آمنة ومنصفة، حتى إنه فى عام 2000، وبعد صدور فيلم (بلية ودماغه العالية) وتعرضه لهجوم شديد، قرر «محمد هنيدى» أن يختص (روزاليوسف) بحوار تحت عنوان (لم أسرق فلوس الناس وأهرب) تعجب فيه من تحميله مسئولية كل صغيرة وكبيرة فى الفيلم، رغم تحقيقه لإيرادات كبيرة.

وعندما ظهر «محمد سعد» بفيلمه (اللمبى) هوجم هجومًا شديدًا، بوصفه فيلمًا مسفًا، بل ذهب البعض إلى إنه يسىء إلى العلاقات المصرية التونسية، نظرًا لوجود ممثلة تونسية تقوم بدور الراقصة فى الفيلم، بل بدأت طلبات الإحاطة تقدم فى مجلس الشعب اعتراضًا على طريقته فى غناء أغنيات السيدة «أم كلثوم» وكالعادة، حلّلت «روزاليوسف» الظاهرة بهدوء، ودون تشنج، بعد أن تجاوزت إيرادات الفيلم 25 مليون جنيه، وفى مقال بعنوان (محمد سعد.. انقلاب على مملكة هنيدى) قال الناقد «طارق الشناوى» أن إقبال الجمهور على الفيلم لا يعود إلى قيمته الفنية، خاصة أن الفيلم متواضع فنيًا، لكنه ليس مسفًا أو خادشًا، وليس مجرمًا عليه أن يثبت براءته، وهكذا استمرت «روزاليوسف» فى دعم جيل «المضحكين الجدد»، وإن كان هذا لم يمنعها من اتخاذ موقف ضدهم عندما تراجعوا.

ولا يعنى ذلك أن «روزاليوسف» قد ساندت الجيل الأحدث، وتخلت عن الكبار، فقد كانت رفيقًا لهم فى كل لحظاتهم السعيدة، والحزينة أيضًا، ومنها على سبيل المثال، ذلك الحوار الذى انفردت «روزا» به من باريس مع الفنان الراحل «أحمد زكى» فقد كان الحوار الأول الذى يتحدث فيه عن تفاصيل مرضه، وأجراه الصحفى الكبير «حسن عبدالفتاح»، وقد كانت ظروف هذا الحوار خير دليل على احترام الفنان الراحل للمجلة العريقة، فقد كان «حسن عبدالفتاح» فى باريس للعلاج أيضًا، وكان «زكى» أيضا يقضى أيامًا صعبة هناك فى مواجهة مرض شرس، لكن كليهما وجد أن المحنة الشخصية مهما كانت صعبة تتضاءل أمام المسئولية المهنية للصحفى، والمسئولية الجماهيرية للفنان، فترك «حسن» سرير المرض، وسعى لمتابعة الحالة الصحية لـ«أحمد زكى» الذى كان لا يرغب أن يفصح عن تفاصيل كثيرة عن مرضه، حتى لا يقلق جمهوره عليه، لكنه وبمجرد أن يأتى «حسن عبدالفتاح» إليه يوميا لمتابعة ما يطرأ على حالته من تحسن حتى يطمئن جمهوره عليه، طلب منه إحضار أوراقه وقلمه، وقال له: «سأجيب على كل أسئلتك لأول ولآخر مرة أتحدث فيها عن مرضى، فلا يمكن أن تكون مهتمًا بأداء واجبك، وأتخاذل أنا عن ذلك، مهما كانت الظروف».

فى مواجهة طيور الظلام

فى أثناء ثورة 25 يناير لم تكن «روزاليوسف» بعيدة عن الميدان، فقد ساندت فنانى الثورة، وفتحت لهم مجالاً واسعًا ليعبروا عن أحلامهم، وعندما اعتلت جماعة الإخوان الإرهابية سدة الحكم، اعتبرت الجماعة ومن والاها أن الفن هو عدوهم الأول، أو الحجر العثرة أمام تحقيق مشروعهم، لا لشىء سوى لعداوتهم الشديدة لكل مظاهر الحياة ولعلمهم بأن الفن هو الوسيلة الأكثر قدرة على فضح مخططاتهم المشبوهة فى السيطرة على العقول، وفرض سطوتهم الفكرية عليها، لذلك لم يكن أمامهم سوى المحاولة على تطويعه من أجل تحجيمه، وفرض سطوتهم عليه، الأمر الذى لم ينطل على مجتمع المثقفين وفى القلب منهم الفنانون الذين تصدوا لتلك المحاولات بشراسة، وعادت «روزاليوسف» إلى كرّتها الأولى فى مواجهة طيور الظلام، بمقالات هاجمت قنواتهم المتجاوزة فى شرف الفنانين، ومساندة لاعتصام المثقفين.

وبعد رحيل الإخوان حرص صناع الفن على تقديم محتوى فنى يتناسب مع روح الثورة التى تهدف لبناء الإنسان وتشكيل وعيه، وذلك من خلال أعمال توضح للجمهور المؤامرات التى كانت تحاك ضد الوطن من خلال سلسلة من الأعمال الوطنية الخالدة كمسلسل (الاختيار) بأجزائه، ومسلسل (هجمة مرتدة)، وأفلام مثل (الممر والخلية)، وحرصت «روزاليوسف» على مساندة تلك الأعمال، والحديث عنها، ومحاورة أبطالها، كما رحبت بوجود جيل جديد من الكتاب والمخرجين جنبًا إلى جنب رواد المهنة وكبارها، ساهم فى ضخ دماء جديدة فى شرايين الصناعة ككل، وتابعت التجارب المسرحية التى أضاءت المسارح المختلفة ولا سيما مسارح الدولة بعروض فنية ساهمت فى عودة الجمهور لارتياد المسرح بعد فترة تعثر، وعودة النجوم الكبار للوقوف على خشبته.

روزا تستعيد شبابها

فى السنوات العشر الأخيرة، حاولت وزملائى فى قسم الفن بالمجلة أن نعيد سيرة أساتذتنا الكبار، وأن نقتفى أثرهم، فدعمنا الشباب بملفات وحوارات تسلط الضوء على موهبتهم مثل ملف (المضحكين الجدد) الذى تحدثنا فيه عن جيل الكوميديانات الشباب، كما خصصنا لكل المواهب الشابة بابًا شهيرًا فى موسم رمضان باسم (وجه مبشر) تطور فيما بعد إلى (الله ينور) وهو الباب الذى يختص بالحديث مع المبدعين خلف الكاميرا، من مصورين ومهندسى ديكور، ومؤلفين وغيرهم.

كما عقدنا (دورى النقاد) الذى شارك فيه كبار النقاد، من أجل التصويت لأفضل المسلسلات التى تعرض فى الموسم الرمضانى.

وبالإضافة إلى ذلك فقد احتفينا بكل التجارب السينمائية المصرية التى شاركت فى المهرجانات العالمية، وقد حاولنا أيضًا الاحتفاء برموزنا الفنية مثلما احتفينا بعيد ميلاد الكينج «محمد منير» بملف حمل عنوان (روزاليوسف فى مملكة الكينج)، كما أحيينا الذكرى العاشرة لرحيل «يوسف شاهين» من خلال الحديث مع زملائه والمقربين من دائرته وتلاميذه، كما انفردنا بجولة داخل محراب «جو» السينمائى بشارع شامبليون، بوسط البلد، كما حاولنا الاقتراب أكثر لشخصية «شاهين» وعالمه المحير، من خلال الاستعانة بالدكتور «شاكر عبدالحميد» أستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون.

عزيزى القارئ، كل ما قرأته فى هذا العدد ما هو إلا نذر يسير من ما خاضته «روزاليوسف» منم معارك على يد أبنائها المخلصين الذين حجزوا لها موضعًا دائمًا فى الصدارة، ولعلك لاحظت هذا الرباط الذى يربط أجيالاً متعاقبة من أبناء المجلة، اجتمعوا على حب الفن والحرية وحب «روزاليوسف».. فهكذا كانوا أساتذتنا وها نحن نسير على الدرب لنبقى على العهد.