روزاليوسف مستمرة للاحتفاء بحفيدات إيزيس الرباعة البرونزية صفاء حسن.. رحلة الفتاة الصعيدية.. من قنا إلى بارالمبياد باريس
هاجر عثمان
«تتويجي بالبرونزية هو لحظة استثنائية فيها تكليل لكل التحديات والطريق الطويل الذى كان ممتلئًا بالأشواك والتنمر وإحباط البعض لي ولأحلامى» تحكي الرباعة المصرية صفاء حسن الحاصلة على الميدالية برونزية بارالمبياد باريس 2024 في حديثها في منافسات وزن 79 لمجلة روزاليوسف عن مشوارها الرياضى وكيف تحدت الإعاقة ووصلت لأول مرة للبطولة العالمية الأشهر على مستوى البطولات الرياضية.
«حسن» لاعبة المنتخب الوطني لرفع الأثقال، البالغة من العمر 38 عامًا، ابنة محافظة قنا، بدأت مشوارها الرياضي قبل 20 عامًا، حصلت فيها على العديد من البطولات منها، بطولة عالم المركز الخامس في جورجيا 2021، وفازت بالميدالية الفضية في بطولة أفريقيا 2022، ووصلت للمركز السابع في بطولة العالم التي أقيمت في «دبى» 2023، ثم تُوجت بالذهبية فى بطولة كأس عالم حسن مصطفى 2023، ثم الميدالية الذهبية فى بطولة كأس عالم فى شرم الشيخ 2024، وبطولة العالم بجورجيا وحصلت على ميدالية برونزية 2024.
أول مرة تُشاركين في دورة الألعاب البارالمبية وتُتوجين بالبرونزية .. ماذا يعنى لك هذا الفوز؟
- هو فوزر بطعم الألماظ وليس الذهب، الحاصل على المركز الثالث دائمًا يفرح أكثر من الثاني والأول، لأنه اقتنص الميدالية من فم متنافسين كُثر خُلفه، «فرحانة جدًا بالميدالية لإن حسيت إن ربنا عوضنى أوى وبكيت جدًا لإنه جبرنى». لحظة استثنائية فيها تكليل لكل التحديات والطريق الطويل الذى كان ممتلئًا بالأشواك والتنمر وإحباط البعض لي ولأحلامى.
هل واجهت تنمرًا فى حياتك ؟
- نعم، لذا هذه الميدالية أهديها لفريقين؛ اهلى وأصدقائى الذين دعمونى نفسيًا ولم يتوقفوا يوما عن تشجيعى في مشوارى مع الرياضة وعلى رأسهم الأخ الفاضل وائل محمد الذى علمني كثيرًا، والفريق الثاني «لكل الناس التى آذتنى وحطمتنى نفسيًا خاصة فى العمل بسبب إعاقتى، فأهدى لهم هذا الفوز وأشكرهم إنهم جعلوني اتمسك بحلمى وأصبر وأحقق هذا الإنجاز».
حدثينا عن كواليس المباراة ؟
- سافرنا كبعثة قبل بدء المباريات بثلاثة أسابيع، كانت حالتي النفسية سيئة للغاية، هذه أول مشاركة فى البارالمبياد، البطولة الأشهر على مستوى العالم، إحساس مختلف تمامًا عن مشاركاتى السابقة فى بطولات إقليمية أو دولية، أواجه جمهورًا مختلفًا ومنافسين شرسين. وقعت في ضغط نفسى كبير، وسيطرت علىَ كل الأفكار السلبية بالخسارة وعدم الرغبة في خوض المنافسة، ولولا الدعم النفسى الذى حصلت عليه من فريق البعثة من الدكتورة رضوى وإسراء، ساعدوني كثيرًا على التغلب على هذه الأفكار السلبية.
كما اتصلت بأمي قبل المباراة بأيام وانهرت باكية من خوفى، ولكنها طمأنتني ودعمتنى، حتى جاء يوم المباراة، كنت شخص ثانى، هادىء جدًا ، متفائل، دخلت الملعب وأطالب الجمهور بالتشجيع، وهو عكس شخصيتى لم افعل ذلك في منافسات سابقة، شعرت أن الملائكة كانت ترفع الحديد معى، كما تجرأت على تجربة رفع وزن 146 وهو رقم لم أتدرب عليه من قبل، ولكن كانت لدى رغبة في المحاولة حتى لو خسرتها.
صفاء.. كفتاة صعيدية من ذوات الهمم.. كيف كانت رحلتك لتحقيق هذا الفوز ؟
- ولدت في القاهرة ولكن كل عائلتى فى قنا، الرحلة لم تكن سهلة، قابلت عقبات كثيرة وأذى نفسيًا لاحدود له، «فى صغرى لم أكن أعرف يعني ايه ذوى همم، كنت بعتقد أن البنت الوحيدة المصابة بهذه الإعاقة، كنت بفتكر أنا بس، كنت بعدهم، بنت نشأت في أسرة صعيدية ولم يكن هناك أحد في نفس ظروفى، كنت الوحيدة في العائلة لدى إعاقة، لذا رفضت هذه الإعاقة وكنت غاضبة وأقول دائمًا اشمعنى أنا؟».
«لم أتقبل إعاقتى إلا بعد حصولى على الثانوية التجارية عندما قابلت طالبة مثلى لديها إعاقة ، وأدركت فيما بعد خاصة مع التحاقى بمركز شباب البساتين وتعرفى على مجموعة من الزميلات من ذوات الهمم، إن إعاقتي نعمة وليس نقمة، وهناك أخرون لديهم إعاقات ولست وحدى».
وكيف كان دور عائلتك هنا؟
- هم مصدر الإلهام والدعم الحقيقى، بدونهم لما وصلت لشىء. ولدت بإعاقتى وكانت صعبة جدًا، ولكنهم لم ييأسوا في الذهاب للأطباء وإجراء عدة عمليات جراحية، لم يتوقفوا عن آى محاولة كانت تُبشر بتخفيف إعاقتى، ونجحت محاولاتهم، فلم استخدم جهاز فى رجلى وتركت العمليات أثر كبير فى شفاء جزء من إعاقتى.
أظن أهم مايميز عائلتي انهم لم يعاملوني كطفلة مختلفة من ذوى الاعاقة، عاملونى مثل أخواتى، لدي واجبات منزلية، اساعد أمي، زرعوا في داخلي أنه ليس هناك شيئًا ينقصني، أبي يقول لى «عيشى وانذاهبى لمدرستك وشوفى دروسك، مفيش مشكلة فى رجلك انتِ عادية».
ومتى بدأت علاقتك بالرياضة واختيارك لرفع الأثقال؟
- عام 2004، كان عمرى 18 عاما، ذهبت لمركز شباب البساتين ولم أكن قاصدة الرياضة، كنت أذهب لتعلم الخياطة ولكن الصدفة جمعتنى بأصدقاء من ذوى الهمم في المركز شجعوني لتجربة ألعاب كثيرة منها تنس الطاولة، ألعاب القوى، حتى استهوتني رياضة رفع الأثقال، «تقدرى تقولي الرياضة صالحتنى على الإعاقة»، وانتظمت فى تدريباتها وكنت الفتاة الوحيدة وقتها التى تمارسها في المركز، ثم انتقلت لنادي الشرطة، حتى توقفت عن اللعب لمدة 7 سنوات، للتركيز على العمل، «كنت أرغب في التركيز في العمل وبناء مستقبلى،مع حبي للرياضة ولكن هى لاتحقق عائد مادي يساعد على المعيشة، كان يجب العثور على فرصة عمل وتحقيق ذاتى مهنيًا».
وكيف كانت العودة؟
- الفضل يعود فيها لتشجيع الكاتبن فتحى نيازى في نادى الشرطة، كان بمثابة الأب الروحي في رياضة رفع الأثقال، هو من أقنعني للعودة من جديد عاما 2014 ، وكان يتوقع لى أن أصبح بطلة، لم اتوقف عن التدريب بعدها واستمريت في نادي الشرطة ثم انتقلت لجمعية المحاربين القدامي عام 2019 ثم شرفت بالانضمام للمنتخب الوطنى لرفع الأثقال البارالمبي عام 2020.
توازى مع هذه الفترة مشاركتي في بطولات محلية وعربية والحصول على ميداليات عديدة، حتى حققت المركز الثاني والفوز بالفضية فى أول بطولة دولية شاركت فيها جورجيا 2021 .
كيف استقبلت عائلتك فى الصعيد خبر فوزك؟
- بالمزمار البلدي الذي زفنى من محطة قطار قنا إلى قريتى «الجبلاو»، فرحتى اكتملت باحتفال عائلتى فى الصعيد، فخورة جدا أن اكون أول بنت صعيدية تشارك في البارلمبياد، وتل أكثر جملة سمعتها منهم « انتى رفعتى راسنا ياصفاء».
كما استقبلنى محافظ قنا للتكريم، الذي استمع لمطالبي مُرحبًا؛ وكان أبرزها أهمية توفير مراكز شباب ورياضة مجهزة بأعلى الإمكانيات في القرى والنجوع لتكون قريبة على الأهالي وخاصة البنات الراغبات لممارسة الرياضة، فالصعيد ملىء بالمواهب، هناك مليون صفاء أخرى لديهن أحلام وينتظرن فرصة لإكتشاف مواهبهن والتألق والنجاح.
إلى أى مدى ممارسة البنت الرياضة في الصعيد ممكنة؟
- لنكن واقعيين ليس سهلا ممارسة البنات في الصعيد للرياضة، لا تقبل كثير من العائلات ذهاب بناتهن لمركز ونوادى للمارسة الرياضة «ومظنش لو اكملت حياتي فى الصعيد كنت هقدر أنجح، فالقاهرة ظروفها صعبة واكتشفت ممارسة ذوى الهمم للرياضة بالمرحلة الثانوية فمابالنا بآخر الصعيد؟!» بلاشك أن هناك أزمة فى الإتاحة من أول الرامبات المخصصة لذوى الإعاقة فى الشوارع وصعود المواصلات - والتى واجهتها قبل امتلاكى لسيارة - وصوًلا لمراكز شباب غير مؤهلة بالقدر الكافِ لصعود المواهب وتأهيلها. ولكن بجانبها أزمة وعى، فبض العائلات ترفض تنقل بناتهن وسفرهن.
هل تعتقدِين أن نجاحك يمهد الطريق لأخريات؟
- أتمنى ذلك جدًا، ومتفائلة كثيرًا بالرسائل التي وصلتنى على السوشيال ميديا من فتيات صعديات من ذوات الهمم، يعبرن عن فرحتهن بفوزي ويسألونى كيف يبدأو ويمارسوا الرياضة، اتمنى أن يكون فوزى مؤثرًا أيضا فى وعى العلائلات وتسمح لبناتهن بممارسة الرياضة وتحقيق أحلامهن.
نصيحة لكل فتاة وشاب من ذوى الهمم؟
- أقول لهم هناك نوعان من الإعاقة؛ إعاقة تتغلب عليها وأخرى تتغلب عليك، صدق فى حلمك ولا تيأس، انت شخص مختلف، لاتجعل الإعاقة تعطل حياتك ومستقبلك.
أخيرًا.. ماذا بعد باراليمبياد باريس؟
- على المستوى الرياضى؛ حلمى الحصول على ذهبية لوس أنجلوس 2028 وأرفع علم مصر ويُعزف نشيدها. وحلمى الشخصي شراء شقة، وسعيدة بتحقيق وعدى لأمى وأبى بسفرهم للحج العام المقبل من خلال قيمة جائزة باريس، بالإضافة لشراء هواتف محمولة لأبناء أشقائى.