أناشد من خلال روزاليوسف البطلة البارالمبية نادية فكرى: حلم حياتى مقابلة الرئيس السيسي
هاجر عثمان
طفلة عمرها عام ونص العام تخطو أولى خطواتها نحو أيامها القادمة، ولكن القدر يجعلها تسقط من على الدرج لتصُاب بشلل تام، بيقين الأمهات المثابرات المؤمنات فى رحمة ربنا، لم تيأس الأم، ظلت تحاول مع طفلتها بجلسات العلاج الطبيعى حتى تركت الإصابة آثارها على رجليها.
تكبر الطفلة ولكن القدر من جديد يصيبها بألم نفسى هذه المرة حيث رحيل الأب السند والدعم لهذه العائلة، ولكن تظل الأم والأخت الكبرى رغم ضيق الحال والإمكانيات يساندان الطفلة، كأن السيدتين كانتا تريان مستقبًلا باهرًا وميلاد بطلة بارلمبية هى الملقبة بصائدة الميداليات بنت مصر التى نفخر بها السيدة نادية فكرى.
«فكرى» امرأة بسيطة مثل كل المصريات، ولكن لا تعرف المستحيل، زوجة وأم لولدين محمد وإياد، حاصلة على ليسانس كلية الآداب وتعمل بإحدى الوزارات الحكومية، يمكن تسميتها بأنها امرأة تتحدى أقدارها رغم صعوبتها وألمها وتصنع الإنجاز، عبرت عن فرحتها بالفوز كأى امرأة تفرح بزغروطة هزت باريس، هى نجمة المنتخب الوطنى لرفع الأثقال البارلمبى، الفائزة بأربع ميداليات بارلمبية سيدنى (برونزية 2000)، أثينا(فضية 2004)، بكين (برونزية 2008)، وتختم بارلمبياد باريس 2024 بحصولها على الميدالية البرونزية فى منافسات وزن 86 كأول امرأة مصرية وعربية تحقق هذا الإنجاز فى عمر الـ50.
خلال السطور القادمة فى حوار خاص لمجلة روزاليوسف مع البطلة «نادية فكرى» نتعرف على قصة نجاحها الملهمة لنساء أخريات.
أهًلا، نادية ألف مبروك.. سأنطلق من زغرودة استلام ميداليتك.. هل تنقلى لنا شعورك فى هذا التوقيت؟
- «كنت حاسة إن طايرة من الفرحة وربنا حقق لى حلم اتمنيته وانتظرته 16 سنة من آخر ميدالية حققتها فى بكين 2008، كنت بحمد ربنا أن حققت هذا الفوز فى عمرى الخمسين، وسط الجمهور العظيم الذى كان يشجعني»، كنت فخورة أن رفعت علم بلدى مصر وأدخلت السعادة على نفوس المصريين والعرب، قرأت التعليقات فيما بعد كانت التهنئة من كل بلاد العالم.
ولكن كيف حققت هذا الإنجاز بعد غياب 16 عاما من الفوز بميدالية بارلمبية؟
- المشوار كان طويلا وصعبا ومليئا بالاختبارات القاسية، بعد عودتى من مشاركة «ريو 2016» بدون ميدالية، عانيت من كسرة رهبية ويأس شديد، وأنقذنى منه زوجى وأبنائى الذين شجعونى وأقنعونى أن أعود لمنصة التتيوج من جديد، وبدأت رحلة التدريب القاسية والمستمرة خلال عشر سنوات بدأت بتخفيض وزنى 30 كيلو، ونزلت لعب فى ميزان 86 بعد أن كان فى رفع الأثقال 110، وهذا تحول كبير وصعب يفهمه الرياضيون
والحمد لله استعدت أرقامى من جديد وحصلت على ذهبية أوروبا المفتوحة، ولكن واجهتنى محنة كبيرة 2018 وهى كادت أن تنهى تاريخى وسمعتى الرياضية ولكن أنقدنى الله منها وأظهر الحق، وهى الاتهام بحصول عدد من اللاعبين آنذاك على منشطات رياضية، وبعد التحاليل والاختبارات للعينات، أثبت براءتى أن بسبب أكل الكبدة المستوردة المحقون بالهرمونات ظهرت عينتى إيجابية.
أتذكر أزمة المنشطات أحدثت ضجة كبيرة آنذاك.؟
- جدا، لأن كان متورط فيها لاعبون من فرق مختلفة سواء الكارتيه، رفع الأثقال، وكرة الطائرة. كانت أزمة كبيرة، لم يكن يشغلنى آنذاك العودة للرياضة من جديد بقدر تبرئة سمعتى الرياضية، اتهام المنشطات طعنة فى شرف ونزاهة اللاعب، وأحمد الله على مدار 50 عامًا من اللعب كنت حريصة على احترام اسمى وتاريخى الرياضى من هذا الاتهام المشين، ورغم أن هذه الأزمة عطلتنى من الانضمام لبارلمبياد طوكيو 2020، إلا أن عوضنى الله سفر زوجى كابتن صلاح عطا لاعب المنتخب الوطنى لكرة الطائرة جلوس.
نفهم الآن.. سبب إهدائك الفوز والميدالية لزوجك..
- نعم لأنه السند والونس والحنية، بحمد ربنا إنه رزقنى بزوج مثله، وبدون دعمه وتسخيره لكل شىء خلال الأربع سنوات الماضية لما وصلت لباريس ولما أحرزت هذا الفوز، أتذكر جيدًا يوم عودته من طوكيو 2020 قائلا «أنا علاقتى بالرياضة انتهت ومتفرغ لك من الآن حتى تصلى باريس»، وأوفى بالوعد، يذهب ويجىء للتمرين، يرعى الأولاد أثناء سفرى للبطولات وانضمامى للمعكسرات، تعَلم الطبخ مخصوص لتوفير طعام صحى منزلى، حقيقى، لو طلبت لبن العصفور كان سيحضره.
حقيقى صلاح أثبت أن وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم، وساعدنى خلال الأربع سنوات الماضية فى المشاركة ببطولات كثيرة وحصلت على ميداليات لا أتذكر عددها؛ أوروبا المفتوحة، فزاع الدولية، البطولة الإفريقية، شرم الشيخ الدولية، جورجيا، وكانت هذه البطولات تؤهلنى لباريس.
هل تحدثينا عن دور المدرب واللجنة البارلمبية فى دعمك ؟
- «محظوظة بوجود كابتن آندريا أتشيبريه المدير الفنى للمنتخب الوطنى لرفع الأثقال البارلمبى، رجل يمتلك من العلم والهدوء والثقة بالنفس الكثير، تعلمت منه جدًا، لعب دورا كبيرا فى المرور من محنة الإصابات التى تعرضت لها قبل باريس بسلام»، تعرضت لإصابة فى ينايرالماضى قبل 7 أشهر من البطولة حيث أصبت بقطع جزئى فى الوتر وتآكل فى عظام الكتف، ولكن استقبل الكابتن الإصابة بهدوء وطمأننى إننا سنصل لباريس، وعلينا التمرين بهدوء حتى آخر شهر قبل البطولة، وبالفعل نجحت فى تجاوز هذه الإصابة.
لتعود الإصابة الثانية من جديد قبل أسبوع من بدء البطولة ونحن فى قلب باريس، حيث تم حقن الكوع عبر منظار طبى، وكل من الكابتن أندريا والدكتور سامح سالم دعمونى نفسيًا وطبيًا خلال هذه الفترة الحرجة جدًا.
يبدو أنك شخصية مقاتلة ومثابرة.. من لعب دورًا فى تكوينك ؟
- جملة «معرفش أعمل حاجة» ليست فى قاموسى، حتى لو مهمة صعبة أو مستحيلة. «بحب أجرب وأحاول مرة واتنين حتى لو متوفقتش فى النهاية ولكن حاولت.» أنا محظوظة بدعم عائلتى وزوجى وأبنائى ومفيش حد بيكون بطل أوينجح لوحده».
«واللى يقولك أنا عملت نفسى بنفسى ومحدش ساعدنى ده شخص جاحد، اللى ابتسم وآمن بنادية وناولنى كوباية مياه ساعدنى، أنا ممتنة لحب كل الناس حولى فى الرياضة وخارجها وهم من عوامل نجاحى، كل العاملين بالمركز الأوليمبى فرحوا جدًا لفوزى وكم حاوطونى بدعواتهم»
لنعود للبدايات.. متى بدأت علاقتك بالرياضة؟
- كنت طفلة فى الـ12 عاما من عمرى، اصطحبتنى الكبيرة أختى إلى كابريتاج حلوان كنوع من الترفيه بعد وفاة أبى، اندهشت عندما شاهدت أطفالًا فى عمرى معاقين ويسبحون فى حمام السباحة، ثم طلب المدرب من أختى الانضمام لهم. لم أتوقع الاستمرار ولكن نجحت يوم بعد الآخر حتى التحقت بالمنتخب الوطنى للسباحة للمعاقين، وشاركت فى أول بطولة لسباحة المعاقين فى إسكندرية وحصلت على ميدالية. عندما وصلت لمرحلة الثانوية العامة، فضلت أمى التوقف عن الرياضة والانتباه للمذاكرة. ولكن الصدفة أعادتنى من جديد عبر برنامج إذاعى.
كيف؟
- استمعت لبرنامج إذاعى يسضيف كابتن فاتن حجازى، وهى إحدى الرائدات فى رياضة رفع الأثقال لذوى الإعاقة، فُتنت بهذه السيدة وقصة نجاحها وهذه اللعبة، وبحثت عنها واستقبلتنى استقبالًا رائعًا وعرفتنى بمدربها، الذى شجعنى أيضًا، وقال لى فى أول لقاء «أنتى عندك مقومات بطلة»، وأكملت معه التدريب، ثم شاركت فى عدة بطولات محلية حتى التحقت بالمنتخب الوطنى لرفع الأثقال عام 1997. وأتذكر جيدًا أول بطولة دولية شاركت فيها وهى «أوروبا المفتوحة التى نظمتها «سلوفاكيا» وحصلت على الميدالية الفضية، ثم توالت البطولات المحلية والعربية والدولية والحمد لله أحصل على أكثر من 100 ميدالية حتى الآن.
وماذا عن دعم عائلتك؟
- بداية مشوارى مع السباحة أمى واختى الكبرى لم يبخلا علىّ إطلاقا بالذهاب يوميا للتمرين من السيدة زينب لحلوان، ولكن عندما لعبت «رفع الأثقال»، اعترضت أمى على هذه الرياضة الخشنة، كانت تتصور أنها رياضة رجالية وستنمو لى عضلات كلاعبى كمال لأجسام، فضًلا على خوفها على مستقبلى فى الثانوية العامة، ولكن مع أول سفر لبطولة دولية، كانت فخورة وسعيدة للغاية حتى وفاتها كانت دائمًا تشجعنى.
أى قصة نجاح تواجه تحديات.. هل تحدثينا عنها ؟
- لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، أبى مات فى عمر صغيرة، وتركنا فى رعاية أمى ومعاشه البسيط، أختى الكبرى كانت تنفق على مصاريف دراستى، ولم أرغب فى تحميلها المزيد من التزامات تمريناتى الرياضية، فنزلت لسوق العمل أثناء دراستى للثانوية العامة، وإكمال دراستى الجامعية. فلم تحقق الرياضة فى الماضى عائدًا ماديًا، وكان اللاعب الرياضى ينفق عليها ماديًا.
وأعتقد إلى الآن وخاصة فى الألعاب الفردية.. هل نلت دعما كافيا لتجهيزك للبارلمبياد؟
- لن أنكر دور الدولة فى توفير الدعم على قدر استطاعتها، وفرت لى معكسر وسفر لبطولات وتمرين ووجبات فى المركز الأوليمبى وعلاج طبيعى كان يوفره لنا الدكتور سامح سالم رئيس اللجنة الطبية البارالمبية، فى مركزه الطبى بدون أى مقابل، لكن أنت كلاعب لو ترغب بمساعدة نفسك أكثر بوجبات غذائية أفضل ومكملات غذائية، كنت أشتريها على نفقتى الخاصة. لو كان لدينا رعاة سيكون الأمر أفضل بالتأكيد.
هل كان لك رعاة sponsors ؟
- «أنا راعينى ربنا»، معظم الشركات الراعية تذهب للرياضيين الأسوياء أما نحن ذوى الإعاقة نادرًا ما يكون لنا رعاة، نعانى من هذا التمييز، رغم أن كلنا أبطال أولمبياد وبارلمبياد، ولكن أزمتنا أننا العاب فردية وذوى إعاقة، فالاهتام يكون فقط وقت وقوع الحدث، قبل السفر لباريس صورنا إعلان وحيد مع إحدى الشركات الدعائية، وهذا أعطانا شعورا رائعا بالتقدير والاحترام لنا كأبطال رياضيين.
ماذا بعد إنجاز باريس.. هل تستعدى للسفر لأمريكا أم التدريب؟
- تضحك «بارلمبياد أمريكا 2028.. ربنا يدينا الصحة». بالمناسبة لعبة رفع الأثقال ليس لها سن محدد للاعتزال، والدليل الحمد لله استطعت إحراز البرونزية فى الـ50 من عمرى كأول سيدة مصرية وعربية ودولية، ولكن بصراحة أنا مازالت أقف عند لحظة فرحة باريس، وأرغب فى الاستمتاع بهذا الفوز الغالى مع الأهل والأصدقاء، وبعدها أخطط مع زوجى «للى جاي». أما لو اتجهت لمجال التدريب سيكون خارج مصر بكل صراحة.
لماذا؟
- لأن المجال الرياضى هنا وفيما يخص لعببة رفع الثقال صعب جدا، لو بدأت تدريب» عايزة أشتغل براحتى وتكون كل الإمكانيات متاحة»، اعلم جيدًا معاناة المدربين معنا كالاعبين/ات، فلن أضع نفسى مكان معاناتهم، الآن أنا مسؤولة عن نفسى ولكن كمدربة سأكون مسؤولة عن لاعبين ومستقبلهم، لو هدرب هيكون فى بلد خارج مصر توفر لك كمدرب كل العوامل التى تساعدك على النجاح وتذلل لك العراقيل، لكن فى مصر «دماغى لن تكن منشغلة بالتدريب فقط ولكن بحل المشكلات الأخرى!».
هل تقترحين لنا روشتة لعلاج هذه المشكلات بعد مشوارك الطويل فى اللعبة؟
- الروشتة تبدأ بالتغذية السليمة للاعب، وأن يشعر بأن مكان تدريبه كالبيت، نتغلب على روتينة حجز صالة المركز الأوليمبى، فهى ملك لكل اللاعبين، مرورا بالrecovery الاستشفاء الرياضى على كل المستويات علاج طبيعى، أجهزة تدريب، دعم نفسى وطبى، ثلج، ساونا، جاكوزى، وصولا لفريق معاون للمدرب يكون مسئولًا معه فى كل الخطوات.
تابع المصريون صورتك مع وزير الرياضة أثناء استقبالك فى المطار بحزن.. ما هو شعورك؟
- «زعلانة طبعًا. شعرت بعدم تقدير من انشغال الوزير بالحديث فى هاتفه أثناء استقبالنا كأبطال مصر، ربما معذور أو اللحظة خانته، لكن هعمل إيه» تجاوزتها، موقفتش عندها عشان متقهرش، لو الوزير مش فرحنا بيا، أنا فرحانة بنفسى، ومش هخلى الوزير يكسر فرحتى !».
أخيرًا.. ما هو حلمك القادم؟
- حلم حياتى مقابلة الرئيس السيسى، سيكون تتويجا وتكريما آخر لمسيرتى الرياضية، حصلت على 3 ميداليات بارليمبية من قبل ولم نلتق بالرئيس مبارك نهائيًا، فى كل مرة يقع حادث أو مشكلة ويتم إلغاء مقابلتنا/ رغم أنه كان يقابل الأبطال الأسوياء دائمًا ومنتخب كرة القدم !.