الإثنين 16 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قانون الإجراءات الجنائية الملـــــف الأكثـــر حساسيـــــة فى منظومة حقوق الإنسان!

قانون الإجراءات الجنائية الملـــــف الأكثـــر حساسيـــــة فى منظومة حقوق الإنسان!

أبسط تعريف لقانون الإجراءات الجنائية المصرى أنه (القانون الذى يجمع القواعد الشكلية التى تحدد الطرق المختلفة والوسائل المتعددة التى يمكن من خلالها ملاحقة مرتكبى الجرائم والتحقيق معهم، ومحاكمتهم، وإصدار الحكم عليهم، وتنفيذه بهدف إعلان الحقيقة تجاه الدعوى الجنائية من خلال حق الدولة وسلطتها فى تنفيذ القانون).



وبناء على التعريف السابق، فإن القانون هنا يستهدف حماية الحرية الشخصية للمواطن المصرى من خلال تحديد السلطة التى لها حق تجريم الأفعال، وتحديد قواعد سير الدعوى الجنائية منذ لحظة وقوع الجريمة إلى حين صدور حكم نهائى فيها وتنفيذه. والجهة القضائية المنوط بها مباشرة التحقيق الابتدائى وجمع الأدلة والتحقيق ورفع الدعوى هى النيابة العامة، بالتزامن مع حق المجنى عليه فى رفع الدعوى الجنائية على المتهم. 

يتضح مما سبق، أن «قانون الإجراءات الجنائية» هو القانون الإجرائى لتفعيل قانون العقوبات. ولذا نجده يعتمد مبدأ أن الجريمة ليست تجاوزًا وتعديًا على المجنى عليه فقط، ولكنها على المجتمع كله حفاظًا على انضباط السياق العام القانونى للمجتمع. وهو ما يجعل أعضاء الهيئات القضائية بمثابة ممثلى المجتمع فى إصدار الأحكام طبقًا للقواعد والنصوص القانونية، وإلزام الدولة بتطبيقه بغض النظر عن رغبة الخصوم تطبيقه أم لا.. لأن وقوع الجريمة.. يستوجب التحقيق والمحاكمة. 

>>>

>تاريخ القانون ودلالاته..

بداية «قانون الإجراءات الجنائية» فى مصر، كان مع إصدار «قانون التحقيقات الجنائية» سنة 1875م، وتم تطبيقه على المحاكم المختلطة حيث إن مرجعه الأساسى هو القانون الفرنسى الصادر سنة 1810م. وفى سنة 1883م، صدر «قانون تحقيق الجنايات الأهلى» ليتم تطبيقه على المحاكم الأهلية، وتعديله الذى تم سنة 1904م. ثم صدر «قانون جنايات» جديد سنة 1949م عقب سنوات من إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 1937. وأخيرًا صدر «قانون الإجراءات الجنائية» رقم 150 لسنة 1950م والمعمول به إلى الآن بعد أن تم على نصوصه العديد من التعديلات.. مثل تعديل القانون رقم 145 لسنة 2006.

>>>

>أهمية القانون..

يعد «قانون الإجراءات الجنائية» من الملفات الحقوقية الأكثر حساسية فى التعامل معه لأنه القانون الأكثر تماسًا مع الحياة اليومية للمواطن المصرى، وما يرتبط به من الالتزام بحفظ كرامته وأمنه وأمانه.. مما يتطلب النزاهة والشفافية فى تطبيقه لما يترتب عليه من شيوع مناخ الاستقرار والإصلاح السياسى بما يصب فى رصيد منظومة حقوق الإنسان. فضلًا عن أنه تعبير عن العدالة الناجزة بنفاذ القانون وقوة تطبيقه.

«قانون الإجراءات الجنائية» هو المنوط به تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتوازن بين حقوق المتقاضين عبر كافة إجراءات التقاضى وتأمينهم، وسرعة تنفيذ أحكام التعويضات بأشكالها المادية والأدبية.

يتضح مما سبق، أن «قانون الإجراءات الجنائية» هو الإجراءات التى تتخذها السلطات العامة بشأن الجريمة الجنائية التى تم ارتكابها بتحديد الشخص المسئول عن ارتكابها، وتقديمه للمحاكمة الجنائية، وإصدار الحكم، والتدبير الاحترازى عليه.

تنقسم الإجراءات الجنائية إلى عدة مراحل متتالية، هى: مرحلة الاستدلال، ومرحلة التحقيق الجنائى، ومرحلة المحاكمة والطعن على الأحكام، ومرحلة التنفيذ العقابى. مع مراعاة أن هناك العديد من المبادئ والقواعد التى تحكم كافة تلك المراحل المذكورة.

>>>

>مشروع القانون..

أثار مؤخرًا مشروع «قانون الإجراءات الجنائية» الجديد المعروض على لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب والمتفق عليه من جميع ممثلى الجهات والوزارات الممثلين جدلًا على صياغة بعض نصوصه، وهو ما ظهر فى اعتراض نقابة المحامين على بعض مواده، وتضامن نقابة الصحفيين معها. 

من أبرز ما جاء بمواد القانون المقترحة.. تخفيض مدد الحبس الاحتياطى لتصبح فى الجنح 4 أشهر فقط بدلًا من 6 شهور، وفى الجنايات 12 شهرًا فقط بدلًا من 18 شهرًا و18 شهرًا بدلًا من سنتين.. إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام. كما تم تحديد حد أقصى للحبس الاحتياطى من محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض فى الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد ليصبح سنتين بحد أقصى بدلًا من عدم التقيد بمدد.

يعتبر «قانون الإجراءات الجنائية» واحدا من أهم القوانين التى تسهم فى تعزيز منظومة حقوق الإنسان. والآن بعد مرور 74 سنة على إصداره.. أصبحنا فى حاجة شديدة لإعادة النظر فى القانون الحالى الذى يتضمن الكثير من التحديات والإشكاليات التى لا تتناسب مع تطور الحياة السياسة المصرية. وهو ما يستدعى تشريع قانون جديد.. يستهدف تحقيق العدالة الناجزة دون أى إخلال بضمانات للمحكوم عليه، وإقرار أفضل الضمانات للمتقاضين نظرا لخطورة الجنايات وأثرها على المتهم وعائلته. وهو ما يعد خطوة معتبرة فى تأكيد ضمانات حقوق الإنسان، دون الإخلال بقواعد المحاكمة المنصفة وحقوق الدفاع.

>>>

>أهداف القانون ودوره..

يستهدف «قانون الإجراءات الجنائية» هدفين. الهدف الأول هو تحقيق العدالة من خلال حماية المجتمع من مخاطر الإجرام سواء بالبحث عن مرتكبى الجرائم وتحديدهم، أو بتوقيع الجزاء الجنائى عليهم. وهو ما يتسق مع هدف قانون العقوبات. أما الهدف الثانى فهو حماية البريء من إدانته ووقوع الظلم عليه، وحماية المجرم من أى إجراءات.. تمتهن كرامته أو توقيع عقوبة عليه مبالغ فيها بقدر أكبر مما يستحق.

ومن المهم، بيان دور «قانون الإجراءات الجنائية» فى النظام القانونى العام. والذى يتحدد فى احتكار الدولة لسلطتى القضاء والأحكام (العقوبات)، وتفعيل نصوص قانون العقوبات وقواعده.. 

يمس «قانون الإجراءات الجنائية» بشكل أساسى حرية المواطنين المصريين فى الدولة لكون مخالفته.. يمكن أن تؤدى إلى سلب هذه الحرية وتقييدها. ولذا تتضمن مواده.. قواعد قانونية على السلطات العامة المختصة سواء وزارة الداخلية أو النيابة العامة.. تنفيذها واتباعها عند التحقيق فى الجرائم التى تم ارتكابها.. لتحديد المسئول عنها وتقديمه إلى المحاكمة الجنائية. وهنا يكون هذا القانون.. الضمان الأساسى لأى مواطن.. اتهمته السلطات المختصة بارتكاب جريمة ما، مهما كان حجم الفعل الذى قام به.

>>>

>أمنيات قانونية..

بدون شك، فإن «قانون الإجراءات الجنائية» هو واحد من أهم القوانين لكونه ينظم علاقة حق التقاضى أمام المحاكم كأساس تحقيق العدالة. والطبيعى أن يكون هناك تعديل وتطوير للقانون لأهميته الشديدة لكونه يتواكب مع المتغيرات فيما يخص إثبات الجرائم الجنائية، وأسلوب التحقيق فى النيابة والمحكمة وبعد صدور الأحكام. 

1 – صياغة مواد القانون بشكل واضح وبسيط ومحدد دون أى غموض من شأنه الاختلاف بين التفسيرات أو الالتباس فى التطبيق العملى له، وما يمكن أن يترتب عليه من تضارب بين الجهات المختصة وذات الصلة.. يؤدى إلى عدم الاستقرار القانونى.. خاصة فيما يمس قضايا الجرائم الخطيرة وقضايا الإرهاب حتى لا يساء استخدامه بشكل يتعارض مع مواثيق حقوق الإنسان. 

2 - إن الحبس الاحتياطى هو وسيلة قانونية مهمة لضمان سير العدالة، وما يجب معالجته سريعًا هو مجابهة ما يحمله فى طياته من مخاطر بسبب الانحراف عن استخدامه بشكل صحيح.. من خلال تحديد مدة الحبس، وإجراء مراجعات قضائية دورية، واستخدام بدائل للحبس، وتوفير محاكمات عادلة وسريعة.. ضمانًا لتحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين من الحبس ظلمًا والتعرض للاحتجاز وتقييد الحرية الشخصية وتشويه السمعة بما يمكن أن يؤديه ذلك من نبذ مجتمعى. وعدم التوسع والإفراط فى الجرائم التى ينطبق عليها الحبس الاحتياطى.

3 – التأكيد على مراعاة كافة الحقوق والضمانات الدستورية بالحق فى محاكمة عادلة وسريعة. وذلك على غرار حقوق المحقق معه فى دقة وصحة الإجراءات، وعلى أن يكون هناك نص واضح على إبطال القضية فى وجود أى خطأ فى الإجراءات حرصًا على عدم انتهاك حقوق المواطن المحقق معه. والحفاظ على حق المواطن المحقق معه وعدم تقييد دفاعه فى تقديم كل طلباته ودفوعه بلا قيود مثل حق رفض وكيل النيابة لذلك لضمان حصوله على محاكمة عادلة. وسرعة الفصل فى القضايا، وعدم إطالة وقت التقاضى. والحرص على عدم انتهاك خصوصية المحقق معهم والمتهمين مع استخدام التكنولوجيا فى جلسات المحاكمة عن بعد.

4 – الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق.. فالإجراءات القانونية السابقة.. كانت تمنح للنيابة العامة السلطتين.. مما يمكن أن يؤدى إلى التضييق على حقوق المتهمين، وزيادة فترة احتجازهم قبل المحاكمة. وهو ما يمكن أن يتم من خلال وجود قاضى التحقيقات المستقل. والحرص على حق الدفاع (المحامى) فى الاطلاع على التحقيقات قبل المواجهة بوقت مناسب، وحقه فى الحصول على نسخة منها للاطلاع على التحقيق والاتهامات والأدلة، ومراعاة عدم زيادة تكاليف الرسوم والغرامات والطلبات وإجراءات التقاضى.

>>>

>نقطة ومن أول السطر..

«قانون الإجراءات الجنائية» هو الوسيلة القانونية للتوازن بين بين كافة مقتضيات الإجراءات الجنائية التى يتم اتخاذها، وبين احترام مبادئ حقوق الإنسان وقواعده التى تحفظ الكرامة الإنسانية وخصوصية الحياة الخاصة وحقوق الدفاع فى الإجراءات الجنائية. 

دون «قانون الإجراءات الجنائية».. تبقى قواعد قانون العقوبات مجرد قواعد نظرية لا سبيل لتطبيقها.>