السبت 25 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. متاهة شعب الله المحتار..  الشعب الفلسطينى فى مواجهة الأوهام الإسرائيلية!

مصر أولا.. متاهة شعب الله المحتار.. الشعب الفلسطينى فى مواجهة الأوهام الإسرائيلية!

فى تقديرى، أن قضية منع البابا شنودة الثالث للمواطنين المسيحيين المصريين من زيارة القدس، وكتاباته المتميزة فى تفنيد المزاعم الصهيونية حول كونهم شعب الله المختار أم غير ذلك.. هى من أهم العلامات البارزة لمواقفه الوطنية فى تاريخ هذا الوطن. وهى قضية له إسهام بارز فيها منذ ستينيات القرن العشرين.. حينما كان الأنبا شنودة أسقفًا للتعليم خلال الفترة من 30 سبتمبر سنة 1962 وإلى تنصيبه بطريركًا فى 14 نوفمبر سنة 1971. ورغم تحفظ البعض من المواطنين المسيحيين المصريين على هذا المنع، ومحاولة إثبات نقيضه فى وقت من الأوقات؛ فأعتقد إن قراره ـ فى حقيقة الأمر - لا يخلو من رؤية مستقبلية للوطنية ومعناها.. للتأكيد على أن المواطنين المسيحيين المصريين جزء متفاعل مع هموم هذا الوطن من داخله، وليس من خارجه فى أى وكل الأحوال. 



 بابا العرب..

قرأت مؤخرًا الكتاب القيم «إسرائيل والمسلمون والمسيحيون» للبابا الوطنى الراحل شنودة الثالث، الذى صدر عن المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى فى طبعتين من تقديم الأنبا إرميا «رئيس المركز». ضم الكتاب محاضرتين وكلمتين للراحل البابا شنودة الثالث. وقد آثرت اختيار بعض الجمل المعبرة جدًا عن علاقة الكنيسة المصرية بشكل خاص، والعقيدة المسيحية بشكل عام بإسرائيل وبالقدس والقضية الفلسطينية.

 

وذلك دون الإخلال بتتابع الأفكار الحاكمة لهم من جانب، ودقة اختيار الكلمات فى سياقها حتى لا تخل بالمعنى أو تحمله بعكس هدفه من جانب آخر.

 إسرائيل فى الفكر المسيحى..

1 – محاضرة «إسرائيل فى نظر المسيحية»، والتى ألقاها الأنبا شنودة (أسقف التعليم حينذاك) فى 26 يونيو 1966 بمقر نقابة الصحفيين. والتى قال فيها بعض العبارات القوية للمرة الأولى للرأى العام على غرار: - فى المسيحية.. شعب الله المختار.. هو جميع المؤمنين به.

- ليس لله شعب معين. 

2 – محاضرة «المسيحية وإسرائيل»، والتى ألقاها البابا شنودة الثالث فى 5 ديسمبر 1971 بنقابة الصحفيين. والتى حدد كلماته فى جمل مباشرة على غرار:

- أرض مصر.. أرض مقدسة.. ورد اسمها كثيرًا فى الكتاب المقدس.

- شبه جزيرة سيناء.. ليست من أرض الموعد. وكل دارس للكتاب المقدس.. يفهم أنها كانت أرض المتاهة أو أرض العقوبة أو أرض الإفناء.. التى تاهوا فيها لمدة 40 سنة.

-  أرض سيناء بالنسبة لليهود.. هى أرض تحمل الكثير من الذكريات المريرة والمخجلة والمؤلمة.

- أرض سيناء.. هى أرض شهدت عقوبة من الله لهم.

- الله ليست عنده محاباة.. المسألة ليست مسألة عنصرية.. انحيازًا لشعب معين.. الله هو إله الكل.. إله لجميع الشعوب على الأرض.

- لا يستطيع اليهود إطلاقًا.. أن يطلبوا تبرئتهم من دم المسيح.. لأنهم لا يعتقدون أن المسيح قد جاء، فكيف يطلبون تبرئتهم من دم شخص لا يؤمنون بمجيئه؟

- اليهود ينتظرون حاليًا مسيحًا جديدًا.. لكى يكون قائدًا حربيًا من نوع شمشون الجبار.

 

معًا.. من أجل مدينة السلام..

3 – كلمة البابا شنودة الثالث فى الندوة الدولية «القدس مدينة السلام»، والتى ألقاها بجامعة الدول العربية فى 13 مارس 1995 بالقاهرة. وفيها حدد بعض المفاهيم على غرار:

- القدس لها مكانة كبيرة فى قلب كل مسيحى. عاش فيها السيد المسيح، وأيضًا تأسست فيها أول كنيسة مسيحية فى العالم، وبدأت فيها المسيحية بواسطة تلاميذ المسيح.

- اليهود جاءوا إليها ليس بوعد من الله.. إنما بوعد من بلفور.

- الحق.. لا يضيع بالتقادم، ولا يفرض بالأمر الواقع. 

4 – كلمة البابا شنودة الثالث فى الجلسة الافتتاحية لندوة «مسلمون ومسيحيون معًا من أجل القدس»، والتى نظمها مجلس كنائس الشرق الأوسط فى 14 و15 يونيو 1996 ببيروت. وفيها وضع النقاط على الحروف لحسم بعض المواقف من بعض القضايا على غرار:

- القدس بالنسبة للمسيحيين.. هى أم الكنائس جميعًا.

- أول كنيسة فى العالم.. أنشئت هى كنيسة أورشليم.

- القدس تدعى المدينة المقدسة، وفيها الكثير من آثار المسيحية والإسلام واليهودية. وفيها ولد المسيح، وفيها المكان الذى دفن فيه، وقام.. حيث قبره موجود هناك. 

- لا يمكن الكلام عن السلام.. بدون القدس.

وتطرق البابا شنودة الثالث فى كلمته لبعض المفاهيم التى أسىء فهمها، مثل:

- السلام: التى تستخدم كثيرًا بأسلوب عجيب، لا يدل أبدًا على معناها.. يعتدى على المسجد الإبراهيمى ويقتل الكثير من الناس، ثم يتكلمون عن السلام. يشرد كثير من الفلسطينيين.. خارج أرضهم وبلادهم، وتصادر أراض كثيرة، ثم يتحدثون عن السلام.. وكأنه لطرف واحد، وليس لجميع الأطراف.

- التطبيع: أى أن تجعل الشيء طبيعيًا.. فكيف يكون هناك تطبيع مع احتلال البلاد؟ إذا أردنا التطبيع حقيقة.. نرجع الأمور إلى طبيعتها، ونرجع الأرض لأصحابها. نرجع جنوب لبنان.. للبنانيين، ونرجع الجولان.. للسوريين، ونرجع الأراضى الفلسطينية.. للفلسطينيين. 

- الأمن الإسرائيلى: أمن إسرائيل الحقيقى فى أن تعيش فى أمن مع جيرانها.. تعيش فى محبة ومودة، وفى سلام حقيقى مع جيرانها. ولا يمكن أن نعتبر الأمن الحقيقى هو القتل واغتصاب الأراضى.

- المقاومة: هل المقاومة هى فعل يحتاج إلى مقاومة أم رد فعل لأفعال أخرى؟ أعط لبنان.. أرضه فى الجنوب، فلا يبقى للمقاومة عمل وينتهى الأمر.

- لا للاحتلال.. لا للتهويد.. لا للتدويل..

 تديين القضية الفلسطينية..

ما زلت أصمم على أننا وقعنا فى خطأ سياسى ووطنى.. فى تجاهل المسيحية العربية بالترويج للقدس كقضية أرض ومقدسات إسلامية فقط دون الإشارة إلى المقدسات المسيحية فى القدس.. رغم أن واقع الأمر، يؤكد أن المقدسات المسيحية تفوق من حيث العدد المقدسات الإسلامية، كما أن القدس تضم ميلاد السيد المسيح وحياته بالكامل. تجلى ما سبق، حسبما كتبت قبل ذلك كثيرًا فى هدف التوجه نحو الترويج لتديين قضية القدس بشكل خاص، وأسلمة القضية الفلسطينية بوجه عام.. فى إهمال متعمد للمقدسات المسيحية هناك. 

حصروا القضية برمتها فى المربع الطائفى والدينى، الذى هو فى النهاية مربع ضيق، بالمقارنة بما لو كان قد تم تصديرها باعتبارها قضية وطنية إنسانية ذات مقدسات دينية يهودية ومسيحية وإسلامية. وهو ما كان من شأنه أن يجعل القضية الفلسطينية قضية إنسانية عالمية لشعب يُباد ويُقهر ويدفع حياته ثمنًا لأخطاء قادته وتواطؤ العالم ضده. وانتهى الأمر كأنها مواجهة سياسية تستند إلى مرجعية دينية سواء لحركة المقاومة الإسلامية باعتبارها نموذجًا للإسلام السياسى من جانب، وفى مواجهة أصولية سياسية يهودية تستند إلى نصوص توراتية من جانب آخر. وأصبح المشهد الآن حسبما يريد البعض أن يكون.. كأنها مواجهة بين أصوليتين إحداهما إسلامية والأخرى يهودية أو صهيونية.

كان الأفضل هو الترويج لقضية القدس باعتبارها قضية وطنية إنسانية ذات مقدسات مسيحية وإسلامية لأتباع الأديان على مستوى العالم.. بعيدًا عن الشعارات الجوفاء، التى تغازل غوغائية الشارع وفوضويته وعشوائيته، على غرار: تحرير بيت المقدس، وعلى القدس رايحين بالملايين، واه أقصاه.

أهمية المقدسات لا تتجزأ، سواء كانت مسيحية أو إسلامية، بعيدًا عن محاولات الإقصاء والتصنيف. وكان علينا ألا نتقوقع فى خندق معين، فإن كل «مسيحى أو مسلم» عربى يحمل فى خلفيته جزءًا من الحضارة الإنسانية العالمية، والعكس صحيح.

كنا نحتاج منذ سنوات طويلة إلى فك الاشتباك والالتباس فى تناول القضية الفلسطينية بشكل دينى ضيق الأفق إلى الشكل الإنسانى واسع الأفق. وهو ما كان سيكون له أثرًا عالميًا فى الموقف الأوروبى والأمريكى منها منذ سنوات طويلة.

 نقطة ومن أول السطر..

القضية الفلسطينية وفى قلبها القدس.. قضية وطنية إنسانية، وليست قضية دينية.

إنها عدالة القضية الفلسطينية، أو بمعنى أدق قضية الشعب الفلسطينى.