الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ): المرأة.. فى القصص القرآنى! "81"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

 

للمرأة  دور مهم ومؤثر فى حياة الرجل، فهى الأم والأخت والزوجة والابنة، ومع تكريم الله للمرأة إلا أنها فى المجتمع الذكورى تعتبر درجة أقل فى المستوى من الرجل، بسبب العادات والأعراف، وانخفاض مستوى الوعى الدينى لدى الكثيرين.

 

فى قصص السابقين عبرة، توضح تدرج الإنسان فى الرقى والحضارة، وفى القصص القرآنى تنوع واقعى أفضل من الروايات التاريخية، ولذلك توجد فجوة بين الروايات التاريخية وأحداث التاريخ الحقيقية.

بين الماضى والمستقبل

القصص القرآنى منه قصص عن ماضى السابقين، وقصص لبعض ما كان يحدث وقت نزول القرآن، وقصص مستقبلى أنبأ بحدوثه ثم تحقق فيما بعد.

منه ما تحقق حدوثه فى حياة النبى محمد عليه الصلاة والسلام، مثل انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم: (غُلِبَتْ الرُّومُ. فِى أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الروم 2-6.

وهزيمة الأحزاب التى جاءت الإشارة عنها فى سورة مكية: (جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَابِ) ص 11، ثم تحققت هزيمة الأحزاب ونزلت سورة الأحزاب.

ومنه ما تحقق حدوثه بعد انتهاء نزول القرآن، مثل ما نزل فى التعبير عن الذين مردوا على النفاق: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) التوبة 101، ويدخل فى التاريخ المستقبلى ما جاء عن علامات الساعة وأحداثها واليوم الآخر وأحداثه.

 آدم وزوجته

لقد كانت المرأة عنصرًا فاعلًا فى القصص القرآنى الذى صور دورها بمثل ما فعلته فى دنيا الواقع، أما الرجل فقد استراح إلى الفكرة القائلة بأن حواء هى التى عصت أوامر الله وأكلت من الشجرة المحرمة، فكانت السبب فى الطرد من الجنة، وأننا بسبب خطئها لا نزال نعانى على الأرض.

مع أن آدم وزوجته معًا تلقيا الأوامر والنواهى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ) الأعراف 19، فقد شاركت حواء فى تلقى الأوامر بالتساوى مع آدم، وتقاسمت معه التجربة إذ وسوس لهما الشيطان معا وأغراهما، بصيغة المثنى لتشمل آدم وحواء معًا، فى الانخداع بالشيطان والعصيان بالأكل من الشجرة المحرمة.

قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ) الأعراف 20-21.

جاء التعبير بالمثنى (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ)، أى أنه وسوس لهما ليبدى لهما، وضمائر المثنى (عَنْهُمَا) (سَوْآتِهِمَا) (نَهَاكُمَا) (رَبُّكُمَا) (مَلَكَيْنِ) (قَاسَمَهُمَا) (لَكُمَا)، وكانت النتيجة أنهما معا أكلا سويًا من الشجرة: (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) الأعراف 22، هما معًا ذاقا الشجرة، وبدت لهما سوءاتهما، وناداهما ربهما يذكرهما بأنه نهاهما وحذرهما معًا من الشيطان.

لذلك أعلنا معًا توبتهما: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) 23، والهبوط للأرض ارتبط بعداوة بين بنى آدم، بدأت مع قتل ابن آدم لشقيقه: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) الأعراف 24.

ووعظهم تعالى: (يَا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأعراف 26-27. 

 

وبعد أن هبط آدم وحواء إلى الأرض وحدث أول حمل وولادة، شعر الزوجان بالخوف والرجاء نحو أول مولود فى الأرض، وتقاسما أول وقوع فى الشرك: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا) الأعراف 189-190.

 

قصص الأنبياء

 

تناول القصص القرآنى نوعيات مختلفة للمرأة فى سيرة الأنبياء، فى قصة النبى إبراهيم بشرت الملائكة زوجته بابنها إسحق وحفيدها يعقوب: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ. قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود 69-73.

 

ثم مرت الملائكة بالنبى لوط، وتآمر زوجته عليه مع قومها المرضى بالشذوذ وأخبرتهم بوجود ضيوف عند زوجها: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) هود 77، وكانت نهايتها مع قوم لوط فى الهلاك: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) هود81.

 

وفى قصة النبى يوسف ملامح الواقعية الإنسانية، فامرأة العزيز تربى طفلًا، يكبر ليصبح شابًا وسيمًا، فتقع فى حبه، والقصة أوردها تعالى فى سورة واحدة تبدأ بقوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ)، وقال فى نهايتها: (لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى).

 

وفى السورة امرأة العزيز هى بطلة الأحداث وليس زوجها، وأيضًا النساء المترفات فى المدينة وليس أزواجهن، وذلك من محاولة الإغراء، إلى استعراض جمال النبى يوسف أمام النسوة المترفات فى القصر، إلى أن ينتهى دور امرأة العزيز بالاعتراف بالحقيقة والتوبة، ثم تنتهى القصة باستقبال النبى يوسف لأبيه وأمه.

 

والقصة لها أبعاد إنسانية وواقعية أشخاصها موجودة فى الحياة، جاء فيها دور المرأة مناسبا لإسهامها فى القصة الحقيقية، ولم يأت الحديث عن النبى يوسف ورسالته إلا فى إشارات قليلة: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف 39-40.

 

وفى قصة النبى موسى كان للمرأة أدوار مختلفة، من قلق أم موسى على ابنها، ثم الوحى الإلهى لها لتلقيه فى اليم، ثم أخته تتابعه، وامرأة فرعون تستقبله، ثم المرضعات يحاولن إرضاعه وهو لا يستجيب، ثم أخته تعرض عليهم مرضعة للوليد، ثم رجوع الابن إلى أمه، فى هذه القصة لا نرى دورًا للأب، فالأم هى التى تصنع الصندوق لتضع فيه وليدها، وهى التى تطلب من ابنتها متابعة الصندوق فى النيل، حتى إذا وصل إلى قصر فرعون تأخذه امرأة فرعون.

 

ثم تبدأ مرحلة جديدة، وقد أصبح موسى رجلًا، وفى هذه المرحلة يرى فتاتين رآهما عند ماء مدين، وتزوج إحداهما ورجع بها على مصر، وفى الطريق جاءه الوحى، وبعد ذلك دخلت القصة فى منعطف جديد توزع فيه الصراع بين النبى موسى وشعبه وبين فرعون والملأ، وتدعو امرأة فرعون المؤمنة على فرعون بأن ينجيها الله تعالى منه ومن عمله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم 11.

 

وفى قصة أخرى نجد ملكة سبأ التى تملك قومها: (إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) النمل 23، وتتقاسم البطولة فى القصة مع النبى سليمان عليه السلام.

 

وفى قصة المسيح عليه السلام، التى تبدأ بجدته امرأة عمران التى تنذر ما فى بطنها لله تعالى، ثم تلد مريم التى يكفلها النبى زكريا، وقد كبر وزوجته عاقر، ولكن الله يستجيب لدعائه فيهبه يحيى، وتكبر السيدة مريم فى محرابها ويأتيها الوحى بالأمر الإلهى، فتحمل بالمسيح بدون زوج، والقرآن يوضح موقفها ومشاعرها، ونطق ابنها الوليد فى المهد دفاعًا عن أمه، وقد جعلها تعالى وابنها آية للعالمين: (وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء 91.