السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مقاطعة موجهة بالوكالة لمن لا يملك فيما يملك غيره استمرار الهدنة وتمديدها..  جهود مصرية إنسانية!

مقاطعة موجهة بالوكالة لمن لا يملك فيما يملك غيره استمرار الهدنة وتمديدها.. جهود مصرية إنسانية!

فى ظل تصاعد الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، لا تزال هناك أصوات تطالب بحل الدولتين. ولم ينتبهوا إلى أن سقف المطالب الفلسطينية قد تراجع مع مرور الوقت، ومع فشل كل اتفاقية للسلام أو مفاوضات لتقريب وجهات النظر بشكل تدريجى. وهو ما سمح لإسرائيل أن تكون الطرف الأقوى فى المفاوضات، وما يترتب على تلك القوة من فرض الشروط، ورفض ما لا يكون فى مصلحتها المباشرة. غير أن تدخل مصر، ونجاح مساعى عودة المفاوضات، بدت بوادر نجاحه فى الوصول إلى الهدنة وتمديدها.



 تاريخ الصراع

فى 29 نوفمبر سنة 1947، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 181 بالتوصية بحل الدولتين الفلسطينية واليهودية بعد إنهاء الانتداب البريطانى، والحفاظ على الوضع الخاص بالقدس كمنطقة دولية. وهى التوصية التى رفضها العرب، وبدأ الصراع العربى الإسرائيلى بالحرب من شهر مايو 1947 إلى شهر مارس 1948. وخلال السنة نفسها، تم تغيير هوية الفلسطينيين إلى الهوية الإسرائيلية، والمعروف إعلامياً باسم «عرب 48». وجاء بعدها العدوان الثلاثى سنة 1956. ثم نكسة 67، التى احتلت فيها إسرائيل سيناء والجولان والضفة، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967 بانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة واحترام سيادة الدول. ثم جاء انتصار 6 أكتوبر 1973 وما ترتب عليه من توقيع اتفاقيتى كامب ديفيد سنة 1978، والوصول إلى معاهدة كامب ديفيد للسلام سنة 1979.

وتواكب مع ذلك عقد لقاءات تفاوضية مهمة على غرار لقاء مينا هاوس سنة 1979، والذى رفض ياسر عرفات حضوره، وحدثت المقاطعة العربية لمصر، ونقل جامعة الدول العربية إلى تونس، إلى أن عادت العلاقات المصرية العربية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

 محطات السلام

من أهم محطات المفاوضات: «مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991، الذى شجع الدول العربية على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل. واتفاقية أوسلو للسلام سنة 1993، التى مثلت فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وتم الاعتراف المتبادل بينها وبين إسرائيل. وكامب ديفيد سنة 2000، والتى بدأت فيها جهود إقامة سلطة الحكم الذاتى الفلسطينى. وطابا سنة 2001، الذى استعدت فيها إسرائيل لقبول فكرة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ومبادرة السلام العربية 2002، والتى طرحت انسحاب إسرائيل لحدود عام 67 فى مقابل اعتراف الدول العربية بحق إسرائيل فى الوجود، وإقامة الدولتين. وخارطة الطريق سنة 2003، التى نصت على طريق حل المشكلة وإعداد مقاربات السلام. واتفاق جنيف سنة 2003، وفيه طرح تنازل الفلسطينيين عن حق العودة فى مقابل الحصول على معظم أجزاء الضفة الغربية. وأنابوليس 2007، الذى استهدف الوصول إلى اتفاق سلام كامل بحلول عام 2008. 

ومروراً بأحداث ولقاءات كثيرة، وصلنا الآن بعد موقف حركة حماس الأخيرة فى 7 أكتوبر 2023 إلى الحديث مرة أخرى عن حل الدولتين، الذى نادت به الأمم المتحدة سنة 1947. ولكن مع تغيير كامل لتوازنات القوة، ولمقدرات كل طرف من طرفى الصراع فى ظل المستجدات التى طرأت على الخريطة السياسية والجغرافية للطرفين.

 فقه المقاطعة

«فعل» المقاطعة هنا لكل ما يدعم إسرائيل. وهو ما يترجم عملياً بالقيام بنوع من الضغط الاقتصادى على شركات ومصانع عالمية.. ربما يكون بعضها يحمل جنسية دول محددة، وبعضها الآخر يصنف باعتباره عابرًا للقارات، بعدم شراء منتجاتها ومقاطعتها، واستبدالها بأخرى. والرهان هنا أن تمثل هذه المقاطعة «كارت» ضغط من هذه الشركات على إسرائيل لكونها تمثل كيانات اقتصادية واستثمارية ضخمة، وما يمكن أن يكون له تأثير على الدول المالكة لتلك الشركات، وما من شأنه أن يمثل ضغطاً مباشراً على مواقف السياسة الخارجية لتلك الدول.

فعل المقاطعة هنا يتضمن سلعًا وخامات ومعدات زراعية وصناعية وسيارات وقطع غيار وأجهزة كمبيوتر وموبيلات وغير ذلك.. وإذا كان بعضها مستوردًا كمنتج نهائى، فالغالبية منها هى منتجات مصنوعة من مواد وسلع مصرية بأيدى العمالة المصرية.. فالعديد من تلك المنتجات التى يتصور البعض أنها مستوردة هى فى حقيقتها إنتاج وصناعة بخامات محلية تصل فى بعض المنتجات إلى أكثر من 90 %، وبعضها بنسبة تقارب الـ%100. وتظل علاقة الشركة أو المصنع فى مصر بالشركة الأجنبية الأم هى مقابل استخدام الاسم والعلامة التجارية فقط لا غير.. فى مقابل نسب متفق عليها بينهما. 

 أسئلة المقاطعة

المقاطعة بهذا الشكل الذى يندرج تحت الجهاد الديجيتال والمقاومة الافتراضية، يطرح أمامنا العشرات والمئات من الأسئلة على غرار: 

- ماذا سنفعل فيما لا يمكن الاستغناء عنه مثل المنتجات الغذائية والأدوية؟ وهل لدينا البديل الذى يستطيع المجتمع الاكتفاء به حتى لا نتعرض للأزمات التى ربما تؤدى إلى كوارث إنسانية؟ وفى حالة أنه لدينا بديل.. هل البديل بالكمية المتاحة من جهة، بالجودة والكفاءة المطلوبة والسعر المناسب من جهة أخرى؟

- هل قائمة الشركات والمصانع التى سيتم مقاطعتها تم وضعها بناء على معايير دقيقة لصالح «فعل» المقاطعة، أم أنها قائمة عشوائية تم وضعها لصالح شركات ضد شركات أخرى فى منافسة غير شريفة لا علاقة لها بالمقاطعة سوى تحقيق الربح فى مقابل دفع الشركات الأخرى للخسارة من خلال التشهير بها وتشويه صورتها لدى المستهلكين؟

- فى حالة الوصول لمعايير دقيقة وحقيقية لمقاطعة شركات ومصانع ومنتجات بالاسم على الأراضى المصرية. وما يتبع ذلك من خسائر مادية لها، يترتب عليها تصفية العمالة المصرية وتسريحها.. هل يتم إعداد سيناريو لإلحاق العمالة المتضررة بالمصانع والشركات المحلية البديلة؟

- وهل المقاطعة لجميع المنتجات لتلك الشركات والمصانع التى تدعم إسرائيل أم أنها مقاطعة للبرندات العالمية والماركات الشهيرة والسلع الاستهلاكية مرتفعة الثمن؟ 

ويبقى السؤال الأهم: فى حالة اختيار الشركات والمصانع والمنتجات التى سيتم مقاطعتها طبقاً للمعايير السابقة وغيرها.. هل ستصب المقاطعة فى صالح القضية الفلسطينية أم العكس لكون البعض استغلها كبروباجندا لا أكثر ولا أقل؟!

وتظل النتيجة النهائية هى المزيد من الغوغائية والهمجية تحت راية المقاومة.

 تداعيات المقاطعة

على من يطالب بالمقاطعة الالتزام بالعديد من المعايير المهمة حتى لا نحصد تداعيات تضعف الاقتصاد الوطنى حسبما جاء فى سياق مقال زياد بهاء الدين «المقاطعة العشوائية.. أم تشجيع الإنتاج الوطنى» بجريدة المصرى اليوم فى 16 نوفمبر 2023، وذلك على غرار:

- انخفاض الاحتياج للمنتجات المحلية التى يتم تصنيعها فى مصر، والارتفاع الجنونى فى المستورد، وازدهار السوق السوداء. 

- تسريح أعداد العمالة الوطنية المصرية وتراجعها فى الشركات والمصانع المصرية.

- تراجع نسبة الاستثمار فى بعض الصناعات المحلية. وإضعاف الإنتاج المحلى لصالح الأجنبى. وتراجع نسب الضرائب المستحقة للدولة.

 هدنة إنسانية

لا تحتاج مصر إلى أبواق حنجورية لتأكيد دورها وجهودها الإقليمية والدولية فى الصراع الفلسطينى– الإسرائيلى. وهو موقف تاريخى تراكمى معلن وواضح ومباشر بالحرص على حقوق الشعب الفلسطينى، وضد تصفية قضيته، وضد التهجير القسرى لشعبه ورفض الفكرة تماماً، وضد الحصار عليهم.. للمزيد من الضغط للتخلى عن أراضيهم.

أسهم كل ما سبق على مر التاريخ فى اكتساب مصر مكانة ذات طبيعة خاصة فى التفاعل مع الصراع الفلسطينى– الإسرائيلى، وهى طبيعة ترتكز على ثقة الطرفين من جهة، والثقة الدولية من جهة أخرى فى كونها شريكا أساسيا فى الوصول للمفاوضات وسيناريوهات السلام المقترحة. ولذا كان نجاح مصر بمشاركة قطر وتحت دعم الولايات المتحدة الأمريكية ومساندتها فى الوصول للهدنة، وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، ثم تمديد الهدنة. وهو ما سمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطينى بعد رفض إسرائيل طيلة الفترة الماضية لدخولها. وهو ما ساعد فى عودة الحياة التى قاربت على التوقف تماما خلال الفترة الماضية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى بدء سريان الهدنة، وهو ما أتاح تشغيل المخابز ومحطات الكهرباء ومحطات مياه الشرب والمستشفيات بعد تدفق دخول الغاز والسولار.

نجاح الهدنة وتمديدها سيفتح أبواب المفاوضات للطرفين، ولجميع الأطراف الدولية لدعم طريق عقد الاتفاقات التى من شأنها أن توقف حدة التصعيد العنيف من جانب الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، كما تسهم فى وقف أى تحركات لحماس وغيرها حتى لا نعود للمربع صفر، وتضيع المزيد من الفرص للوصول لوقف تلك الحالة الأكثر دموية فى التاريخ الحديث. ومع التأكيد أن تلك الهدنة هى أول مبادرة حقيقية لفك الاشتباك فى هذا الصراع الدامى لالتقاط الأنفاس. كما أنها أسهمت فى فتح ملف الأسرى وعودتهم لعائلاتهم.

 نقطة ومن أول السطر

نجاح الهدنة الإنسانية وتمديدها يعود للجهود المصرية، ولا يحسب كما يروج الموالون لحركات وميليشيات وغيرها. وهى جهود لها أبعاد شراكة عربية مع قطر، ودولية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ما يروج له من دعوات المقاطعة هى فى حقيقتها «مقاطعة موجهة بالوكالة لمن لا يملك فيما يملك غيره».