السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. ما بعد الهدنة

الحقيقة مبدأ.. ما بعد الهدنة

بقدر ما أن سنوات ما بعد «أوسلو» كانت بمثابة انهيار لحلم السلام بقدر ما أن ما قبلها لم يكن ماضياً مثالياً.



وعلى الرغم من انحسار الأفق السياسى لسنوات، فإن الفصل الثانى من إدارة عملية شاملة للسلام لا يزال ممكناً من خلال مبادئ قمة القاهرة للسلام التى جاءت فى أشد فصول الصراع شراسة وضراوة. ويجب أن تتضافر ثلاثة عناصر حاسمة لإحياء عملية السلام. 

 

أولاً، يحتاج الجانبان إلى قيادة شجاعة لكسر الجمود الدبلوماسى. 

ثانياً، يتعين على كلا الشعبين إضفاء الشرعية على قيادتهما السياسية للتصديق على عملية صنع القرار فى كل من الحكومتين. 

ثالثا، يجب أن تصبح الأصوات المعارضة للسلام أضعف أو غير مهمة فى الحوار السياسى.

أخيرًا، رعاية نزيهة من طرف يقبله الجميع وقادر على إدارة العملية بحسم.

فى عام 1993، كانت الحركة الوطنية الفلسطينية تمر بإحدى أضعف لحظاتها، ووجدت «منظمة التحرير الفلسطينية» نفسها معزولة بعد وقوفها إلى جانب غزو صدام حسين للكويت. وفى غياب أى موارد دبلوماسية أو مالية يمكن الاعتماد عليها، كانت «منظمة التحرير الفلسطينية» مقيدة بشدة، وأنقذت «اتفاقيات أوسلو» فعلياً القضية الفلسطينية (كحركة وطنية منظمة) فقد أرست «اتفاقيات أوسلو» الأساس لهيكلين حاسمين لا يزالان قائمين حتى اليوم، وهما السلطة الفلسطينية وحل الدولتين. وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية غارقة حالياً فى القضايا الداخلية وإشكاليات الصراع السياسى الداخلى.. بل والبحث عن من يخلُف «أبو مازن»، فإنها خلقت عنواناً للحركة لتمارس منه تطلعاتها السياسية وإطاراً مؤسساتياً لإقامة الدولة الفلسطينية. فضلاً عن ذلك، لم تكن فكرة الدولتين لتوجد فى المقام الأول لو لم تحقق «اتفاقيات أوسلو» إمكانية الاعتراف المتبادل. وفى حين لا يزال حل الدولتين القابل للتطبيق أمراً لا يجد أفقاً سياسيا من الرحابة بحيث يدخل مجال التطبيق وذلك بسبب الانحيازات الدولية للخيارات الإسرائيلية، إلا أن مفهوم «دولتين لشعبين» أصبح مسألة إجماع دبلوماسى بل هو الإطار المفضل الذى يتعامل من خلاله المجتمع الدولى مع الصراع.

ومع ذلك، تواجه أسس «اتفاقية أوسلو» ضغوطاً شديدة. فالسلطة الفلسطينية لم تحقق بعد هدفها الأول، وهو إنشاء دولة فلسطينية، كما تتضاءل ثقة الفلسطينيين- المواطنين- أنفسهم فى إمكانية حل الدولتين. 

أما الآن، وبعد الاتفاق على هدنة محدودة لأيام قد تصل إلى تهدئة ليست كاملة مصحوبة بتعهدات تبادل الأسرى، يجب على كل الأطراف أن تمعن النظر فى مقاربة «السيسى» لحل الدولتين والتى فرضت نفسها على المجتمع الدولى بقوة من خلال قمة القاهرة للسلام فى 21 أكتوبر 2023 والقائمة على حدود ما قبل 4 يونيو 1967 وليست على قرار مجلس الأمن (242)، وعليه يجب استغلال هذا الهدوء النسبى فى العمل على مجموع السياسات لتثبيت أركان قمة القاهرة وآليات العمل التى تبنى عليها.

بالنظر للأوضاع الحالية، يجب أن يخرج الجميع رابحين، فلا مجال للنظر إلى المصالحة الضيقة بل انفتاح زوايا مصالح المنطقة بأسرها.

1 - عدم إلحاق الضرر. فى حالة إسرائيل، يعنى ذلك وقف التوسع الاستيطانى غير الخاضع للرقابة، والذى يهدف إلى حد كبير إلى إفشال نموذج الدولتين والذى لم يعد مجرد ترف سياسى، بل والنظر مرة أخرى فى إخلاء كافة المستوطنات التى أقيمت بعد 4 يونيو 1967 ووضع آلية مُرضية للطرفين.

2 - إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية، بل ودعمها بمنتهى القوة سواء من الأطراف العربية أو الدولية أو حتى إسرائيل نفسها، بما أن انهيارها أو المزيد من محاولات سحقها سيجعل حل الدولتين أمراً مستحيلا، فبالنسبة للمجتمع الدولى تُعتبر السلطة الفلسطينية هى العنوان الفلسطينى الوحيد المتاح لتحقيق الدولة، بما أن العالم اتخذ قراراً بتلطيخ سمعة «حماس» مع افتقارها إلى الشرعية الدولية لدعم هذه القضية.

3 - يتعين على القادة من الجانبين بذل المزيد من الجهود لتشجيع الأجيال الشابة على التعاون، بعد أن أحبطتها عقود من الخلل الوظيفى والتخبط السياسى.

4 -  السعى إلى التكامل الإقليمى بما يحسن حياة الفلسطينيين ويخلق إطاراً لتعزيز التواصل العربي-الفلسطينى، خاصة عند التعامل باعتبار أن الضفة وغزة وحدة واحدة غير قابلة للتقسيم السياسى أو الإدارى أو الاقتصادى.

وقع الطرفان (الفلسطينى والإسرائيلى) ومعهما الولايات المتحدة بجانب بعض القوى العربية فى خطيئة «إدارة النزاع»، بدلاً من إنهائه، واشنطن لا تكتفى بإعلان انحيازها بل أصبحت شريكاً فاعلاً فى استمرارية الاحتلال على توحشه، أصحاب الاتفاقات الإبراهيمية نظروا إلى مصالح مباشرة شديدة الضيق معززة بقلة الخبرة السياسية وانعدام الدراية بآليات هذا الصراع التاريخى، وفى هذه الأجواء، أخذت الأصوات الرافضة تكتسب أهمية، وأصبحت وجهات النظر المتطرفة تهيمن الآن على الجوانب الرئيسية لعملية صنع القرار. 

لإعادة إحياء عملية السلام، سيكون من الضرورى إجراء تغييرات هيكلية فى كلتا القيادتين.

ولعلنا جميعاً نستوعب أن استئناف الحوار السياسى أيضاً سيتطلب انتقالاً سلساً للقيادة عند خروج «أبو مازن» من الساحة السياسية. وإبعاد «نتنياهو» عن المشهد بالكلية.

وحتى ذلك الحين، من مصلحة إسرائيل الاستراتيجية تقوية السلطة الفلسطينية كما سبق وأشارت الكاتبة وهو ما صرح به الرئيس المصرى فى أكثر من حديث، خاصة أثناء كلمته خلال قمة القاهرة للسلام.

لا أحد يريد أن ينشأ فراغ فى مرحلة ما بعد محمود عباس، لأن هذا هو ما يمكّن الشخصيات الداعمة للعنف من احتلال مركز الصدارة.

وستتطلب إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية خطوات إسرائيلية وفلسطينية جوهرية لا تقتصر على الإصلاحات الحقيقية، بل تشمل أيضاً الإجراءات التى تحافظ على إمكانية الحوار والأفق السياسى الأوسع. وسيتعين على إسرائيل وقف التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية وزيادة التعاون الأمنى مع السلطة الفلسطينية بما يحد من العنف الذى قد يقوم به أطراف من كلا الجانبين. وعلى الرغم من أن استعادة شرعية السلطة الفلسطينية وفعاليتها لن تكون بالمهمة السهلة، فإن القيام بذلك يشكل ضرورة أساسية لمستقبل عملية السلام.

ومن غير المرجح إحراز تقدم سريع على الساحة السياسية فى المستقبل القريب، ولكن من غير الصحيح القول إن «مقاربة السيسى» غير واقعية فقد خلق الموقف المصرى خلال الحرب الأخيرة واقعاً من المستحيل عكسه، ويتعين على كافة الأطراف بذل قصارى الجهد لتعزيز تفعيل الحل المصرى.

تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.