الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«الجماعة» و«السفالة» وقرار الحرب!

«الجماعة» و«السفالة» وقرار الحرب!

يتصور بعضنا أن قرار الحرب يمكن أن يكون عاجلا ومفاجئا أو تحت ضغوط الألم والغضب ومشاهد الدم والدمار، وأن عدم اللجوء إليه هو تخاذل وتراجع وهروب، هذا البعض نوعان، نوع وطنى النزعة، طيب القلب، وحسن النية، ونوع فاسد الانتماء، خبيث الطوية، شرير المقصد، النوع الأول تنقصه معلومات مهمة فلم يطرح على نفسه السؤال المفتاح: متى تحارب الدول؟، النوع الثانى - من الجماعة وأتباعها والدائرين فى أفكارها، لا يعنيهم الوطن ولا يفكرون فيه ولا يهتمون بمستقبل شعبه، فقط يسعون إلى تمزيقه وتشويه صورته والثأر منه، لأنهم يعارضون نظامه، والمعارضة حق وجزء أصيل فى أى نظام سياسى لدولة حديثة، لكن الثأر والتشويه وضرب مصالح الوطن «جريمة» تصل إلى حد الخيانة.



وقد شهدتُ مظاهرة معادية غبية فى عاصمة عربية، لعبت فيها الجماعة الدور الرئيسي، جل اهتمامها هوالسب والشتم، لأن مصر لا تفتح معبر رفح، بالطبع السبب كاذب، فمعبر رفح مفتوح 24 ساعة، لكن بحسابات مصرية لمصلحة فلسطين، مساعدات إنسانية من رفح إلى الفلسطينيين الذين تُرتكب ضدهم أبشع جرائم الحرب التى عرفها التاريخ الحديث، جرائم لا تتشابه معها إلا جريمتان: جريمة ضرب هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين بقنبلتين ذريتين فى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يكن لهما أى مبرر سوى استعراض العم سام قدراته النووية ليكون حاكما فى النظام العالمى بعد الحرب، وجريمة قصف مدينة دريسدن الألمانية وتدميرها تماما بعد نهاية الحرب، باعتبارها رمز الثقافة الألمانية، وهو نفس ما تنفذه إسرائيل تكتيكيا فى غزة.

 

ومن هنا يمكن أن نفهم أسباب أمريكا وبريطانيا فى دعم إسرائيل وهى ترتكب نفس الجرائم ضد الفلسطينيين باسم الدفاع عن النفس.

ولا يستطيع المرء حتى لو لم يكن مصريا إلا أن يشيد بالطريقة التى تدير بها مصر «الأزمة» منذ 7 أكتوبر الماضي، فهدف الحرب الإسرائيلية على غزة ثم الضفة ليس حماس كما يتصدر المشهد، لكن تصفية «القضية الفلسطينية» نهائيا، بأن تجعل من غزة أولا أرضا غير صالحة للحياة، سواء من حجم التدمير الشامل الذى تلحقه بها، أو من الآثار الجانبية على البيئة التى تخلفها كميات هائلة من المتفجرات ألقيت عليها، تعادل - حتى الآن- مرة ونصف المرة القنبلة الذرية التى ألقيت على هيروشيما.

أما حلفاؤها الغربيون بقيادة الولايات المتحدة فقد مارسوا ضغوطا شرسة على مصر، لتفتح معبر رفح فى اتجاه واحد، من غزة إلى سيناء، مهربا للفلسطينيين  من الجحيم الذى أشعلته إسرائيل فى أرضهم، وظل الحلفاء يطلقون كلاما فى الهواء عن المساعدات الإنسانية وضرورة دخولها من رفح إلى غزة لأكثر من أسبوعين، ليظل الفلسطينيون دون دواء وماء وطعام ووقود، حتى السبت 21 أكتوبر، وحين سمحوا لم تدخل إلا 20 شاحنة لا تغطى حمولتها أكثر من 1 % من احتياجات أهل القطاع، وبعد أن أيقن هؤلاء الحلفاء أن مصر لن تفتح المعبر إلا فى اتجاه واحد، ولن تقبل تهجير أهل غزة وتصفية القضية.

لكن مظاهرة الجماعة فى العاصمة العربية خرجت تسب وتشتم وتتسافل، لماذا؟، لأن مصر لم تفتح معبر رفح، كما لو أن هؤلاء المتظاهرين كانوا يؤيدون نزوح الفلسطينيين إلى سيناء، ولتذهب فلسطين إلى الجحيم.

 

وحين فُضحت أسباب المظاهرة، وباءت الثرثرة الفارغة على قنوات الجماعة وشركائها بالخيبة، صنعوا فيديو لصبى بجوار صناديق مبعثرة زعموا أنها من شاحنة مساعدات انقلبت، الصبى يصرخ أنها عبارة عن بسكويت صلاحيته شهر فقط وأكفان. بالطبع الكذب أعرج وأعمى، فحجم المساعدات المصرية يقترب من 6000 طن، أغذية وأدوية ومياه ومستلزمات طبية، من كل فئات الشعب المصري.

نأتى إلى حديث الحرب ويقفز السؤال الخبيث: لماذا لا تحارب مصر؟

إذا كان السؤال على ألسنة الطيبين والوطنيين فهو تعبير عن حالة عاطفية إنسانية لم تعد قادرة على تحمل «الجرائم الإسرائيلية» ضد شعب شقيق، خاصة أنها جرائم تقع على مسمع ومرأى العالم أجمع، عالم عاجز عن وقف القتال غير المتكافئ بين جيش مدجج بما فى العصر من أسلحة حديثة وشعب أعزل، وفى وقت تبدو فيه أمة العرب، إذا كان وصف أمة دقيقا، مشلولة عن دفع أصدقائها الغربيين إلى قرار يمنع هذا التدمير الشامل.

لكن هذا السؤال يشى أيضا بأن هؤلاء الطيبين يقدرون الأوضاع بمشاعرهم قبل عقولهم، بعيونهم قبل تفكيرهم، ويهملون حقائق بسيطة تشكلت عبر تاريخ الإنسان مع الصراعات، فالحرب ليست دماء مسالة وبشرا يقتلون واقتصادا ينزف إذا كانت لا مفر منها ولا سبيل غيرها، وإنما قد تكون دلائل وجود أمة وحضورها وحيويتها ومكانتها، والأهم أن الحرب ليست لعبة أو توريطة أو اندفاعا إلا لصد هجوم حدث فعلا، وعموما الحرب هى حسابات واختيارات وأهداف.

نعم لا تدخل الدول حروبا دون أن تحدد لنفسها أهدافا استراتيجية وإلا تورط نفسها فى مخاطر قد تعصف بها، أى بينما جيوشها تتحرك على الأرض وتدير معاركها يوما بعد يوم حسب المخطط العام، تتبع وسائل تفاوض وأساليب تمكنها من بلوغ مراميها، فأى حرب تنتهى بالضرورة على مائدة مفاوضات.

وكل من هتف أو سأل أو كتب أو صرخ على شاشة تليفزيونية، لم يفكر فى تساؤلات فى غاية الأهمية: ما هى الأهداف التى نسعى إليها من الحرب؟، وكيف تمضى هذه الحرب؟، هل هى إشغال العدو فى حرب معنا؟، هل نرسل جنودنا تقاتل فى أرض غزة المكشوفة، وفى ظروف لم نحددها وفى بيئة لم يتدربوا عليها؟، هل نغزو إسرائيل مثلا؟، ماذا سيكون رد فعل القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية المنتشرة على سواحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من شواطئنا أو القواعد الأمريكية الموجودة حولنا؟

السؤال الأهم: متى تعلن الدول الحرب؟

لو ضربنا مثلا بأمريكا وهى قوة عظمى وليست دولة عظمى، والفارق كبير بين القوة والدولة، القوة حالة فيزيائية لا تميز بين الحق والباطل، العدل والظلم، الإنسان والجماد، الدولة حالة ثقافية وقيمية تدرك حدود استخدام القوة فى الدفاع عن مصالحها، وهذه القوة العظمى، سنجدها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك، لم تدخل الحرب ضد طالبان وتنظيم القاعدة فى أفغانستان فى اليوم التالي، ولا الأسبوع التالى ولا الشهر التالي، وإنما أخذت وقتا حددت فيه أهدافها وأكملت تجهيزاتها العسكرية والإدارية وأعدت المسرح الدولى لقبول الفكرة ومساندتها أو عدم الاعتراض عليها.

فالدولة أى دولة تدخل الحرب بعد أن تقيس وتحشد ما يعرف بـ«القوى الشاملة» لها، وهى ليست قدرات عسكرية فقط، وإنما هى مزيج متكامل من القدرات والإمكانات، مثل وضع الجبهة الداخلية ومدى تماسكها، الحالة الاقتصادية وقدرتها على تحمل أعباء الحرب حسب المدة المتوقع أن تستغرقها، الأوضاع الإقليمية المحيطة بها وتأثيرها على قرار الحرب ومدى تقبل كل دولة فى الإقليم له وتقدير موقفها المساند أو المعادى أو المحايد، الموقف فى المنظمات الدولية والأوضاع العالمية، مواقف الدول الأعضاء فى مجلس الأمن، وخاصة دول حق الفيتو حتى لا يصدر قرار عقابى بالتحرك العسكرى ضدها. ثم قدرات جيشها وما يملكه من روح معنوية وإرادة قتال وأسلحة وذخائر وخدمات إدارية وكيفية تعويض خسائرها من المعدات والذخائر والبشر مع دوام القتال.

هذه هى حسابات الدول عندما تقرر أن تخوض حربا، ولنا تجارب، نحن مثلا تورطنا فى حرب 1967 أو بمعنى أصح جرجرونا إلى حرب أعدوا لها جيدا بعمليات تصعيد منظمة ضد سوريا، فدخلناها منفعلين ونصف جيشنا فى اليمن، فكانت النتيجة بائسة! ومرة ثانية اخترنا الحرب توقيتا ووعيا وحسابات دقيقة فعبرنا أصعب مانع مائى على وجه الأرض واقتحمنا أقوى الحصون الدفاعية فى العصر الحديث، فكانت النتيجة نصرا وتحريرا للأرض.

الحروب ليست توريطة ولا انفعالا، الحروب حسابات واختيارات.

يبقى سؤال أخير: لماذا لا نقطع علاقتنا مع إسرائيل؟

السبب بسيط ولا يرجع فقط إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لكن هذه العلاقات هى التى تتيح لمصر أن تؤدى دورًا حيويًا فى خدمة الفلسطينيين، تخيلوا مثلا لو كانت العلاقات مقطوعة: كيف تعبر المساعدات الإنسانية إلى غزة؟، كيف تكون وسيطا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه كلما اشتعل الموقف؟

الحروب حسابات وليست انفعالات.