الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الأرض.. العودة

الحقيقة مبدأ.. الأرض.. العودة

ما يقترب من مائة عام من الجرائم تجاه الشعب الفلسطينى دون أى سبب سوى أن هناك مجموعة ترى أن لها حقاً دينيا فى تلك الأرض وأخرى ترى أن هذه المنطقة من العالم لا يجب أن تستقر بأى حال من الأحوال وآخرون يعتقدون فى الحرب الكبرى!! النتيجة واحدة وهى القتل والوحشية والشتات للمواطنين الأصليين وأصحاب الحق الوحيد فى الارض ولم يبقَ لهم من الحياة شىء سوى حلم بعيد بالعودة!!



فى السابع من أكتوبر، شن مقاتلو حماس هجوماً مفاجئاً على جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل حوالى 1300 اسرائيلى واحتجاز ما لا يزيد على 150 محتجزًا. ورداً على ذلك، شنت الكيان الصهيونى المحتل هجوماً عنيفا غير مسبوق على قطاع غزة أدى حتى الآن إلى مقتل أكثر من 5000 فلسطينى، بما فى ذلك أكثر من 2000 طفل، وتشريد نصف سكان غزة، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية فى القطاع.

وقبل إطلاق الأحكام المعلبة والجاهزة للتناول المباشر متبوعة برفع الأنخاب وتجرع الانبذة المقدسية، فلنحاول الوصول إلى المنطق الكامن وراء عملية «طوفان الأقصى» التى قامت بها حماس، على الرغم من أنها فاجأت الاحتلال والعالم الخارجى، إلا أن دوافعها الكامنة لم تكن على قدر التوقعات، إضافة إلى أن القتال بين حماس والاحتلال قد يتوسع بسرعة إلى جبهات أخرى - بما فى ذلك الضفة الغربية - بما يتماشى مع تنسيق المقاومة الفلسطينية المسلحة المعروف باسم «وحدة الساحات».

يبدو أن الهجوم المباغت الذى شنّته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية فى منطقة «غلاف غزة» فى السابع من أكتوبر لعام 2023، يؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة بين الفصائل الفلسطينية فى غزة وإسرائيل؛ فحركة حماس التى امتنعت عن الانضمام للقتال مع حركة الجهاد الإسلامى فى ثلاث جولات من مواجهة إسرائيل فى السنوات الخمسة الأخيرة، والتى قد تعرضت لانتقادات مؤيديها وخصومها لتفضيلها الحكم على المقاومة، وتَخضع لسياسة التحييد التى فرضتها إسرائيل عليها؛ يبدو أنها بشكل أو بآخر مارست، على امتداد هذه السنوات، خداعًا استراتيجيًا لتضليل الاحتلال تجهيزًا لعملية «طوفان الأقصى»، التى كشفت عن أداء نوعى شديد الاختلاف لمقاتلى «كتائب القسام»، وتسببت للعدو بخسائر غير مسبوقة بشريًا، ومعنويًا، واقتصاديًا.

وما من شك أن لحركة حماس التى خططت جيدًا، وأعدت جيشًا من المقاتلين، ووفرت ذخيرتها وإمكانياتها لمواجهة إسرائيل برًا وجوًا وبحرًا دوافعها وأهدافها من عملية «طوفان الأقصى». لقد حدد رئيس المكتب السياسى لحركة حماس «إسماعيل هنية» وقائد كتائب عز الدين القسام «محمد الضيف» دوافع العملية فى أول بيانٍ لهما فى الساعات الأولى من اقتحام المستوطنات الإسرائيلية، بأنها «رد فعل على اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة فى الضفة الغربية»، مؤكدين أن «المعركة الدائرة هى لتحرير فلسطين». وهكذا، فإن الحركة نفذت تهديدها لعدم قبول مشهد الاقتحامات الإسرائيلية لباحات المسجد الأقصى، وربطت القدس بغزة ضمن سياسة «وحدة الساحات» كأحد أهداف هذه العملية.

وفى محاولة لقراءة متأنية للمواجهة العسكرية التى بدأتها حماس هذه المرة، الكثير من الدوافع والأهداف التى يريد أن يسكت العالم عنها، وهى دوافع لا تخطئها عين المراقب للبيئة الفلسطينية الإسرائيلية وتشابكاتها الإقليمية والدولية، والمنغمس فى قضاياها وتفاصيلها. فالهدف العام المُعلن لا ينفى حقيقة سعى الحركة إلى تحقيق عدّة أهداف، أهمها: 

1 - تغيير واقع قطاع غزة الذى كرسه الاحتلال منذ انسحابه أحادى الجانب فى عام 2005، مع إبقاء العدو على تحكمه وسيطرته على القطاع وفضائه العام برًا وبحرًا وجوًا، رغم تخليه عن مسؤولياتها القانونية والإدارية كقوة قائمة بالاحتلال، وهى المعادلة التى عمقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لسكان قطاع غزة، خاصة بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية، وسيطرتها بمليشياتها المسلحة على القطاع فى عامى 2006 و2007، مع ما جلبه ذلك من حصار الكيان الصهيونى بشكل مشدّد امتد لأكثر من 16 عامًا؛ أعاق إلى جانب الانقسام الفلسطينى الداخلى فرص تقديم حماس نموذجًا ناجحًا فى الإدارة والحكم.

2 - أرادت حماس ضمن أهداف عملية «طوفان الأقصى» الانقلاب على منطق التهدئة الأمنية مع إسرائيل، وذلك بمغادرة سياسة الحلول المرحلية والمؤقتة فى التعامل مع قطاع غزة، والقائمة على أساس معادلة «السلام الاقتصادى» والتسهيلات الاقتصادية الجزئية والمرحلية، التى تبنتها الحكومات الصهيونية المتعاقبة كبديل لمسار التسوية السياسية مع الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة؛ فرغم الفوائد التى جنتها حماس من التسهيلات الممنوحة لقطاع غزة، إلا أنها لم تكن بمستوى تخفيف أزمات القطاع الذى ترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة، وتتقاسم مع السلطة الفلسطينية والكيان الصهيونى مسؤوليتها عنها فى نهاية المطاف.

ولا تُستثنى بطبيعة الحال قضية الأسرى الفلسطينيين فى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، الذين يواجهون قرارات  وزير الأمن القومى الإسرائيلى، إيتمار بن غفير وخُططه للتضييق عليهم، من دوافع عملية «طوفان الأقصى» فى إطارها الفلسطينى الأوسع، وذلك وفق ما أعلنه  مسؤول ملف الأسرى فى حركة حماس، زاهر جبارين فى 5 سبتمبر أيّ قبل نحو شهر واحد من العملية-: «إن معركتنا المقبلة مع الاحتلال عنوانها الأسرى». وبنفس المستوى، تدخل قضية دعم أنصار حماس فى الضفة الغربية، الذين يتعرضون للاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضمن أهداف هذه العملية ودوافعها أيضًا.

وأخيرًا، لم تكن مسألة استعادة القضية الفلسطينية لدورها ومكانتها فى الدائرتين الدولية والعربية بعيدة عن أهداف عملية «طوفان الأقصى» ودوافعها، خاصة بعد أن غابت الإدارة الأمريكية عن الفعل والمبادرة لتسوية قضية الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، وانحازت لإسرائيل انحيازًا كاملًا، وتعاملت مع القضية الفلسطينية من منظور إنسانى، وبعدما طغت موجة الهرولة العربية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونى بديلًا عن القضية الفلسطينية بدون التقيد بشرط تسويتها وقيام الدولة الفلسطينية فى حدود الرابع من يونيو عام 1967، مثلما عبرت عنها مبادرة السلام العربية فى قمة بيروت عام 2002. 

تمثل الحرب القائمة بين حماس وإسرائيل، مفهوم وحدة الساحات، التى روجت له حركة الجهاد الإسلامى فى معركتها مع الجيش الإسرائيلى عام 2021 «معركة سيف القدس». والتى أسمتها إسرائيل عملية «حامى الأسوار» وصولا إلى عملية طوفان الأقصى ومن ثم إعلان الكيان الصهيونى الحرب رسميا على قطاع غزة متوعداً بتحويله إلى جحيم، مع حشد دعم أمريكي - أوروبى لمحاولة القضاء على حركة حماس بالدرجة الأولى والمقاومة فى المرتبة الثانية؛ إلا أن الهدف الحقيقى هو الانتهاء من هذه القضية جملة وتفصيلا بتصفيتها مرحلياً.

قصفت إسرائيل مئات البيوت الفلسطينية المأهولة بالسكان وبعض الأبراج السكنية اضافة لمستشفيات ودور عبادة بغزة، وعمدت الطائرات الحربية للاحتلال لتدمير جزءً كبيراً من البنية التحتية المدنية لغزة بما فيها شبكة الاتصالات ما أدى لقطع الإنترنت وعزل سكان القطاع عن العالم.

هنا يأتى المستهدف من (وحدة الساحات) حيث تصبح المقاومة المسلحة الفلسطينية ضد الاحتلال موحدة عبر عدة جبهات فى جميع الأراضى الفلسطينية المحتلة، أو فى أى مكان تتواجد به عناصر المقاومة فى الدول العربية المجاورة أبرزها لبنان وسوريا.

فَرضَ نهج وحدة الساحات معادلة جديدة فى الصراع مع إسرائيل، لوجود تنسيق رفيع المستوى بين الفصائل الفلسطينية وبين ما يُسمى بمحور المقاومة الإسلامية الذى يقوده حزب الله فى لبنان بدعم من إيران، بحيث تعمل جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة ضمن غرفة عمليات مشتركة تُدار فى غزة وفى جبهة قتال واحدة ضد الاحتلال من أى مكان قد تتواجد به قوات المقاومة الفلسطينية دون التقيد برقعة جغرافية محددة، وهذا فعلا ما حدث خلال هذه الحرب عندما أطلق حزب الله ومجموعات مسلحة تابعة لحماس فى لبنان عد صواريخ من الجنوب اللبنانى ضد أهداف إسرائيلية فى شمالى إسرائيل.

أما بالنسبة للضفة الغربية، فتم تطبيق نهج وحدة الساحات انتقاما لما يحدث بغزة، حين اشتعلت مواجهات بين شباب الخليل والجيش الإسرائيلى عندما حاول اقتحام شمال الخليل واعتقال عمال من غزة، كما وقعت أيضا اشتباكات عنيفة بين مجموعات شبابية فى مخيم نور الشمس بطولكرم وقوات الجيش الإسرائيلى، ما أدى إلى استشهاد 14 فلسطينياً بينهم 5 أطفال.

إذاً ومع استمرار الاعتداءات الوحشية على غزة، من المتوقع أن يتصاعد رد فعل الشباب الفلسطينى بالضفة الغربية وقد تشمل ردود الفعل عمليات إطلاق نار وعمليات طعن ودهس ضد المستوطنين وقوات جيش الاحتلال المنتشرة فى أراضى الضفة الغربية والقدس، ومن المحتمل أيضا أن يزداد التوتر فى الضفة، خاصة بين الشباب وقوات أمن السلطة الفلسطينية التى يحتمل أن تحاول قمع أو تحديد المقاومة، فبعد مقتل المئات من المدنيين فى غزة جراء سقوط قذيفة صاروخية على ساحة المستشفى المعمدانى - الأهلى بغزة، حدثت مواجهات بين العشرات من الشباب الغاضب ضد قوات الأمن الفلسطينى بمدينة رام الله بسبب عدم انخراط قوات الأمن الفلسطينى فى مواجهات مع جيش الاحتلال للانتقام لدماء المدنيين بغزة.

وهناك أيضا احتمال آخر بأن يقوم بعض شباب الضفة الغربية بعمليات تسلل للمستوطنات فى الضفة الغربية أسوة بما حدث فى عملية حماس «طوفان الأقصى» التى اخترقت فيها عناصر حماس بعض المستوطنات، والتى قدمت من خلالها حماس لشباب الضفة الغربية نموذجاً حيا لإمكانية اختراق المستوطنات التى كانت تُعد بالسابق منيعة عن الاختراق.

وأخيرا، يبدو أن الأوضاع فى قطاع غزة والضفة الغربية تنحدر نحو منعطف خطير، وأن شعلة اللهب فى الأراضى الفلسطينية ستتسع لتشعل جبهات قتال أخرى فى المنطقة، ما ينذر بأزمة سياسية وأمنية كبيرة بالشرق الأوسط، وكارثة إنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين في قطاع غزة.