الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. 50 سنة على تحقيق المستحيل..  الله أكبر.. هتاف وطنى تجاوز صوت الرصاص!

مصر أولا.. 50 سنة على تحقيق المستحيل.. الله أكبر.. هتاف وطنى تجاوز صوت الرصاص!

6 أكتوبر ليس مجرد ذكرى وطنية لحدث تاريخى مر على المجتمع المصرى، ولكنه مرحلة تاريخية فاصلة بين عهود قديمة لها ظروفها وسياقها، وعهد جديد ارتبط بالانتصار فى مقابل الانكسار الذى حدث للشخصية المصرية.



الاحتفال بانتصار 6 أكتوبر ليس مجرد كلمات نقرأها فى المناهج الدراسية أو كتب التاريخ، ولكنه الارتكاز الحقيقى للوطنية المصرية فى العصر الحديث فى مقابل حالة التغريب التى تمكنت تدريجيًا من السيطرة على أفكار الأجيال الجديدة ومستقبلها. تلك الأجيال التى غاب عنها حديث التاريخ والجغرافيا لمصر ومكانتها وتحدياتها. ولذا لن يشعر العديد منهم بتاريخهم وأهميته سوى عندما يختبروا عمليًا ما يقوم به غيرهم من الشعوب التى تصنع من أحداث معاصرة تاريخًا جديدًا لهم، بل ويتعاملون معه بمنطق التقديس.. رغم حداثة نشأتهم بين الأمم. ولذا يظل الاعتزاز بتاريخنا هو السبيل للانتماء والولاء.

انتصار 6 أكتوبر هو نموذج عملى لتحقيق الوطنية المصرية. هذه الوطنية التى شارك فى تحقيقها حينذاك كل مواطن بغض النظر عن انتمائه الدينى والسياسى فى مقابل الحفاظ على الكرامة الوطنية والشخصية المصرية. والأمثلة عديدة على تأكيد ما سبق، ويظل باقى زكى يوسف «محطم خط بارليف» وفؤاد عزيز غالى «رجل المهام..» من النماذج الوطنية المشرفة التى عرفنا بطولاتهما الحقيقية خلال السنوات القليلة الماضية. وهو ما يجعلنى أتذكر ما كتبته قبل ذلك عن أن هتاف «الله أكبر» الذى صاحب اقتحام وعبور خط بارليف لم يكن مجرد كلمات ذات دلالة لها مرجعية دينية إسلامية بقدر ما كانت كلمات تلقائية.. ترددت تزامنًا مع استرداد أرض سيناء من جانب، واستعادة الكرامة الوطنية من جانب آخر.

محطم أسطورة بارليف..

واجه الضابط المهندس باقى زكى يوسف مشكلة القضاء على «خط بارليف» ذلك الساتر الترابى الضخم الذى شيدته إسرائيل بعد نكسة 5 يونيو 1967، وكانت تروج له باعتباره أقوى خط دفاعى محصن فى التاريخ العسكرى المعاصر.. بارتفاع 7 أدوار وعرض 4 أدوار. وذلك بهدف فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر، وقبل ذلك.. بث روح الإحباط واليأس بين صفوف القوات المسلحة المصرية.

كانت الأسئلة الشائعة قبل انتصار 6 أكتوبر 73 هى: كيف سيتم التعامل مع هذا الساتر الضخم؟ وهل يمكن هدمه من الأصل؟ وكيف سيعبر الجنود المصريون ضفة القناة؟ الملاحظة المهمة هنا، أن مجرد طرح تلك الأسئلة وتداولها بهذا الشكل.. لا يوحى فقط بقوته من جانب، واستحالة عبوره واقتحامه من جانب آخر. بل يرسخ أسطورة ذهنية وهمية أنه الساتر الذى لا يهزم حسبما أرادت إسرائيل أن ترسخ فى العقلية المصرية والدولية.

شارك باقى زكى يوسف فى العديد من الاجتماعات لمناقشة أفكار اقتحام خط بارليف، وانزعج جدًا من نتائج بعض تلك الأفكار التى يمكن أن ينتج عنها إصابة أو استشهاد العديد من الجنود. ولذا قدم اختراعه وهو يبلغ من العمر 35 عامًا استلهامًا مما تم فى بناء السد العالى، حيث كان ضمن الضباط المهندسين الذين قاموا ببنائه. وطرح فكرة استخدام خراطيم المياه التى تضخ فيها الطلمبات مياه قناة السويس بقوة وكثافة تتسبب فى انهيار الساتر الترابى حسب العرض والعمق المحسوب لفتح ثغرات تسمح بعبور الآليات العسكرية من مدرعات ومركبات إلى أرض سيناء. وعندما عرضت الفكرة على الرئيس جمال عبدالناصر خلال اجتماعه بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة.. قرر تجربتها فى شهر سبتمبر 1969، واستمرت التجارب وخطط التطوير حتى وصلت ما يقرب من 300 تجربة لإقرارها وتنفيذها للوصول للحظة النصر. 

رجل المهام..

وصل فؤاد عزيز غالى إلى تولى أعلى المناصب فى فترة مهمة من تاريخ مصر. فصعد سلم التميز من بدايته كقائد لفصيلة وفرقة وجيش ميدانى، ومرورًا برئاسة أحد هيئات القوات المسلحة ثم مساعدًا لوزير الدفاع، وصولًا إلى توليه منصب محافظ جنوب سيناء.

بدأ فؤاد عزيز غالى حياته العسكرية بأن شارك فى حرب 1948، وفى التصدى للعدوان الثلاثى سنة 1956. وذهب إلى العمل بالوحدات القتالية فى سوريا ضمن أوائل القادة العسكريين الذين ذهبوا إلى هناك فى الفترة بين 1958 و1961. وكان ضمن أوائل القادة الذين ذهبوا إلى اليمن سنة 1962 لمساندة نظام الحكم الجمهورى.

تولى فؤاد عزيز غالى رئاسة أركان إحدى فرق المشاة سنة 1969، ثم تولى قيادة الفرقة 18 مشاة التى قامت بتحرير مدينة القنطرة شرق فى 8 أكتوبر سنة 1973. وبعد انتهاء فترة حرب أكتوبر، تم تعيين اللواء فؤاد عزيز غالى قائدًا للجيش الميدانى الثانى فى 12 ديسمبر سنة 1973. وفى نهاية سنة 1977 عين مساعدًا لوزير الدفاع ورئيسًا لهيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة. وفى سنة 1980 قام الرئيس الراحل أنور السادات بتعيينه محافظًا لجنوب سيناء حتى نهاية سنة 1982، وهى الفترة التى شهدت الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.

قام فؤاد عزيز غالى خلال توليه منصب محافظ جنوب سيناء بدور كبير فى بناء وتشكيل ملامح المحافظة الجديدة من خلال إعداد وتنفيذ خطة شاملة اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا لتنمية المحافظة التى شهدت كل هذا التطور بعد ذلك إلى أن وصلت الآن بعد الجهود التراكمية للمحافظين من بعد فؤاد عزيز غالى لأن تصبح فى صدارة حركة السياحة المصرية.

يعود الفضل فى تسجيل تلك المعلومات إلى كتاب (الفريق فؤاد عزيز غالى.. بطل الحرب والتنمية) الذى كتبه اللواء د.جمال مظلوم، والذى صدر منذ عدة سنوات عن مجلة الإذاعة والتليفزيون. وأنقل هنا ملاحظة هامة كتبها د.جمال مظلوم.. يقول فيها أنه قد خدم تحت القيادة المباشرة للفريق فؤاد عزيز غالى عام 1977، وكان وقتها قائدًا للجيش الميدانى الثانى بمعسكر الجلاء عند مدخل مدينة الإسماعيلية. وأنه يقر أنه مهما قيل عنه من إنجازات وصفات متميزة.. فالحقيقة أكثر بكثير مما كتب، وتعجز الألفاظ والكتابة عن إيفائه حقه فى الجهد والوفاء والولاء والوطنية وفى حبه لمصر ولإعلاء اسمها عاليًا خفاقًا.

كان اختيار فؤاد عزيز غالى الجندى المقاتل المصرى كواحد من قادة الفرق الرئيسية بالجيش المصرى هو دلالة واضحة على أنه لا تأثير لاختلاف الديانة على وحدة القوات المسلحة والشعب المصرى.. وهى النماذج التى افتقدنا لسنوات طويلة معرفتها فى ظل سيطرة الفاشية الدينية على الفكر المصرى. 

بالمناسبة، الفريق فؤاد عزيز غالى هو مواطن مصرى من أبناء هذا الوطن.. ولم يقل أحد أنه ضيفً على مصر؛ بل تم تكريمه كبطل ومقاتل مصرى قبل أى شىء آخر.

العرض العسكرى..

أتذكر دائمًا ما قبل سنة 1981 حينما كانت البلد تحتفل بانتصارات أكتوبر العظيمة من خلال عروض عسكرية مبهرة.. تستعرض فيها قواتنا المسلحة الجديد المتطور مما امتلكته، كما تستعرض فيها قواتنا قدراتها القتالية وتدريباتها العسكرية المتقدمة. فضلًا عن عروض السماء الاحترافية لقواتنا الجوية، والتى كان الجميع ينتظرها ليراها وهى ترسم ملامح النصر فى عنان السماء.

كان لتلك العروض تأثير إيجابي علينا صغارًا وكبارًا. وهو أمر يعود بشكل مباشر إلى أثر تلك العروض العسكرية فى رسم صورة ذهنية تؤكد منطق الشعور بالقوة والفخر بعد الانكسار والخذلان والهزيمة. ولكن سرعان ما تم وقفها مع اغتيال الرئيس أنور السادات. وإن كان عاد بريق مثل تلك العروض من خلال الاحتفال المبهر الذى قامت به القوات الجوية أثناء افتتاح قناة السويس الجديدة.

نحتاج إلى إعادة تنشيط ذاكرتنا الجمعية الوطنية لكى لا يصبح الاحتفال بانتصارات 6 أكتوبر بمثابة النغمة التى نرددها دون هدف أو معنى على غرار حديثنا على اعتبار كوننا من أصحاب حضارة السبعة آلاف عام.. تلك الحضارة التى طالما أهملناها تدريجيًا.. وكأنها ملك لغيرنا الذى يدرسها، بل يقدسها دون أى مبالغة.. حتى استعدناها مرة أخرى بعد ثورة 30 يونيو، واهتمام الدولة المصرية بتاريخنا المشرف أمام العالم كله باعتباره تراثا حضاريا إنسانيا مصريا.

نحتاج إلى تنشيط ذاكرتنا الجمعية والوطنية.. كنوع من إعادة الثقة فى أنفسنا وفى مجتمعنا، وقبل ذلك كله فى وطننا مصر. وهو أمر لا يحتاج إلى رجال سياسة وتاريخ ومؤرخين؛ بقدر ما يحتاج إلى مفكرين ومثقفين حقيقيين.. لديهم القدرة على تحديد ملامحنا الوطنية التى نريد أن نكون عليها.

نقطة ومن أول السطر..

6 أكتوبر مجد وطنى وفخر مصرى..

دعونا نكتب تاريخنا بالفكر والدراما.. حتى لا يكتبه غيرنا..

دعونا نوثق تاريخنا بالكتب والدراما.. حتى لا يشوه غيرنا ويوظفه حسب مصلحته..

لا تزال انتصارات أكتوبر تحمل فى خزائنها أسرارا من البطولات التى نحتاج لمعرفتها.

السياسة هى فن الممكن.. أما 6 أكتوبر فهى تحقيق المستحيل.