الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. 10 أمنيات للحفاظ على ثالث أكبر أرشيف وطنى عالمى على ضفاف النيل.. فى سبيل إنقاذ تاريخ الجالية اليونانية فى مصر!

مصر أولا.. 10 أمنيات للحفاظ على ثالث أكبر أرشيف وطنى عالمى على ضفاف النيل.. فى سبيل إنقاذ تاريخ الجالية اليونانية فى مصر!

تتميز الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية باعتبارها ثالث أكبر أرشيف وطنى مصنَّف على مستوى العالم بعد بريطانيا وتركيا، كما أنها أول مكتبة وطنية مصرية حيث تمتلك أكثر من 120 مليون وثيقة بدار الوثائق، وأكثر من 60 ألف مخطوطة من غير تكرار بدار الكتب.



وبذلك، تمتلك مصر كنزًا معلوماتيًا وتاريخيًا ومعرفيًا لا يقدر بثمن.. لأنه فى كل الأحوال ليس تاريخنا فقط، بل جزء من تاريخ الحضارة الإنسانية.

 صائد الوثائق

من المنطلق السابق، تتبعت باهتمام شديد ما أعلنه مكرم سلامة (أحد أهم وأشهر جامعى الوثائق والأرشيفات المهمة والمتخصصة فى مصر والعالم العربى) على الفيسبوك.. حينما أفصح عن نيته ببيع كل ما يملك من وثائق وأرشيف نادر جمعهما على مدار 50 سنة للسينما المصرية من كل محافظات مصر حتى تحولت مقتنياته إلى جزء من ذاكرة مصر التاريخية لما تحتويه من وثائق بخط يد أصحابها وصور نادرة لرؤساء مصر السابقين، والعديد من الصور التى تعبر عن مشاهد الحياة اليومية لكبار مصورى الفوتوغرافيا اليونانيين والأرمن والإيطاليين.. اضطر مكرم سلامة إلى اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعى بعدما تجاهل المسئولون بوزارة الثقافة التواصل معه رغم تحذيراته من ضياع تاريخ مصر بسبب عدم الحرص على اقتناء تاريخ السينما المصرية. والذى يحتوى على أرشيف مقدر بحوالى أكثر من 30000 أفيش لـ 600 فيلم قديم، و60 ألف فيلم وثائقى لفترات زمنية مختلفة، وما يقرب من 50 آلة عرض سينمائى 8 مللى و16 مللى. كما يحتوى أرشيفه على العقود الأصلية بخط أصحابها للأفلام والتوزيع الداخلى والخارجى فى جميع دول العالم، ومستندات تكاليف الإنتاج، وإيصالات أجور الفنانين (منهم: أنور وجدى وفاتن حمامة وعمر الشريف ورشدى أباظة وهند رستم وشادية ومحمد فوزى)، والعديد من النيجاتيف الأصلى للأفلام. وأكثر من نصف مليون نيجاتيف صور على مدار سنوات طويلة، كما يملك أرشيفًا تاريخيًا محترمًا لمجلات «المصور» و«آخر ساعة». 

 تاريخ الجالية اليونانية

الطريف، أن مكرم سلامة يمتلك تاريخ الجالية اليونانية فى مصر، والتى تعد من أهم الجاليات الأجنبية وأكبرها على الإطلاق حتى سنوات قريبة. وهو أرشيف متنوع يضم جرائد ومجلات وكتبًا باللغة اليونانية يعود بعضها إلى 140 سنة مضت منذ عام 1883م. بالإضافة إلى نيجاتيف صور نادرة لعائلات يونانية تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حتى عام 1930 تقريبًا. وأيضًا صورًا لجمعية الكشافة اليونانية. ويحسب لمكرم سلامة أنه قد استطاع إنقاذ جزء لا بأس به من هذا الأرشيف قبل أن يتم بيعه لأحد التجار لمصنع تدوير الأوراق. 

لم يلتفت أحد لدعوة مكرم سلامة الذى يخشى على ضياع مقتنياته. بل وصل الأمر إلى استعداده لبيع ذلك الأرشيف مقابل مبلغ مالى زهيد لا يتجاوز تكلفة الضيافة والبدلات لعقد اجتماعين يضمان قيادات وزارة الثقافة. وصل الأمر إلى وزيرة الثقافة فى شهر سبتمبر 2022، ولم يتم اتخاذ أى خطوة إلى الآن. ولقد كنت أتمنى أن تقوم الوزيرة لكونها ليست المعنية المباشرة بالأمر.. بتحويل الموضوع بشكل سريع للأهمية إلى الجهة المتخصصة المنوط بها الاهتمام بهذا الأمر، وهى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق، والتى من المفترض أن يقوم رئيسها بتشكيل لجنة فورية من خبراء ومتخصصى إدارات الوثائق والمخطوطات والمقتنيات لفحص ذلك الأرشيف وتقييمه، ثم التفاوض على شرائه من خلال إدارة المقتنيات.

ولذا أعتقد أن مسئولية الحفاظ على هذا الأرشيف هى مسئولية وزارة الثقافة بالدرجة الأولى دون تبرير أى شكل من أشكال التقاعس بسبب شيوع مسئولية الحفاظ عليها. وربما يكون تنسيق وزارة الثقافة مع مكتبة الإسكندرية أحد سيناريوهات الحل للحفاظ على هذا الكنز الثقافى، أو بأى سيناريو آخر مناسب واستثنائى قبل ضياع هذا الأرشيف المهم. 

بعيدًا عن الاهمال والفشل فى الحفاظ على التراث.. أليس هذا الأرشيف هو تراث وطنى له قيمة. 

النقل أم التطوير

تابعت باهتمام شديد البيان المجهل الذى نشر على السوشيال ميديا بشأن نقل الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية والهيئة العامة المصرية للكتاب، وإخلاء مقراتها على كورنيش النيل. وهو ما أزعج المثقفين والمفكرين.

والحقيقة أن التعليق على هذا البيان بغض النظر عن صحته، يتحدد فى إشكاليتين لا ثالث لهما. أولاهما أنه إذا كان الحفاظ على تلك المؤسسات الثقافية مرتبطًا بالمكان، فعلينا إذن تطويره بالشكل الذى يليق بأهميته، وهو ما ينطبق على دار الوثائق ودار الكتب وهيئة الكتاب. بدلًا من تركهما هكذا حتى تحولتا إلى نموذج عملى للبيروقراطية الروتينية البعيدة تمامًا عن منظومة العمل الثقافى والمعرفى، بل ومعوقة له.

ثانية هذه الإشكاليات، هو قرار نقلهما، وهو ليس استثناء.. فقد تغير مكان بعضهما أكثر من مرة. ولكن الأهم هو حيثيات النقل، وما إذا كان سيحقق التطور المأمول ورقمنة تلك المؤسسات الثقافية للحفاظ على مقتنياتها من جهة، وإتاحتها للمفكرين والمثقفين والباحثين والدارسين وفق القواعد الأكاديمية المعمول بها.. دون إعاقتهم بالمنع والحظر من جهة أخرى. فضلًا عن خطورة الرطوبة على الوثائق النادرة. 

دار الوثائق ودار الكتب وهيئة الكتاب نموذج لمبدأ الاستثمار الثقافى.. الذى يجعل مقتنيات ومحتوى تلك المؤسسات أحد مصادر الدخل لوزارة الثقافة فى حالة إذا كانت هناك رؤية حقيقية لمستقبل الثقافة فى مصر.

أمنيات وسؤالان..

1 - عودة النظام (السيستم) الإلكترونى للبحث الداخلى بدار الكتب المصرية للعمل بعد توقفه عن العمل منذ شهور طويلة.. وتوقف العمل بالبحث اليدوى سوى كبديل عن النظام الرقمى للبحث. واستمرار هذا الحال هو كارثة وطنية.

2 - إحياء مشروع د. زين عبدالهادى (رئيس مجلس إدارة الهيئة الأسبق خلال الفترة بين 2011 و2012) بتحويل الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية لبيت خبرة مصرى عالمى من خلال إنشاء معهد الترميم ومعهد الوثائق ومعهد الرقمنة.

3 -  تبنى دعوة ضم المكتبات البلدية فى جميع المحافظات لدار الكتب التى تعتبر ذاكرة الدولة المصرية الحقيقية، لتضم تلك المكتبات وثائق وقرارات ومجالس اجتماعات المحافظات وخرائطها. والتى من الأهمية أن تشرف عليها دار الكتب لتكون بمثابة فروعٍ لها مرقمنة ومنظمة.

4 - تشجيع عودة المشروعات العلمية التى وصلت لأكثر من 30 مشروعًا خلال الفترة من 2011 إلى 2016، على غرار: مشروع مؤسسة البيان لترقيم المخطوطات، ومشروع ناصر، ومشروع كوبا، ومشروع تذهيب المصحف المملوكى. والتى توقفت الآن تمامًا لأسباب غير معلومة أو مفهومة.

5 - الحرص على الإعلان عن نتائج ومخرجات «مشروع الوصف الصوتى للمخطوطات» بدار الوثائق الذى تم بالتعاون مع شركة IBM ووزارة الاتصالات فى عهد عبدالواحد النبوى (وزير الثقافة فيما بعد).

6 - الاستفادة من المكتبة الصوتية التى تضم آلافًا من التسجيلات النادرة والأسطوانات القديمة بالتخطيط لمشروع تحديثها باعتبارها مكتبة موسيقية تاريخية وعالمية.

7 - الاستفادة من وجود خبراء وعلماء وأكاديميين فى الهيئة، والذى يقدر البعض عددهم بأكثر من 40 من حملة الماجستير والدكتوراه، وعدم التعامل معهم باعتبارهم موظفين حكوميين يخضعون لقواعد الحضور والانصراف الذى يكرس البيروقراطية، ويقتل فيهم شغف البحث والدراسة والابتكار. 

8 - إعداد لائحة إدارية ومالية جديدة للعاملين بالهيئة بدلًا من الحالية التى تطبق منذ سنة 1966 وإلى يومنا هذا.. دون تحديث وتطوير لمواكبة التطورات والمتغيرات حفاظًا على هؤلاء الباحثين والخبراء.

9 - الفصل فى المرور الداخلى بين كل من الهيئة المصرية العامة للكتاب والهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية.. اللتين تشتركان معًا فى مبنى واحد ضخم لضمان التأمين والحفظ لهذا الكنز التاريخى الضخم.

10 - إعادة النظر فى نظام الفهرسة الموجودة حاليًا لما يزيد على 120 مليون وثيقة تمتلكها دار الوثائق.. باعتبارها مادة خام للباحثين والدارسين.

سؤال: لمصلحة من توقف تسجيل الترقيم الدولى بسبب عدم دفع الاشتراك السنوى الذى لم يتجاوز 1500 يويو سنويًا؟! ولصالح من.. يتم إضعاف مؤسساتنا وهيئاتنا الثقافية؟!

سؤال ساذج: لماذا لم تحتفل وزارة الثقافة سنة 2020 بمرور 150 عامًا على إنشاء دار الكتب رغم احتفالنا سنة 2010 بمرور 140 سنة على تأسيسها؟!

نقطة ومن أول السطر..

لماذا لا نزال كالعادة المصرية الأصيلة فى الإدارة والبيروقراطية نتبع قاعدة أنه طالما رحل المسئول صاحب الفكرة، ترحل جميع الملفات معه دون الاستكمال عليه بشكل تراكمى للصالح العام؟!

أين الاستثمار الثقافى؟ ومتى نهتم به؟ ومتى تدعم وزارة الثقافة التشريعات والقوانين الخاصة بتفعيل العمل الثقافى وحيويته؟

الثقافة والمعرفة هى الحل! ولكن أين وزارة الثقافة؟!