الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. مصير الآلهة

الحقيقة مبدأ.. مصير الآلهة

كثيرة هى مَلاحم العالم القديم التى تتحدث عن حروب الآلهة فيما بين بعضها البعض، فمنذ معركة ست وحورس على أرض مصر ومرورًا بحروب زيوس ضد كروموسوم فى بلاد اليونان وصولاً إلى ثور الذى أراد أن يحمى البشر من بطش لوكى وفقًا للأسطورة النوردية.. كانت الإنسانية دومًا هى الرابح النهائى بصرف النظر عن نتيجة الحرب ومصير كل أولئك الآلهة!



 

 صغير يحبو أَمْ حلم يتحقق؟!

لم يكن فى تصورات المصرفى الشهير فى بنك جولدن مان ساكس «چيم أونيل» أن يصل هذا التجمع الاقتصادى الوليد لمجموعة من الدول (البرازيل، روسيا، الهند والصين ثم جنوب إفريقيا فيما بعد) لأن يكون هو التجمع الاقتصادى الأكثر جاذبية وقبولاً فى العالم، وتسعى بحماس لا يفتر أكثر من 22 دولة منها 7 دول عربية للانضمام للبريكس، فخلال ما يقرب من 22 عامًا منذ أن كان التجمع مجرد فكرة استطاعت اقتصاديات الدول المؤسّسة إضافة إلى حيوية تأثيرها السياسى أن تتحول ليس فقط إلى طوق نجاة للدول النامية أو الاقتصادات الناشئة؛ بل أن يتحول هذا التجمع الاقتصادى إلى حلم كبير يهدف إلى تحرير أغلب شعوب العالم من هيمنة الدولار الأمريكى الذى طالما تم استخدامه باعتباره أداة تأديب أو تعذيب لكل مَن يخالف واشنطن!

 لماذا البريكس؟ 

يُعتبر تجمع «البريكس» فرصة للتكامل المفتوح والمتنوع فى الاقتصاد العالمى وتعزيز تبادل الممارسات الجيدة والتكامل الاقتصادى لاقتصادات الدول النامية، ومن المرجح أن يتجاوز تجمع «بريكس» حدود دول أكثر بعد طرح فكرة التوسع فى هذا التجمع من خلال انضمام دول أخرى له؛ مما سيخلق منصة جديدة للتعاون بين البلدان عبر القارات المختلفة. كما يمكن أن يؤدى التعاون بين دائرة الشركاء الجُدُد لدول البريكس إلى توسيع استخدام العملات الوطنية ليشمل الاستثمارات الخارجية والتجارة الثنائية والمتعددة الأطراف، وبالتالى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكى الذى انخفضت معدلات الاعتماد عليه فى التجارة الدولية خلال السنوات الأربع الماضية من 66 % إلى 58 %، هذا فى إطار أن التجمع كان مؤلفًا من خَمس دول فقط- ماذا بعد انضمام ست دول جُدُد- ومن المتوقع أيضًا أن يعزز التجمع الجديد التنسيق بين الدول النامية فى الشئون الدولية، فمع انضمام المزيد من البلدان ستزداد حصة التصويت الموحدة لتلك البلدان فى صندوق النقد الدولى، وهو ما سيمكن التجمع من أن يكون له صوت أكبر فى قرارات صندوق النقد الدولى. 

ولا يجب أن ننظر للبريكس دون أن ننظر على مجموعة من الأرقام والنسب المئوية الدالة على قوة هذا التجمع الذى يضم الآن السعودية صاحبة المركز الثانى فى إنتاج البترول وروسيا صاحبة المركز الثالث ثم الصين والإمارات العربية وإيران فى المراكز السادس والسابع والثامن وأخيرًا البرازيل فى المركز العاشر، إضافة لباقى الدول الأعضاء يصبح تجمع البريكس هو صاحب النصيب الأكبر من إنتاج النفط العالمى بنسبة 80 ٪، وهو ما لا يشكل خطرًا فى الوقت الحالى وإن كان يعطى المجموع قدرات سياسية أوسع بداية من يناير 2024 ولا بُدّ أن يشكل تهديدًا حقيقيًا للورقة الخضراء فى حال اعتمدت الدول الأعضاء أن تكون مبيعات البترول فيما بينها بالعملات المحلية وليس الدولار الأمريكى، كذا هو الحال عندما ننظر إلى إسهام الدول الخَمس المؤسّسة للبريكس فى الناتج القومى العالمى والذى وصل إلى 31.5 % متخطية بذلك مجموعة السبعة الكبار الذين لم يتخط إسهامهم 30 % فقط، أمّا بعد انضمام الدول السّت الجديدة بناتج إجمالى نحو 3.24 تريليون دولار (مصر 476 مليار دولار، الإمارات 507 مليارات دولار، السعودية 1.1 تريليون دولار، الأرجنتين 632 مليار دولار، وإيران وإثيوبيا 388 مليار دولار و126 مليار دولار على الترتيب) بنسبة 3.2 % من الناتج العالمى، يزيد من حجم الناتج المحلى لدول المجموعة ليصل إلى 34.7 %. 

إضافة إلى الأهمية الچيوسياسية الكبرى لمصر والتى من خلالها تستطيع دول المجموعة أن تدفع بالمزيد من الاستثمارات المباشرة لمصر مع إيجاد ميزات نسبية لها عند مرور تجارتها فى قناة السويس، مع الوضع فى الاعتبار أن مصر أصبحت لاعبًا رئيسيًا فى مجال إنتاج الطاقة الخضراء والغاز الطبيعى، مما يزيد من فرص اعتماد المجموعة عليها لتوسيع قواعدها الصناعية من جهة ولزيادة نفوذ مصر السياسى من جهة أخرى، مما يؤثر بشكل إيجابى أيضًا على قدرات مجموعة البريكس.

بطبيعة الحال؛ فإن أى حديث حول «البريكس» يتمحور فى أغلبه حول الاقتصاد وفى بعضه حول الدور السياسى للمجموعة؛ إلا أن القدرات العسكرية للمجموعة يجب ألا تُغفل؛ خصوصًا أن مجموعة البريكس آجلاً أو عاجلاً قد تضطر للتكشير عن أنيابها حماية لمصالحها الاقتصادية، وهو ما يفترض أن دول الشمال والغرب تضعه فى الحسبان؛ خصوصًا أن البريكس الآن تمتلك قدرات عسكرية مصنفة من ضمن أقوى 30 جيشًا فى العالم الصين، روسيا، الهند، مصر، البرازيل، إيران والسعودية، ومن بينها ثلاث دول نووية بشكل معلن وهى روسيا والصين والهند.

 إقبال شديد وتخوفات غربية

تتسابق دول العالم النامى للحصول على عضوية البريكس، بينما يسيطر قلق لا بُدّ منه على لندن وواشنطن.. اعتادت العاصمتان فرض الشروط ولَىّ الذراع والتعامل مع العالم باعتباره مجرد حديقة خلفية، فى حين أن مجموعة البريكس تعتمد فى جاذبيتها على عدة عوامل: 1 - عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وهذا خلاف ما تقوم به الولايات المتحدة، والدول الغربية التى تضع الكثير من الشروط لبناء الشراكات الاقتصادية والأمنية، وتقدم واشنطن ولندن وبقية شركائهم الغربيين أنفسهم كحارس للقيم الإنسانية، وهو محض كذب بالنظر لما سبق أن اقترفوه من حرائق فى العراق ولفيتنام وأفغانستان وكل القارة الإفريقية والأمريكتين من إبادة وتطهير عِرقى وحتى الآن من تجاهُل للمذابح الصهيونية تجاه الشعب الفلسطينى، وحين ننظر إلى الخطاب السياسى للبريكس نرى أن هناك منظومة قيمية واقعية وعادلة تقوم على الحفاظ على «الدولة الوطنية»، و«المؤسّسات القومية»، واحترام « النمط التنموى» للدول الأخرى؛ بل إن العلاقة بين دول البريكس قائمة على أساس «الربح للجميع»، والدعم المتبادل خلال فترة الأزمات، وهو ما يجسّده صندوق التحوط التابع للمجموعة.

2 - ترفض البريكس كل الأدوات الغربية للتأثير على مواقف الدول والشعوب، ولهذا تناهض البريكس الأدوات الغربية فى التدخل فى الشئون الداخلية مثل الثورات الملونة، وأدوات التأثير من «الجيل الخامس»، والترويج للتغيُّر بالقوة الخشنة أو الناعمة؛ بل تشجع البريكس على احترام خيارات الدول والشعوب؛ بل ربط هذه المبادئ القائمة على احترام البريكس للمؤسّسات الوطنية والعمل معها والسعى لتفعيلها.

 خلاصات 

بَعد شتاء قارس عانى منه العالم طيلة أعوام الكورونا والحرب قد يستحق البشر ولو شيئًا من الراحة، ولكن لن تأتى هذه الاستراحة الكبرى دون مواجهة أكبر تقف فيها هذه الآلهة لأجل معركة ستغير وجه الاقتصاد العالمى والموازين السياسية والأثقال العسكرية أيضًا، لن ينهار الدولار كما يظن أو يحب البعض؛ ولكن الأكيد أنه لن يعود إلى وضعه الحالى ولا عهده السابق.. لم تبدأ المعركة بَعد ولكنها آتية.