الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
سجدة  «أسيسات أوشوالا»

سجدة «أسيسات أوشوالا»

أحرزت «أسيسات أوشوالا» لاعبة منتخب نيجيريا لكرة القدم النسائية هدفًا فى مرمى المنتخب الأسترالى خلال مباراة الفريقين فى بطولة كأس العالم التى تقام حاليا فى أستراليا ونيوزيلندا، ولم تتمالك اللاعبة نفسها من الفرحة فخلعت الـ«تيشرت» كما يفعل كثيرون من لاعبى كرة القدم واحتفلت مع زميلاتها ثم سجدت شكرًا لله، وعقب انتشار صورتها والفيديو الذى يحمل اللقطة اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى ما بين ساخر وغاضب وشاتم وثائر، وجميعهم أعطوا أنفسهم حق المحاكمة وإصدار الأحكام والسب واللعن، ما عدا أقلية ناقشت ما حدث بعقلانية وهدوء، الغاضبون الثائرون كلهم بالطبع من المسلمين الغيورين على دينهم كما يبدو من كتاباتهم وتعليقاتهم والتى أقل ما فيها قولهم «أنها مش مسلمة» و«تقلد محمد صلاح دون وعى»، «ده الإيمان المعاصر اللى عايزينه فى أوروبا»، «ما فعلته استهزاء بالله»، «مستحيل تكون مسلمة»، «دى مسيحية والمسيحية فيها سجود»، «أمر يستوجب التوبة إذا كانت مسلمة»، «اللهم نبرأ إليك من فعلتها»، بخلاف ذلك التنمر عليها والسخرية من لون بشرتها مثل «دى راجل مش ست»، وهكذا أخرجوها من ملتها وجعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين معهم مفتاح الجنة والإيمان يسمحون لمن يريدون بالدخول ويمنعون من لا يروقهم تصرفاته أو لا تعجبهم أفكاره، يحكمون بالظاهر والشكل ويتركون الجوهر، اللاعبة النيجيرية مسلمة ومشهورة وتلعب فى فريق برشلونة للسيدات وهى قائدة المنتخب النيجيرى وفازت بجائزة أفضل لاعبة إفريقية أربع مرات وأفضل لاعبة كرة قدم فى العالم عام 2015، ولعل ما تعرضت له «أسيسات» يذكرنا بما حدث مع بطلتنا «بسنت حميدة» بطلة ألعاب القوى والتى تعرضت لنفس الهجوم عندما فازت بالميدالية الذهبية فى سباق 100 متر عدوًا فى دورة ألعاب البحر المتوسط العام الماضى، وسجدت شكرًا لله، وقام أصحاب نفس الأفكار بحملة ضدها تستنكر أن تسجد وهى ترتدى شورت، ووجهوا لها نفس الاتهامات وطالت الشتائم زوجها لأنه سمح لها باللعب بملابس غير لائقة من وجهة نظرهم رغم أنها ملابس متعارف عليها فى ألعاب القوى ومن المؤكد أنها لا تثير أحدًا إلا أصحاب النفوس الضعيفة والعقول المريضة، ولا أدرى لماذا يفرح أصحاب العقول الضيقة بسجود اللاعبين ويعتبرونه أمرًا جيدًا رغم أنهم يرتدون شورت فوق الركبة، وهو بالطبع لا يصلح للصلاة به فحسب قواعد الفقه «العورة ما بين السرة والركبتين» فى حين أنهم يغضبون لأن لاعبة سجدت بنفس «الشورت»، نعم الصلاة لها ضوابط فى الملابس عند أدائها وهى موجودة فى كل الأديان، ولكن الصلاة تختلف عن الاحتفالات، بل إن سجدة الشكر تجوز دون طهارة ووضوء حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء المعتبرين وهو ما ذكرته دار الإفتاء المصرية فى موقعها الرسمى وهناك قول لبعض الفقهاء «سجدة الشكر كأنها تسبيح ومن هنا لا يلزمها الطهارة واستقبال القبلة».



ما حدث فى الواقعتين يكشف كيف يرى بعض المسلمين دينهم وكيف يدعون إليه؟ فالغضب لدين الله لا يكون باتهامات مرسلة ولا باستباحة الأعراض ولا بتكفير من قام بتصرف لا يرونه مطابقًا لصحيح الدين من وجهة نظرهم رغم أن القرآن الكريم يقول «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن»، لا أدرى لماذا اعتبر هؤلاء أن اللاعبة النيجيرية غير مسلمة وعند آخرين أنها خارجة عن الدين؟، ولماذا لم يعتبرونها أخطأت دون قصد أو أنها تجهل بعض الأمور الدينية، ولماذا لم يطبقوا القاعدة الفقهية التى نادى بها الإمام جعفر بن محمد الصادق «التمس لأخيك سبعين عذرًا فإن أصبته وإلا قل لعل له عذرًا لا أعرفه»، وهو الأمر الذى يتجاهله غلاظ القلوب الذين يبحثون عن الإدانة فقط ويوصمون الإسلام بالقساوة والغلظة رغم أنه دين الرحمة والسماحة.

لقد عبرت اللاعبة النيجيرية بعفوية عن فرحتها ومن المؤكد أنها لا تقصد إهانة الإسلام أو التجنى على الله كما قالت بعض التعليقات، بل توجهت بالشكر إلى الله وهو ما يعنى أنها مؤمنة ومتدينة، لقد كان من الواجب لفت نظرها بالحكمة وإذا كان هناك خطأ فهو على من لم يتوجه لأمثالها لتعليمها الدين الصحيح ويصحح لها المفاهيم وهؤلاء كثر فى إفريقيا ويحتاجون لمن يعلمهم ويفقههم، اللهم ارحمنا من المتنطعين الذين يجعلون من أنفسهم قضاة فى محاكم تفتيش ويتصورون أنهم يملكون صكوك الغفران والإيمان، وندعو بالدعاء المنسوب إلى الفخر الرازى والحسن البصرى وآخرين من العلماء «اللهم اعطنى إيمانًا كإيمان العوام».