السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. 100 سنة على ميلاد أهم باباوات القرن العشرين..  شنودة الثالث.. البابا الرمز!

مصر أولا.. 100 سنة على ميلاد أهم باباوات القرن العشرين.. شنودة الثالث.. البابا الرمز!

تحل هذه الأيام ذكرى مرور 100 سنة على مولد البابا شنودة الثالث فى 3 أغسطس 1923. والذى يعد واحدًا من أهم باباوات الكنيسة المصرية سواء لكاريزمته أو لتاريخه الذى ارتبط بالكنيسة فى علاقتها بالدولة.



يُعد البابا شنودة الثالث واحدًا من أكثر باباوات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية إثارة وجدلًا ليس فقط للمركز الدينى الذى تبوأه لما يزيد على 40 عامًا فحسب؛ بل لكونه أيضًا من المشاركين فى العديد من المواقف والأحداث التاريخية الهامة فى النصف الثانى من القرن العشرين.. فهو نتاج مناخ ما بعد ثورة 1919 بما تحمله من معانى الولاء والانتماء والمواقف السياسية الوطنية، وإلى النقيض لدرجة الحد الذى وصلت فيه العلاقات والأحداث إلى درجة الأزمة، مثلما حدث فى سبتمبر سنة 1981.

 البطل.. الكاريزما 

إذا كان هناك أفراد تصنعهم المؤسسات التى يتولون رئاستها لما لهذه المؤسسة من ثقل أو تأثير فى المجتمع، فإن الحال يختلف مع الراحل البابا شنودة الثالث الذى تولى رئاسة الكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. فأحدث فيها تحولًا جذريًا فى: آلية عملها الدينى «الروحى»، وتفاعلها مع المجتمع، وشكلها المؤسسى، ودورها على المستوى الداخلى «المحلى» والخارجى «العالمى».. مما زاد من أهمية الكنيسة ومكانتها فى المجتمع من جانب، وأعطى الكرسى البابوى للكنيسة المصرية هيبته بإضافة أبعاد أخرى جديدة له من جانب آخر. فضلًا على أن نظرة المسيحيين إلى شخص البابا – خاصة بعد تحديد إقامته فى الدير عام 1981 - هى رمز لنظرة الأمة للبطل.. كحالة استثنائية تتسم بقوة العقل وصلابة الإرادة والقدرة على استشراف المستقبل وتحديد الأولويات، كما أنه ليس صورة مكررة لأسلافه من الباباوات والبطاركة.. فهو نتاج لعقل يفكر قبل أى شيء.

كما أنه مع مرور الوقت وتنوُّع الخبرات وتراكمها.. تنامى حضور البابا شنودة الثالث بكاريزمته الشخصية التى كانت محل تقدير واضح من المجتمع له وللكنيسة.. كظاهرة تعبر عن سيادة النمط المصرى تاريخيًا، وسطوته على الأفراد وعلى المجتمع ككل فى آن واحد، غير أن بروز دور البابا بدرجة أكبر من دور الكنيسة كمؤسسة هو موضع النقاش ومحل الجدل الذى يثار بين الحين والآخر.. خاصة فى الحديث عن دور البابا شنودة الثالث تحديدًا مع كل توتر أو أزمة طائفية، أو فى اختزال التوتر فى شخصه وحده. وهو الأمر الذى جعل بعض رجال الكنيسة يعتبرون أن حملة الهجوم التى استهدفت البابا شنودة الثالث حينذاك هى جزء من مؤامرة تستهدف الكنيسة المصرية.

 بابا ورئيسان

ما سبق، يجعلنا فى حاجة ماسة لأن نعقد المقارنة بين البابا شنودة الثالث فى عهدى الرئيس أنور السادات والرئيس السابق حسنى مبارك من جانب، ونقارن بين الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك من جانب آخر. وهى مقارنة تقوم على تحليل لكافة ما سبق سواء من حيث المساحات المشتركة أو التمايزات والاختلافات.. وتكون البداية مع البابا شنودة الثالث الذى عاصر الرئيس أنور السادات والرئيس السابق حسنى مبارك.. فمن الملاحظ أن البابا شنودة الثالث فى عصر الرئيس السادات قد اتسم برد فعله السريع القائم على «عند» وصلابة الصحراء التى توحد فيها، وقضى فيها أسعد لحظات حياته حسبما أكد فى العديد من اللقاءات الإعلامية. كما أنه كان يغلق إلى حد ما قنوات الحوار مع الدولة، ويعتكف للصلاة. وإن كان فى الوقت نفسه يتسم بقوة الشخصية وبعمق الرؤية فى تحليل الأمور من خلال التوازنات السياسية المطلوبة التى حافظت على عدم وجود قطيعة بين الكنيسة والدولة رغم وصول الأزمة إلى ذروتها. 

أما فى عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك فقد تطور أداء البابا شنودة الثالث من خلال خبرة السنوات بوجه عام، وخبرة سبتمبر 1981 بوجه خاص.. فى التعامل مع القضايا الطائفية بالهدوء وبالحكمة التى تعجل بحل الأمور، وليس بتعقيدها وتصعيدها. وإن كان يعتكف فى الأزمات الشديدة، من أهمها: أزمة وفاء قسطنطين فى 2 ديسمبر سنة 2004 أو أزمة العمرانية فى نهاية شهر نوفمبر سنة 2010. ولم يغلق باب الحوار للتواصل، وإيجاد الحلول مع الدولة لإنهاء الأزمة. 

 الزعيم والفرعون

وفى أى الأحوال، حافظ البابا شنودة الثالث كثيرًا على «هيبة» الكنيسة كمؤسسة دينية وروحية عريقة. وكان شديد الحرص على إيجاد الحلول فيما يتعلق بحدوث أى تجاوزات لحقوق المواطنين المصريين المسيحيين فى إطار منظومة الدولة المصرية، وليس من خارجها. كما أذكر أن البعض يحمل البابا شنودة الثالث مسئولية تجاوزات البعض القليل من المهاجرين المسيحيين المصريين فى أنه الذى يوجههم ويحركهم.. فى حين أنهم قد انتقدوه هو شخصيًا فى منشورات عديدة؛ وصلت إن أن تم تشبيهه فى صورة بفراعنة مصر فى إشارة إلى السلطة الدكتاتورية. كما إن المتتبع لنشاط المهاجرين المسيحيين المصريين.. يعلم جيدًا إن ما يحركهم بالأساس هو ثقافة الدول التى اغتربوا فيها منذ عشرات السنين.

وعلى الجانب الآخر، فإذا تناولنا شخصية الرئيس أنور السادات.. فهى تتسم بكونه سريع الغضب، كما أنه يستمع لمن حوله أكثر مما يعتمد على التقارير والمعلومات. كما أنه اختزل القضية برمتها فى شخص البابا شنودة الثالث وحده، وبالتبعية المواطنين المسيحيين المصريين. وهو ما جعله يقدم على العديد من الإجراءات التى ترتب عليها تأزم علاقة المواطنين المصريين المسيحيين بوطنهم.. قبل تأزم العلاقة الشخصية بين البابا شنودة الثالث والرئيس أنور السادات.

إنها العلاقة التى انتقلت من الاستقرار فى بدايتها إلى التوتر فى نهايتها. وفى ظنى أنه رغم المواقف المتبادلة (من فعل ورد فعل) والتى أدت إلى الحالة المتأزمة بين الكنيسة والدولة، فإن موقف الكنيسة من تحريم زيارة القدس منعًا لتطبيع العلاقات.. كان بمثابة تفاقم الأزمة حينذاك. وهو موقف يحسب للتوافق والتضامن الوطنى بقدر أكبر مما يحسب للمصالح السياسية. وأعتقد أن ما حدث، أيضًا، بين البابا شنودة الثالث والرئيس أنور السادات يعود إلى ما قام به البعض ومن بينهم بعض المواطنين المسيحيين المصريين وغيرهم بدرجات مختلفة فى تشويه العلاقة بينهما فى مرحلة سياسية حرجة من تاريخنا المعاصر. بالإضافة إلى ما سبق، فإن الرئيس أنور السادات لم يقم باتخاذ قرارات حاسمة فى المسألة الطائفية، وهو ما يأتى على النقيض من مواقف الرئيس السابق حسنى مبارك فيما بعد من هذه المسألة.

 البابا والرئيس..

أما عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.. فقد اتسم بالهدوء وعدم التسرع فى اتخاذ القرار الخاص بالأزمات والتوترات الطائفية. وإن كان البعض «يعيب» على هذا، فإنه قد ثبت نجاحه فيما يمس أمن هذا الوطن خارجيًا، وإخفاقه فى الحفاظ على العلاقات بين أبنائه داخليًا. وهو ما يعود إلى اتسامه بالروية والتأنى فى حل تلك القضايا، ونموذج ذلك الدال هو الخطوات المتسلسلة والمتدرجة فى قضية التأكيد على مدنية الدولة المصرية من خلال خطط الإصلاح السياسى التى توجت بتعديل نصوص المادة الأولى والمادة الخامسة من الدستور المصرى. وقد اتسمت قرارات الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى هذا الصدد بالحسم والحزم الذى يمنع الانفلات الأمنى والمجتمعى. وهو ما حدث فى الموقف من صحيفة «النبأ الوطني»، وتحويل الأمر للقضاء للفصل فيه سريعًا. وفى موقفه بعد ذلك من قضية «وفاء قسطنطين» الشهيرة بقضية زوجة الكاهن باتخاذ قرارات نافذة.. أغلقت بابًا كان يمكن أن يدخلنا فى مرحلة مختلفة من مراحل التوترات الطائفية البغيضة. ثم فى أحداث العمرانية الأكثر تعقيدًا واشتباكًا فيما بعد. فضلًا عن موقفه الأخير قبل التنحى من الجريمة الإرهابية بمدينة الإسكندرية فى الساعات الأولى من أول يناير سنة 2011.

وبعد أحداث 25 يناير 2011، اتسمت مواقف البابا شنودة الثالث بالحكمة البالغة لدرجة اتهامه بأنه ضد 25 يناير بسبب تأخيره فى إعلان موقف الكنيسة التى استشعرت دخول سيناريو الفوضى الخلاقة حيز التنفيذ، بل وصل الأمر إلى الهجوم من بعض الشباب المسيحى المصرى على البابا والكنيسة لعدم إعلان موقف واضح وسريع لدعم الثورة المزعومة التى لم تخرج عن حدود كونها أحداثًا للفوضى.. أصفها دائمًا بأحداث 25 يناير 2011.

 نقطة ومن أول السطر

تغيرت أنظمة الحكم ولكن تبقى الدولة المصرية مستمرة.. وتبقى الكنيسة المصرية كواحدة من أهم مؤسسات الدولة المصرية. تغيرت صياغة العلاقة من الشخصى فى عهد الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك إلى المؤسسى بعد ثورة 30 يونيو 2013. وهو ما يعنى العودة إلى ما يجب أن يكون فى شكل العلاقة التى شهدت نوعًا من الشد والجذب، والصعود والانكسار حسب كل نظام للحكم الجمهورى. تغيرت الأنظمة، ولكن ظل البقاء لشرعية الكنيسة.. مستمدًا من شرعية الدولة المصرية. ولا يمكن بالطبع مقارنة عهود الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات، ثم حسنى مبارك ببعض من جانب، وما بعد ثورة 30 يونيو من جانب آخر.. لأنه لا يمكن حساب الشرعية وفق قياس مدى اقتراب كل رئيس من سياسة سلفه ومنهجه فى التعامل مع المشكلات وحل الأزمات.