الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. لا .. لجلسات النصح والإرشاد، ولجلسات التهريج العرفى..  القومى لحقوق الإنسان.. طريق الدولة المدنية

مصر أولا.. لا .. لجلسات النصح والإرشاد، ولجلسات التهريج العرفى.. القومى لحقوق الإنسان.. طريق الدولة المدنية

اختفاء أى فتاة أو سيدة يمثل شكلاً من أشكال «العار» و«العزل» الاجتماعى، وكلما ظهرت المرأة على سطح الأحداث.. ارتبك المجتمع، وزادت النزعة الذكورية ضد المرأة. وفى الثقافة المصرية والعربية أيضًا ترتبط المرأة بالعديد من المفاهيم المرتكزة على الثقافة الذكورية الرجعية لها، وعلى سبيل المثال: الكرامة والشرف والعفة والطهارة فى مقابل العار والمهانة. وهو ما يجعلها محط الاهتمام الأول. وهو ما يعد استمرارًا.. لتكريس مسألة التمييز ضد المرأة. والتعامل معها بمنطق «التسليع» حتى فى الأزمات الطائفية فى تجاهل تام لشخصيتها وكرامتها ورأيها وقراراتها. 



 فتش عن المرأة

جاءت الكلمات السابقة ضمن سياق المقال الذى كتبته الأسبوع الماضى تحت عنوان (فتش عن المرأة فى حرية الدين والمعتقد.. عن الاختفاء والتحول الدينى.. لا لجلسات النصح والإرشاد!) بمجلة روزاليوسف فى 22 يوليو 2023 تعقيبًا على المقال الذى كتبه الصديق أسامة سلامة تحت عنوان (جلسات النصح والإرشاد لماذا لا تعود؟). وذلك على خلفية قضية اختفاء د. سالى نسيم (المعيدة بكلية طب أسوان).

ذكرت بوضوح أن ظاهرة اختفاء بعض الفتيات المسيحيات المصريات.. بعضهن «قاصر»، وبعضهن «بالغات رشيدات».. قد تكررت خلال الشهور الماضية. والثابت فى كل مثل هذه الحالات عدم توافر معلومات صحيحة ودقيقة، وما يترتب على ذلك الغموض من كوارث اجتماعية تلاحق عائلات تلك الفتيات المختفيات.. بداية من تجنب الحديث معهم والاختلاط بهم، مرورا بعدم الارتباط عائليًا بأبنائهم وبناتهم، وصولا للتلاسن عليهم ومعايرتهم بما حدث والاستهانة بفداحة ما حدث لهم. فضلاً عما يحدث على مواقع السوشيال ميديا من تأجيج منظم للطرفين المسيحى والإسلامى بالتحليل وإطلاق أحكام كل حسب وجهة نظره وفهمه مع افتراض عدم توافر حسن النية فى غالبيتها.

الدور المفقود

كتبت أننى أطالب منذ تأسيس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى عام 2004 بالقانون رقم 94 لسنة 2033 بأن الأفضل لضمان حرية العقيدة.. هو ترك أمر تغيير الدين والتحول من دين إلى دين للجنة تابعة للمجلس القومى لحقوق الإنسان، لحياد أعضائه. وللتأكد من عدم التعرض للإجبار والإكراه، وعلى أن يتم تنفيذ توصياته بشأن كل حالة على حدة طالما كان المتحول دينيًا راشدًا وكامل الأهلية، وهذا من شأنه التأكيد على كفالة «حرية العقيدة»، وعلى احترام رغبة المتحول دينيًا.. طالما كانت رغبته الشخصية الكاملة، ومع توافر وجود فرصة لعائلة المتحول دينيًا للتأكد من وجود رغبة حقيقية دون ضغوط أو تهديدات لتهدئة العائلات، بعيدًا عن وصمهم بما يمس الشرف والعار.

وبناء على نقاش دار بينى وبين الصديق أسامة سلامة لأهمية هذا الأمر. وصلنا إلى قناعات مشتركة بأن المجلس القومى لحقوق الإنسان له وظيفة محددة فيما يخص الحفاظ على منظومة حقوق الإنسان المصرى فى مجملها بما فيها «حرية العقيدة» و«حرية الاعتقاد». ومن الأولى أن تعقد جلسات التحول الدينى تحت مظلته باعتباره طرفًا محايدًا لا مصلحة له مباشرة سوى ترسيخ حقوق الإنسان، بل هو أهم مؤسسة منوط بها الحفاظ على الحريات والحقوق والدفاع عنها. وهو ما يجعلنا نضمن تمامًا استبعاد شبهة التشكيك بالرهبة والضغط النفسى لجلسات النصح والإرشاد التى كانت تتم تحت مظلة وزارة الداخلية فى مديريات الأمن. كما أن المجلس القومى لحقوق الإنسان سيكون هو الجهة المنوط بها الاستعانة باستشاريين نفسيين واجتماعيين للتأكد من حقيقة حرية التحول الدينى.. فالأديان لا تخضع للأهواء وليست لعبة لمن يعانى من تحديات مالية واجتماعية وعاطفية. فضلًا عن حضور أحد ممثلى المؤسسة الدينية كشاهد عيان على ضبط سير الإجراءات دون شبهة الانحياز أو التوجيه أو الترهيب أو الضغط أو المساومة.

تولى المجلس القومى لحقوق الإنسان هذه القضايا تحديدًا.. سيغلق الباب تمامًا أمام الترويج لفكرة التنصير والأسلمة، والاختطاف، والتشكيك فى تزوير شهادات التحول الدينى. وهو كلام لا ينطبق فقط على التحول من المسيحية إلى الإسلام، ولكن العكس أيضًا.

المجلس القومى لحقوق الإنسان بهذا الشكل هو الضامن لحق كل مواطن مصرى فى اختيار دينه دون أى تدخل أو تأثير أو إجبار، من خلال وجود نظام عام للإجراءات القانونية التى تمنح الحرية لجميع المواطنين المصريين فى اعتناق دينهم أو تغييره، وما يترتب على ذلك من حرية تغيير بياناتهم فى الأوراق الرسمية بشكل طبيعى فى ظل احترام الحريات الأساسية للمواطن المصرى. 

قعدات مصاطب

وفى سبيل ترسيخ دولة القانون، وفى السياق نفسه من أهمية أن يكون للمجلس القومى لحقوق الإنسان دور فى حرية العقيدة والاعتقاد.. يجب أن يكون هناك أيضًا دور له فى حل العديد من الأزمات والتوترات الطائفية بدلاً من الحلول العرفية التى لا يزال يلجأ إليها البعض.

أؤكد على ما كتبته على صفحات مجلة «روزاليوسف» منذ عام 2008 بتصميمى على وصف جلسات الصلح العرفى الوهمية باسم «جلسات التهريج العرفى». وهو مصطلح أملك حقوق ملكيته الفكرية فى وصف مهزلة ما يطلق عليه «جلسات الصلح العرفى». وهو أسلوب قديم وعتيق فى معالجة الأزمات والتوترات الطائفية للتعتيم على جرائم إنسانية، وعدم حلها بشكل قانونى حقيقى.

جلسات الصلح العرفى هى نوع من «قعدات المصاطب»، لكونها تكرس منطق سيطرة القوة القبلية والعائلية والعشائرية، وتجنب دولة القانون واستبعاد تطبيق قواعد العدل والمساواة. وترك الحكم فى نهاية المطاف للأكبر سنًا أو للأكثر حكمة من وجهة نظر من يعقد مثل هذه الجلسات. وفى النهاية.. يتم الحكم فى كل توتر له أبعاد طائفية من خلال جلسات التهريج العرفى ضد طرف يتصور البعض أنه ضعيف فى مقابل طرف يعتقد أنه قوى.

القانون وليس العرفى

إن دخول رجال الدين بشكل عام فى جلسات التهريج العرفى.. هو نوع من إهدار المواطنة المصرية فى مقابل.. ترسيخ أشكال متباينة للدولة الطائفية الدينية.. وهى فى كل الأحوال ستكون ضد فئة أو فئات من أبناء مصر.. ولن تكون الدولة الدينية هى الحل.. فالحلول القانونية الحقيقية والقضائية هى أفضل الأساليب للتعامل مع قضايا المجتمع ومشكلاته. 

جلسات التهريج العرفى لا يمكن أن تكون وسيلة فى معالجة الجرائم الطائفية.. وما نحتاجه هو تنفيذ القانون، كما نحتاج للتعامل مع مضمون المشكلة الطائفية وجوهرها، وليس بالطبع.. مظاهرها الفرعية. 

قولًا قاطعًا.. لا حل وسطًا بين تطبيق «جلسات التهريج العرفى» وبين تطبيق القانون وحياده ونفاذه على الجميع دون أى تمييز.. والحل فى سلطة القضاء المحايد بالدرجة الأولى.

«جلسات التهريج العرفى» تسهم فى تفاقم الأزمات والمشكلات، وهى باطلة فى ظل دولة المواطنة والقانون. والمسيحيون فى مصر هم مواطنون مصريون.. تحت سلطة الدولة المصرية، وليس غيرها من جماعات أو تيارات أو غيرها.. بعد الخلاص من دولة الإخوان الفاشية التى ما زلنا نعانى من جراحها. 

نقطة ومن أول السطر

حرية العقيدة أمر لا خلاف عليه أو نقاش.. مادامت تتم فى إطار الضوابط القانونية.. دون ضغط وقهر وإذلال، أو الإجبار على القبول بالأمر الواقع.. استغلالًا لظروف ومشكلات وتحديات اجتماعية صعبة وغيرها. كما أن «جلسات التهريج العرفى» هى ضد دولة القانون المرتكزة على منظومة المواطنة المصرية.

المجلس القومى لحقوق الإنسان هو الضامن الرئيسى لشيوع مناخ الحريات، كما أنه المنوط به تحديد المشاكل ذات الصلة، وتحرى الحقيقة، وتقديم سيناريوهات الحلول المقترحة، وإصدار بيان معلوماتى دقيق حتى نغلق باب «العنعنات». 

الدولة المدنية المصرية هى الحل فى سبيل ترسيخ دولة القانون ونفاذ عدالته الناجزة.