الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثلاث حكايات صيفية مثيرة!

ثلاث حكايات صيفية مثيرة!

الحر وما أدراك ما الحر؟، هل يمكن لكاتب فى هذا الجو الملتهب أن يجلس إلى مكتبه، ويقرأ ويتأمل أو تناجيه فكرة عابرة؟، كيف تتواصل أفكاره إذا انقطعت الكهرباء فى عز الكتابة، وهمدت مروحته بسكتة دماغية مفاجئة وزُهِقت أنفاسها المُلَطفة، وانفردت به موجات العرق واللزوجة؟



يا الله.. ألا يعمل بشر تحت وهج هذه الشمس المحرقة، فى مصانع ومزارع وورش، سعيًا وراء لقمة العيش المراوغة.

 

كلام فى سركم.. لا تبوحوا به لأحد، قلت لنفسى إن الناس «زهقانة»، حر وأسعار وشياط فى ملاعب الكرة، وشتائم وقلة قيمة فى فضائيات خاصة، ومسلسل البيت الكبير كله مؤامرات وأعمال خبيثة طول الوقت كما لو أن الحياة «بحر ظلمات»، إذن قليل من التسلية يفيد.. وقررت أن أروى لكم ثلاث حكايات عن فيلم سينما، وجريمة مضحكة، وبرنامج تليفزيونى..

1

 

«الحصار» فيلم قديم من إنتاج عام 1998 لم أره قبل، وشهدته قبل أيام على فضائية عربية، ما الذى أصاب قنواتنا المحلية فنضبت من الأفلام الأجنبية إلا قليلًا؟، يلعب بطولته دينزل واشنطن عميل فى المباحث الفيدرالية، وبروس ويلز عقيد فى الجيش الأمريكى وأنيتا بيننج ضابطة فى المخابرات المركزية، يطاردون خلية عربية مسلمة شنت هجومًا إرهابيًا على مقر المباحث الفيدرالية بمدينة نيويورك، أعضاء الخلية كانوا عملاء للمخابرات الأمريكية فى بغداد أيام الرئيس صدام حسين، وجندتهم الضابطة «أنيتا».

هذا هو الجزء الأول من الفيلم.. بالقطع الفكرة ليست خيالًا، هى أقرب إلى «تجهيز وإعداد» مسرح عمليات قادم، أولًا: ما سوف يحدث فى 11 سبتمبر 2011، بالهجوم الإرهابى على برجى التجارة العالمى فى نيوريوك، ثانيًا: غزو العراق.

سقط فى العملية الإرهابية عدد كبير من رجال المباحث الفيدرالية، فراح زميلهم دينزل واشنطن يطارد الخلية بشراسة بمساعدة ضابطة المخابرات، وخلال المطاردة تتجمع معلومات عن أعمال مماثلة فى أنحاء المدينة، فيحرض عقيد فى الجيش الأمريكى البيت الأبيض على فرض حالة طوارئ فى نيويورك لفترة، يلاحق فيها العقيد كل العرب والمسلمين الذين دخلوها فى الشهور الست الأخيرة ويحتجزهم فى معسكر خاص، كما حدث مع اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ويحصل بالفعل على قرار رئاسى بالطوارئ، وينفذ إجراءات عنيفة شديدة القسوة ضد العرب والمسلمين، تصيب بعض أهل المدينة، حتى أنه قبض على شاب عربى أبيه ضابط فى المباحث الفيدرالية لعشر سنوات.

ويحدث صدام بين دينزل واشنطن ضابط المباحث وبروس ويلز عقيد الجيش، ويدور حوار بينهما عن معانى الأمن والحرية وأسلوب الحياة الأمريكية وأساليب تعقب الإرهابيين، وينتهى إلى مفهوم سياسى فى غاية الأهمية «ألا تتوسع السلطة فى الإجراءات الاستثنائية كى تعيد الأمن والاستقرار إلى المجتمع»، وأن تُعْلِم الناس بأى أجراء تتخذه، وتفسر أسبابه وفترة صلاحيته، حتى لا تفقد السلطة ثقة الجماهير.. وطبعًا ينتهى الفيلم بإنقاذ المدينة والقبض على الخلية.

2

هذه جريمة يمكن أن نصنفها فى خانة «عجائب وغرائب»، قرأتها فى موقع أو على شبكات التواصل الاجتماعى، لكنها علقت فى ذهنى بكل دقائقها المثيرة المضحكة، التى تتجاوز خيال أعتى المؤلفين جنوحًا، أن رجلًا عاد من هجرة عمل فى الخارج، العمر يتقدم ولم يتزوج بعد، له صديق لم يره من زمن، اتفق معه على موعد، وراح زاره فى بيت العائلة، كانت أخت الصديق موجودة بالمصادفة، هكذا قالوا له، وجلست معهم، جمال فائق، ولم يسبق لها الزواج، غادر بيت صديقه وهو يفكر فيها، يومان ثلاثة وطلب من صديقه أن يزور بيت العائلة، وأنه ينتوى الارتباط بأخته، وتمت الخطبة، واشترطت الفتاة ألا يتقابلا ولا يخرجا منفردين إلا بعد كتب الكتاب حسب تقاليد العائلة المحافظة، لكن يمكنهما الحديث تليفونيًا، وفى التليفون فرشت الحسناء الطريق بالرمال الناعمة التى سحبت قلب المهاجر العائد إلى الغرق فى حبها دون نجاة، حتى اتفقا على كتب الكتاب والدخلة فى يوم واحد.

وجهز العريس العاشق شقة زوجية إيجار جديد لحين شراء شقة على مهل، ومن فرط سعادته لم ينتبه إلى عمرها فى الرقم القومى والمأذون يكتب عقد الزواج، خلص الفرح، ذهبا إلى «عش الغرام»، وقرر أن يصلى ركعتين شكرًا للسماء، على حصوله على ست الحسن والجمال، وطلب من عروسه أن تصلى معه، ومع الماء ذابت «تلال» المساحيق الملونة المرصوصة على وجهها، وراح معها «الجمال والفتنة»، وتلاشى «اللوك»، وبان له نيولوك بملامح مختلفة، اختفت العروس المصنوعة وظهرت البوصة الواقعية، غضب العريس وجن جنونه، هل استبدلوها بفتاة أخرى كما يفعل التجار الغشاشون فى أكياس الفاكهة والخضروات واللحوم؟، إنها أكبر منه فى العمر، وكانت قبلها بدقائق تبدو أصغر عشر سنوات على الأقل.

جلس فى الصالون مصدومًا، راحت السكرة وجاءت الفكرة واسترد تفكيره، وأدرك أن صديقه خانه، وأنه وقع فى الفخ بمساعدة الماكيير والكوافير والأصباغ، وقرر أن يفر من البيت، ويرفع قضية غش، ومعه الدليل وهو التناقض بين صورها فى الخطوبة والفرح وملامحها فى الواقع دون «مساحيق وأدوات تجميل»، أمسكت به العروس، هو دخول الحمام مثل الخروج منه، واشتبكت معه، وارتفع الصراخ والصويت والتكسير، ودق الجيران على باب الشقة، ثم اقتحموها، ليجدوا العروس ماسكة فى رقبة العريس، أنقذوه من يديها، فر بجلده وذهب فى اليوم التالى إلى محكمة الأسرة طالبًا بطلان عقد الزواج القائم على الغش والتدليس.

 نعم نحن نتفنن فى الغش، غش فى الامتحانات، غش فى السلع، غش فى الضمائر، غش فى الصنعة، غش فى قطع غيار الأجهزة والسيارات..إلخ، لكن غش فى ملامح الزوجة وعمرها، جديدة جدًا، يمكن أن نفهم الغش المؤقت فى الطباع، لكن توهمت العروس وعائلتها أن «غش الملامح والعمر يمكن أن يدوم، الزواج ليس ليلة مؤقتة قد يمضيانها فى الظلام، فلا يرى كل منهما الآخر، الزواج ليال عمر قد تطول سنوات وقد تقصر إلى أسابيع أو شهور».

المدهش أن العروس ليسانس حقوق..ويبدو أن العريس المغشوش تنتظره مفاجآت فى المحكمة!!

3

أما البرنامج فهو رقص وغناء، ويغزو تقريبًا كل فضائيات المنطقة العربية بأشكال مختلفة، مسرح وقاعة تحكيم ونجوم وأضواء وديكورات فخيمة، منتهى التسلية والجاذبية، لكن شيطان الأسئلة لم يتركنى أستمتع وأصفق وربما أصوت مع الجمهور، وكان السؤال الافتتاحى: لماذا لا نحاول أن نتقن أعمالنا بنفس الدرجة التى نحاول بها أن نرقص ونغنى؟

وراح السؤال الشيطانى يتمدد ويقفز حولى مُلعبًا لى حاجبيه بطريقة سوقية: هل تقدم أمتنا مرتبط بأن نعيد اكتشاف مواهبنا وإمكاناتنا فى فنون الرقص والغناء ولعب كرة القدم؟، يعنى لو ارتفع عدد الراقصين والراقصات والمطربين والمطربات والمغنين واللاعبين مثلًا إلى مليون أو عشرين مليونًا هل سيتغير واقعنا، طيب لو نصف الأمة أتقن هذه المهارات فهل هذا سيكون أول خطوة فى رحلة التخلص من التخلف؟

قطعًا الفنانون مشاعل على طريق أى أمة، والفن عمود أساسى فى نهضة أى شعب ولا فرصة للتقدم دون إحداث نقلة ثقافية تغير نمط العقل وأساليب التفكير، هكذا بدأت أوروبا نهضتها، لكنها لم تفعل هذا دون إحداث نهضة فكرية إلى جانب الفنون، هل ينكر أحد العقل العلمى الذى ظل يدفع القارة العجوز إلى مشارف العصر الحديث «بابتكارات واختراعات» نقلتها من حال إلى حال، وإذا ضربنا مثلًا بالعبقرى ليوناردو دافنشى، فلم يكن فنانًا فقط، وليست لوحة «الموناليزا» هى أهم إبداعاته، وإن كانت أشهرها، إذ كان عالمًا فذًا وله إسهامات هائلة ورسومات هندسية تحققت على أرض الواقع بعده بقرون.

باختصار العالم الغربى تعلم ودرس وعمل وتعب وثابر وابتكر واخترع قبل أن يصل إلى هذا القدر الهائل من الترفيه، أى حقق قدرًا من التقدم والتحضر وتراكم الثروات وفر له «وقتًا» يتزايد، يمارس فيه الترفيه بكل أشكاله..

لكن فى بلادنا لم نفعل ذلك بعد، لكننا نقلد الغرب فى الترفيه قبل أن نقلده فى العمل والجدية والإنتاج والمعرفة، نمشى على خطاه فى اكتشاف الراقصين والراقصات والمغنين دون أن نتعرف على مواهبنا فى الرياضيات والكيمياء والعمارة والطب والفيزياء والهندسة والبرمجيات، نجرى بأقصى سرعة فى ملاعب الترفيه، ونمشى الهوينا فى قاعات المعرفة والعلم والتعليم!

وبما أننا نطير فى مضمار الترفيه ونتسكع فى قاعات المعارف، فشىء طبيعى أن مذيعًا أو راقصة أو لاعب كرة أو عضو لجنة تحكيم فى برنامج ترفيهى يتقاضى فى الحلقة الواحدة مئة ضعف ما يتقاضاه أهم باحث فى علوم الذرة أو الكومبيوتر أو زراعة القمح بماء مالح، أو.. أو.. أو..، وأذكر أن الدكتور يوسف إدريس عظيم القصة القصيرة فى اللغة العربية، قال لى ذات يوم متحسرًا: «ضربة رأس حسام حسن بكفاح توفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ مجتمعين». 

كانت مصر قد تأهلت إلى نهائيات كأس العالم سنة 1990، بهدف سجله حسام حسن فى المباراة الفاصلة أمام الجزائر، وعاشت مصر وقتها شهورًا من الصخب الشعبى.

باختصار لسنا ضد الترفيه فنيًا ورياضيًا، لكن يستحيل أن يكون على رأس أولويات حياتنا، وإلا تحولت شاشات الفضائيات إلى «مخدرات مرئية»!

شعرت بالخجل من نفسى، وجلست إلى مكتبى، وسألت نفسي: ماذا أكتب؟