الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. فتش عن المرأة فى حرية الدين والمعتقد..  عن الاختفاء والتحول الدينى.. لا لجلسات النصح والإرشاد!

مصر أولا.. فتش عن المرأة فى حرية الدين والمعتقد.. عن الاختفاء والتحول الدينى.. لا لجلسات النصح والإرشاد!

تكررت خلال الشهور الماضية، شكوى اختفاء بعض الفتيات المسيحيات المصريات.. بعضهن «قاصر»، وبعضهن «بالغات رشيدات». والمؤسف، فى كل مثل هذه الحالات عدم توافر معلومات صحيحة ودقيقة من جانب، وما يترتب عليها من كوارث اجتماعية تلاحق عائلات تلك الفتيات المختفيات لكونها تمثل شكلًا من أشكال «العار» و«العزل» الاجتماعى.. بداية من تجنب الحديث معهم والاختلاط بهم، مرورا بعدم الارتباط عائليا بأبنائهم وبناتهم، وصولا للتلاسن عليهم ومعايرتهم بما حدث والاستهانة بفداحة ما حدث لهم. فضلًا عما يحدث على مواقع السوشيال ميديا من تأجيج منظم للطرفين المسيحى والإسلامى بالتحليل وإطلاق أحكام كل حسب وجهة نظره وفهمه مع افتراض عدم توافر حسن النية فى غالبيتها.



 

 تفسيرات وتبريرات

يميل البعض من الجانب المسيحى لتفسير الأمر باعتباره اختطافًا تحت ضغط لأولئك الفتيات أو السيدات، وكأنهم مسلوبو الإرادة والعقل. وهو الأمر الذى يعود إلى عدم وضوح سير الإجراءات من جهة، وعدم التصريح بأى معلومات واضحة من جهات التحقيق من جهة أخرى كما ذكرت من قبل. كما يميل البعض من الجانب الإسلامى إلى الترويج أن التحول الدينى تم عن اهتداء وقناعة، ولتأكيد ذلك يتم تنظيم حملات منظمة على السوشيال ميديا للمختفيات يرتدين الحجاب، ومع وثيقة إشهار الإسلام، وبعضهن ينشر لهن بطاقة رقم قومى تحمل الديانة الجديدة. ويتعامل الجانب الأول باعتبارها «بنته» مثلما يصفها الجانب الثانى بـ «أختاه». ونتيجة الصمت الرهيب.. ويتبع ذلك تحميل الأزمة/ الكارثة بأكثر مما تحتمل على غرار انتشار معلومة أن المختفية كانت ترتبط بعلاقة غرامية بأحد جيرانها من المسلمين.. مما يترتب عليه نوع من الشحن الطائفى لا يعلم أحد مداه وخطورته وتبعاته. ومواكبة مع ذلك، تجد من يستغل المشكلة فى «تفخيخ» العلاقة بين المواطن المسيحى المصرى والدولة بمؤسساتها.

ويستمر الجدل كما ذكر الصديق أسامة سلامة فى مقاله المهم «جلسات النصح والإرشاد لماذا لا تعود؟» بمجلة روزاليوسف فى 15 يوليو 2023. وذلك على خلفية قضية اختفاء د.سالى نسيم (المعيدة بكلية طب أسوان)، وتبلغ 31 سنة حيث أثار اختفاؤها تفاعلات ضخمة على السوشيال ميديا، خاصة أنها من عائلة معروفة بكوم أمبو.. فزوج أختها وخالها من رجال الدين المسيحى.

 خلفيات تاريخية

1 - جلسات النصح والإرشاد لها قواعد قانونية تحكمها منذ إنشائها عام 1863، حينما صدر أول قانون لها فى عصر الخديو إسماعيل باشا، والذى نص على عدم قبول إسلام أى مواطن إلا بعد حضور كاهن ومسئول مدنى مسيحى مصرى.. للتأكد من جدية الطلب وعدم وجود أية شبهة من أى نوع للضغط والإجبار. 2 - تم إلغاء الأوامر الخديوية بعد ثورة يوليو 1952، وحلت محلها التعليمات الدورية والقرارات الوزارية لمأموريات الشهر العقارى بشأن تنظيم جلسات النصح والإرشاد، ومنها الكتاب الدورى رقم 40 لسنة 1969 الذى أصدرته وزارة الداخلية، والمنشور رقم 5 لسنة 1971، ومنشور سنة 1979، ومنشور آخر سنة 1982. والذى نص على أهمية وجود مندوب من مديرية الأمن لحضور جلسة النصح والإرشاد، وتكون مهمته التأكد من هدوء الاجتماع وصحة ما جرى فيه، فإذا قبل المتقدم الاستمرار فى دينه الأصلى يتم حفظ الطلب، وإذا أصر على إشهار إسلامه يتم توثيقه فى مكاتب الشهر العقارى. ثم صدر القرار الوزارى رقم 304 لسنة 1997 لتأكيد القرار السابق، ومع تأكيد تطبيقه على مواطنى مصر فقط. 3 - فى إطار الاتفاق بين وزارة الداخلية ومشيخة الأزهر بأن تقوم لجنة الفتوى بالأزهر بإرسال أوراق طالبى إشهار الإسلام من مواطنى جمهورية مصر العربية إلى مديرية الأمن الواقع بدائرتها محل إقامة طالب إشهار الإسلام، وتقوم مديرية الأمن بإخطار الجهة الدينية المختصة «الكنيسة» بالحضور إلى مديرية الأمن لمناقشة من يريد إشهار إسلامه. 4 - يتم عقد جلسات النصح والإرشاد فى مبنى مديرية الأمن وبحضور مدير الشئون الإدارية بالمديرية وأحد الضباط المختصين بذلك، ومن حق الكاهن أن ينفرد بمن يريد تغيير دينه ليتحقق بنفسه من أن هناك رغبة أكيدة فى تحوله الدينى، وأنه ليس هناك ضغط أو إكراه عليه. 5 - تم إلغاء جلسات النصح والإرشاد فى 8 ديسمبر 2004، فى عهد اللواء حبيب العادلى «وزير الداخلية الأسبق»، وآخر جلسة نصح وإرشاد عقدت فى واحدة من أخطر الأزمات والتوترات الطائفية، والمعروفة إعلاميًا بقضية «وفاء قسطنطين». > فتش عن المرأة الطريف فى مثل هذه الأزمات والتوترات الطائفية، أن اختفاء أى فتاة أو سيدة يمثل شكلًا من أشكال «العار» الاجتماعى، وكلما ظهرت المرأة على سطح الأحداث.. ارتبك المجتمع، وزادت النزعة الذكورية ضد المرأة. وفى الثقافة المصرية والعربية أيضًا ترتبط المرأة بالعديد من المفاهيم المرتكزة على الثقافة الذكورية الرجعية لها، وعلى سبيل المثال: الكرامة والشرف والعفة والطهارة فى مقابل العار والمهانة. وهو ما يجعلها محط الاهتمام الأول. والمثل الدال على ذلك أنه إذا قام مواطن مسيحى مصرى بتغيير دينه إلى الإسلام، أو قام رجل مسلم مصرى بتغيير دينه إلى المسيحية لا يهتم أحد، وفى مقدمتهم عائلته.. لأنه فى نهاية المطاف «راجل». أما إذا فعلت أى امرأة الفعل نفسه الذى قام به الرجل، فإن عائلتها مع تضامن العديد من أطراف المجتمع لا يتهاونون فى تأجيج ما حدث بشكل ضخم من أجل استرجاعها. ما سبق، هو استمرار تكريس مسألة التمييز ضد المرأة. والتعامل معها بمنطق «التسليع» حتى فى الأزمات الطائفية فى تجاهل تام لشخصيتها وكرامتها ورأيها وقراراتها.  > دلالات قطعًا، الإسلام لن يزيد إذا انضم إليه شخص لا يؤمن به إيمانًا حقيقيًا، والمسيحية لن يضيرها أن يتركها شخص لا يعتقد فى صحتها. ومن المنطلق السابق، أختلف مع ما طالب به أسامة سلامة فى فكرة عودة «جلسات النصح والإرشاد»، والتى يطالب كثيرون بعودتها. أطالب منذ تأسيس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى عام 2004 بالقانون رقم 94 لسنة 2033 بأن الأفضل لضمان حرية العقيدة.. هو ترك أمر تغيير الدين والتحول من دين إلى دين للجنة تابعة للمجلس القومى لحقوق الإنسان، لحياد أعضائه. وللتأكد من عدم التعرض للإجبار والإكراه، على أن يتم تنفيذ توصياته بشأن كل حالة على حدة طالما كان المتحول دينيًا راشدًا وكامل الأهلية، وهذا من شأنه يؤكد على: - تأكيد الدستور المصرى على كفالة «حرية العقيدة»، وهى من الحريات الشخصية التى تتسم بالخصوصية والمساواة. - وجود فرصة لعائلة المتحول دينيًا ورجال الدين لعقد جلسة نقاش، للتأكد من وجود رغبة حقيقية دون ضغوط أو تهديدات لتهدئة العائلات، بعيدًا عن وصمهم بما يمس الشرف والعار. - احترام رغبة المتحول دينيًا فى حال تغيير الديانة لأسباب عقائدية أو شخصية منطقية.. طالما برغبته الشخصية الكاملة. من حق كل إنسان أن يختار دينه دون أى تدخل أو تأثير أو إجبار، ولكن على أن يتم ذلك أمام طرف محايد، وهو ما يتوافر فى المجلس القومى لحقوق الإنسان.. باعتباره أهم مؤسسة منوط بها الحفاظ على الحريات والحقوق والدفاع عنها، ومن ضمنها «حرية الدين والمعتقد».. فلا يجوز عزل أولئك الفتيات والسيدات دون إخطار عائلاتهن والسماح برؤيتهن ومناقشتهن، وهى أبسط حقوق تلك العائلات لكى لا يشعروا بالتقصير تجاه بناتهن. كما أن تفعيل دور المجلس القومى لحقوق الإنسان.. سيسهم فى وجود نظام عام للإجراءات القانونية التى تمنح الحرية لجميع المواطنين المصريين فى اعتناق دينهم أو تغييره، وما يترتب على ذلك من حرية تغيير بياناتهم فى الأوراق الرسمية بشكل طبيعى فى ظل احترام الحريات الأساسية للمواطن المصرى.  > نقطة ومن أول السطر.. حرية العقيدة أمر لا خلاف عليه أو نقاش.. مادامت تتم فى إطار الضوابط القانونية.. دون ضغط وقهر وإذلال، أو الإجبار على القبول بالأمر الواقع.. استغلالًا لظروف ومشكلات صعبة «عاطفية» وغيرها. ولكى لا يتحول مبدأ حرية العقيدة إلى الحياد المفقود.. ولكى لا يتحمل المواطن المصرى «فاتورة» تخريب العقول ونشر مناخ الطائفية والتشدد والتعصب. لا يمكن الاستهانة بما يحدث، فهو نوع من الخطوات الممنهجة والمنظمة.. لكسر علاقة الثقة التى ترسخت بعد 30 يونيو بين المواطنين المسيحيين المصريين والدولة، وهو الأمر الذى يزداد تعقيدًا بسبب بعض التصرفات الطائفية.>