الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولاً.. التنمر بالمشاعر الدينية والتحرش بها..  الحد الفاصل بين نقد الأديان وحرية الرأى والتعبير!

مصر أولاً.. التنمر بالمشاعر الدينية والتحرش بها.. الحد الفاصل بين نقد الأديان وحرية الرأى والتعبير!

في أول أيام عيد الأضحى.. الذى وافق 28 يونيو 2023، قام أحد اللاجئين بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام أحد المساجد فى ستوكهولم بعد موافقة السلطات السويدية على طلبه بتنظيم تظاهرة سلمية. ورغم ذلك صرحت الشرطة السويدية بفتح تحقيق بشأن ما حدث بسبب ما ترتب عليه من تداعيات شعبية ودبلوماسية على مستوى العالم.



اللاجئ هو سلوان موميكا من أصل عربى يبلغ من العمر 37 عاماً، ويعرف نفسه كملحد عراقى، وهو مؤسس ورئيس حزب الاتحاد السريانى (2014 – 2018)، وعضو بالحزب الديمقراطى السويدي.

 

ما فعله هذا اللاجئ هو نوع من التصرفات التى تحدث بين الحين والآخر. ولن تتوقف وستتكرر مثلما يحدث من تطاول على الكتاب المقدس، وهو ما يعود إلى تلك المساحة المتداخلة والمشتبكة بين كل من حرية الفكر والرأى وحرية التعبير وحرية المعتقد.  بتوقيت داعش.. مازلت أعتقد أن الاعتداء على القرآن الكريم أو الاعتداء على الكتاب المقدس.. هو اعتداء على كل الأديان، لأنه يمثل نوعاً من استفزاز المشاعر الدينية لدى أتباع الدين الذى تم الاعتداء على كتابه المقدس، كما أنه يمثل نوعاً من الانحراف عن طريق السلام. ولذا كان من الطبيعى أن يكون صدى ما حدث فى السويد هو رد فعل يستنكر ما حدث بحسم وحزم.. لما تسببه هذا التصرف من تعارض وتناقض لكل مفاهيم المواطنة والتسامح وقبول الاختلاف والحوار والتنوع والتعددية.

الملاحظة التى تبدو ساذجة فى هذا التصرف المشين هو اختيار توقيت تنفيذ هذا الفعل الذى يتزامن مع أول أيام عيد الأضحى. وهل اختيار التوقيت تم بقصد مثلما كانت تختار داعش القيام بعملياتها الإرهابية فى مواعيد ومناسبات لها علاقة مباشرة بما حدث معهم خاصة فى انكساراتهم أو مداهمة أوكارهم وملاحقتهم أمنياً قبل تنفيذ عملياتهم الإرهابية.

ويبقى السؤال الأهم: هل وافقت السلطات السويدية على قيام اللاجئ العراقى بحرق نسخة من القرآن الكريم.. أم أنها أعطت تصريحا له بتظاهرة سلمية دون استخدام العنف والحرق والتخريب؟ الدين هو الحقيقة المطلقة لدى أتباعه،  وأى اعتداء أو ازدراء أو سخرية منه.. يعتبرها اتباعه اهانة شخصية لكل المؤمنين به. وهو أمر طبيعى مع الثقافات والحضارات الذى يمثل الدين فيها مكونا رئيسيا ضمن تركيباتها الحضارية.

انتقاد الأديان وحرية الرأى والتعبير..

السؤال الجوهرى كمدخل لما سبق هو: هل يندرج انتقاد الأديان تحت نطاق حرية التعبير ومظلته؟ وهو السؤال الذى يختزل البعض الإجابة عليه بعقد مواجهة بين حدود حرية الرأى والتعبير وبين انتقاد الأديان السماوية المطلقة لدى أتباعها والمؤمنين بها.

أن حرية الرأى هى التعبير المباشر عن حرية الفكر.. التى تسمح لكل مواطن فى تكوين رأيه والتعبير عنه بحرية دون أى قيود، حتى لو تضمنت تلك الآراء أو الأفكار على جريمة يعاقب عليها القانون، فالتفكير فى حد ذاته ليس جريمة قانونية طالما لم يتحول إلى فعل مادى، وهو الذى يترتب عليه.. تطبيق عقوبة تتناسب مع ما تم ارتكابه. ومثال ذلك أن انتهاك الحق فى الحياة أو تعريض حياة أى إنسان للخطر باستخدام القوة البدنية (مثل الضرب) يعرض الفاعل للوقوع تحت طائلة القانون من خلال نصوص محددة. ولكن تظهر الإشكالية الحقيقية فى البحث عن العقوبات المخصصة قانونياً لفعل الكلام أو الكتابة أو الرسم أو الفنون بأشكالها المتعددة من صور التعبير المختلفة.  

يترتب على الطرح السابق.. العديد من الإشكاليات على غرار:

- إذا كان تجريم فعل استخدام القوة الجسدية يستهدف حماية الحق فى السلامة البدنية، فما هو الحق الذى يستهدفه تجريم الأفكار سواء كان مقالاً أو شعراً أو إبداعاً أو رسماً؟ وما حيثيات ضرورة هذا التجريم؟ وهل هذا النوع من الحماية يستهدف حماية مشاعر فئة من المواطنين أم أنه يستهدف حماية الرأى المخالف من المقارنة والانتقاد؟ 

- وبالقطع، يكون السؤال الأهم فى هذا الطرح هو: كيف نذهب بالأفكار والأشعار والرسومات والفن إلى المحكمة؟! 

- هل حرية التعبير مطلقة مثلها مثل حرية التفكير وحرية الرأى؟ أم للرأى حدود ملزمة لا يجوز تجاوزها باعتبار أن حرية التعبير.. مسئولية طالما أصبحت مؤثرة لكونها متاحة للجميع!

إذا كان كل ما سبق، له علاقة وثيقة بحرية التفكير والرأى والتعبير.. فماذا لو طبقناه على الأديان.

وذلك على غرار: أن حرية الاعتقاد وحرية المعتقد مكفولة كحق دستورى.  وبالتالى، إذا كان من حق كل مواطن أن يؤمن أو يعتقد بأى دين.. فهل من حقه الإعلان والإجهار عن ذلك أمام المجتمع؟

وهل يحق الإعلان أمام المجتمع بأى وسيلة عن الرأى فى دين محدد حتى لو كان هذا الرأى.. مرفوضا من أتباع هذا الدين لدرجة أنهم ربما يعتبرونه إهانة وازدراء لدينهم؟ والأصل، أن التشكيك فى الأديان ونقدها وعقد المقارنات فيما بينها ليس مكانه بين عامة المواطنين، بل مجاله مقارنة الأديان بين رجال الدين ومجالسهم العلمية والدينية ذات القدر الكافى من المسئولية المجتمعية التى تبحث عن المشترك، وليس عن الاختلافات.

فى معنى الحرية المطلقة..

إن حرية التفكير وحرية الرأى هى حريات مطلقة من أى قيد.. مهما كانت تلك الآراء جدلية أو خلافية أو جريئة وغير مألوفة لدى المجتمع، أو حتى التى تصطدم بالثوابت المجتمعية من العادات والتقاليد والتراث والموروثات. أما حرية التعبير عن تلك الأفكار والآراء لها حدود لا يتم تجاوزها، وفى مقدمتها احترام الأديان وحظر تشويه نصوصها وصورتها، وعدم ازدراء المشاعر الدينية لأتباعها. ويترتب على ذلك سؤال مركزى جداً، وهو: هل هناك حرية تفكير وحرية رأى دون أن يترجم ذلك إلى حرية التعبير عن تلك الأفكار والآراء؟

إذن، ماذا لو جاوزت درجة حرية التعبير مداها، ووصلت إلى استخدام درجات العنف وأشكاله الفردية أو الجماعية، وسواء بالتحريض المباشر وغير المباشر على العنف أو بالتمييز العنصرى؟

وبالتالى، من الطبيعى هنا أن تكون هناك قيود وضوابط صارمة على حرية التعبير.

هناك اتجاهان.. أحدهما يرى أن انتقاد الأديان يدخل فى نطاق حرية التعبير المحمية بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان، وهناك اتجاه آخر يرى أن انتقاد الأديان يدخل فى إطار الاستثناءات الواردة على حرية التعبير لما يمثله هذا الاتجاه من حث على الكراهية الدينية التى من شأنها إيذاء مشاعر أتباع الديانات محل النقد.

 نقد الأديان.. جزء من حرية التعبير!

حرية التعبير عن المعتقد فى المسائل الدينية هى جزء من منظومة حرية التعبير، ولا يمكن تقييدها طالما لم تتضمن دعوة مباشرة وصريحة لممارسة العنف المرتكز على التمييز العنصرى ضد مواطن أو ضد فئة معينة. غير أن هناك اتجاها آخر، يرى أن إظهار عدم الاحترام والتقدير للأديان من شأنه بث مناخ الكراهية والعداء على أساس دينى، وما يمكن أن ينتج عنه من اتجاهات أكثر مغالاة للمطالبة بقيود حماية ثوابت الدين، ومشاعر أتباعه.

 جدوى المقاطعة..

حذرت وزارة الخارجية المصرية فى بيان لها صدر فى 29 يوليو 2023 تكرار حوادث إحراق المصحف الشريف وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا وجرائم ازدراء الأديان. كما طالب الأزهر فى بيان له صدر فى 29 يونيو أيضاً مقاطعة المنتجات السويدية، والتى تتمثل فى شركات: أدوية وعقاقير طبية، ومعالجة الأغذية، والسيارات والنقل، والهواتف المحمولة، وخدمات التسويق الإلكترونى، وبيع الملابس، ومستحضرات التجميل، وصناعة الأثاث المنزلى. وهو ما يعنى التداخل الكبير فى تلبية احتياجات السوق المصرية من جهة، وما يمثله كل ما سبق من نسبة فى منظومة الاقتصاد المصرى من جهة أخرى. ولذا كنت أتمنى تجنب دعوات المقاطعة لعدم قدرتنا على التخلى عن استيراد الأساسيات خاصة فيما يتعلق بالأدوية والعقاقير والأغذية. وعلى أن نوظف ونستخدم القوى الناعمة المصرية والدبلوماسية الشعبية والمجتمع المدنى فى إعلان رفض ما حدث، واستغلال العلاقات الدبلوماسية فى مطالبة البرلمان السويدى بفتح تحقيق شامل فى تصرف غير أخلاقى وغير إنسانى.. تسبب فى غضب شعبى دولى، ويمكن أن يتسبب فى أزمة عالمية.

العلاقات الدولية والعلاقات بين اتباع الأديان على مستوى العالم أكبر من تصرف لموتور ومتعصب هنا أو متطرف وإرهابى هناك. وعلينا أن ننتبه أن العرب هم من أساءوا لأنفسهم ولمعتقدهم الدينى فى الغرب بسبب تصرفاتهم وسلوكهم وأفعالهم.. قبل أن يسىء البعض من الغرب لهم. 

 نقطة ومن أول السطر.. 

حرية التعبير لا تدعو إلى التمييز وممارسة العنف أو التمييز بسبب الانتماء الفكرى أوالقومى أو الدينى، وبالتبعية لا يترتب عليه.. الانتقاص من حقوق الإنسان كالحق فى الحياة، والحق فى سلامة الجسد والحق فى المساواة.

حرية التعبير هى التى تتوقف حدودها عند إبداء الرأى دون أى تحريض عنصرى.. خاصة فى حرية التعبير عن المعتقد الدينى سواء لأتباع دين محدد، أو لمن لا يدينون بأى دين.

بوضوح.. أنا ضد ازدراء أى دين.. وطالما أطالب باحترام دينى.. ألتزم أنا أيضاً طبقاً لتعاليم دينى باحترام دين غيرى وتقديره. وأرفض جميع أشكال التحريض والكراهية والتمييز والتحرش والتنمر بالأديان والمؤمنين بها.