الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين الكوميديا وعمق الفكرة: العزف المنفرد لـ«بيت الروبى»

 يقول الكاتب الكندى آلان دونو «إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم فى هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شىء بكل تفاهتهم وفسادهم».



 وفى قول آخر «ربنا يديم الأونطة على اللى بيحبوا ياكلوها»، جمل قصيرة تحكى واقعًا مرعبًا تعيشه مجتمعاتنا مفاده ترميز التافهين من لا قيمة لهم ولا رسالة.

 

وخلق منهم قدوة يحتذى بها وهدفا يسير وراءه الملايين من متابعى اللا شىء اللا محتوى، كارثة سببتها مواقع التواصل الاجتماعى، فقد خلقت عددا هائلا من الفقاعات على شكل بشر، يلمعون من الخارج لكن داخلهم فارغ وجعلت منهم نجوم مجتمع، فمن جانب أنت تقوّى الأنا وجنون العظمة فى شخص لا ثقافة له ولا فكر ولا رسالة قيّمة يقدمها ومن هنا تعجبه ذاته ويفرح بها ثم يستغلها أسوأ استغلال.

ومن جانب آخر أنت تُجمّل تفاهات الحياة ومفاسدها وقشورها وتصنع لها هالة من العظمة فتجذب لها العيون والقلوب التى تتعلق بها، وتترك قيم ومبادئ الحياة الأساسية وتجر معها الملايين للفساد وبالتالى يهوى المجتمع للا شىء ويصبح خواء، ناهيك عن الكارثة الأخرى التى تسببها مواقع التواصل الاجتماعى وهى عرض الحياة الخاصة داخل البيوت على الملأ وبضغطة زر أو كلمة تتحول حياة إنسان من القمة للقاع بسبب تداول إشاعات أو معلومات خاطئة من هذا لذاك من أصحاب ملايين المتابعين.

كارثة حقيقية نعيشها كل يوم وتتفاقم يوما بعد يوم، تناولها بشكل سلس ومبسط العمل الفنى الذى يعرض فى موسم عيد الأضحى (بيت الروبى) لـ«كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز» ومن إخراج «بيتر ميمى»، عمل يحمل رسالة وفكرة عميقة وخطيرة تهدد مجتمعاتنا لكن تم تناولها فى شكل كوميدى وحوار بسيط قد يراه البعض تخفيفا لقوة وحدة الفكرة، ويراه آخرون أقل من مستوى الرسالة التى يناقشها..  فيلم (بيت الروبى) يقوم على حبكة الكشف، أزمة ما وقعت فى الماضى تتكشف أسرارها وتفاصيلها مع الأحداث التى تميزت بأكثر من عنصر جذب، ومنها موقع تصوير عدد من مشاهد العمل فى مدينة دهب التى تمتاز بالهدوء وجمال الطبيعة والصحراء الجذابة ويعكس ذلك دراميا هروب الشخصيات الرئيسية «إبراهيم» الذى يجسده «كريم عبدالعزيز» و«إيمان» التى تجسدها «نور»، من مشكلة كبيرة هددت حياتهما ومستقبلهما فى القاهرة، ولذلك اختيار المكان يتصف بالذكاء والتوظيف الدرامى السليم، كما يستوقفك كمشاهد اعتماد العمل بشكل أساسى على الكوميديا وخاصة كوميديا الموقف التى تم توظيفها بشكل جيد وغير مفتعل بعيدا عن الإفيهات الساذجة والمكررة، وذلك ما أبدع فيه فنانو العمل وخاصة «كريم عبدالعزيز» الذى يجسد دور «إبراهيم» التائه بين هدوء وسكينة وعزلة مدينة دهب وبين تحضر وزحام القاهرة، فهو يقف على الحياد بين الهروب والمواجهة واختار الحل الأسهل وهو الاستسلام، لكن داخله قوة تجذبه لمواجهة مشاكله وربط زمامها وذلك الصراع جسده «كريم عبدالعزيز» باحترافية وإبداع مع حس كوميدى يضفى على شخصيته بعض السخرية من الواقع الذى يعيشه.

أما «كريم محمود عبدالعزيز» فقد جسد شخصية «إيهاب» بسلاسة كبيرة وحب لها وتعمق فى تفاصيلها، فهو يحاكى الأخ الأصغر الأجرأ المائل للمغامرة أكثر وهنا أبدع «كريم محمود عبدالعزيز» وقدم الشخصية بدون مجهود زائد أو فلسفة أو افتعال، ما يجعلك كمشاهد تشعر أنها تشبه شخصيته الحقيقية، كما أن الكيمياء والانسجام بين الشخصين كان لافتا للانتباه بشكل يجعلك تنتظر عملا آخر يجمعهما سويا مرة أخرى.

 أما «نور» فى شخصية الدكتورة «إيمان» فقد قدمت دورا مميزا جديدا عليها، خرجت به قليلا من عباءة المرأة الجميلة لتقدم شخصية تعانى صراعا نفسيا بين ضعفها أمام ما هدد مستقبلها وبين شغفها بعملها ورغبتها فى مواجهة الأزمة وحلها.

تلمس من تلك السطور أن هناك أزمة وصراعا ومشكلة وخطرًا، وهناك كوميديا موقف غالبة على العمل الفنى، فتحقيق التوازن بين الاثنين شىء صعب، فأن تقوم كصانع للعمل بتناول قضية شائكة وتوصيل رسالة مهمة مع الحفاظ على سلاسة العمل وبساطته اعتمادا منه على الكوميديا وأنه فيلم العيد، ذلك هو التحدى الذى أتركك كمشاهد تحكم على نجاحه من عدمه، لكن فى كل الأحوال أنت أمام فكرة جريئة وعمل كوميدى اجتماعى مناسب لكل الأعمار، يدق ناقوس الخطر ويلمس أكبر مشاكل وحروب العصر الحالى وهى حرب «السوشيال ميديا» وتأثيرها الطاغى وتحكمها فى مصائر البشر فتحركهم كعرائس ماريونيت كما تهوى، وذلك أقوى ما فى العمل وسر انجذاب الجماهير له، فمن منا لا يتحكم فى حياته نظرة الآخر له أو منشور هنا ورأى هناك كتبه شخص مختبئ وراء شاشة الموبايل.