الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. طريق الحوار الوطنى لتمكين المرأة المصرية..  التمثيل النسبى.. (الكوتا) مرحلة استثنائية!

مصر أولا.. طريق الحوار الوطنى لتمكين المرأة المصرية.. التمثيل النسبى.. (الكوتا) مرحلة استثنائية!

لا يوجد نظام انتخابى مثالى.. يمكن تعميمه؛ بقدر ما يتم اختيار النظام الانتخابى.. طبقًا لتطور العملية الانتخابية المصرية فى ظل إصلاح سياسى واسع المدى. 



لا يقوم النظام الانتخابى على فراغ، وإنما يعتمد على السياق الاجتماعى والسياسى الخاص بكل بلد. فلا يوجد أى نموذج لنظام انتخابى موحد قابل للتطبيق فى كل دول العالم.. فالنظام الصالح لبلد ما قد لا يكون كذلك للبلد المجاور. المهم أن يكون النظام الانتخابى المختار.. يستهدف وضع منظومة قوية لتعزيز استقرار الديمقراطية وشرعية الحكم.

أحد أهم تحديات المشاركة الانتخابية.. هو مسألة تمثيل المرأة أو تخصيص «كوتا» و«حصة» لها. ويحمل تعريف الكوتا «الحصة» أكثر من معنى. أولها هو الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لضمان الفوز بمقعد واحد فى كل دائرة انتخابية من خلال نظم التمثيل النسبى. أما الثانى فهو الحد الأدنى من المقاعد المنتخبة التى يجب شغلها من قبل فئة محددة لضمان تمثيلها سياسيًا (مثل المرأة والأقليات العددية والدينية)، وهو ما تم تطبيقه فى مجتمعنا من خلال ما نص عليه الدستور فى كل من:

المادة 102: (يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، على أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع إجمالى عدد المقاعد).

المادة 180: (تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط فى المترشح ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة..).

 التجربة التاريخية للتخصيص..

فى انتخابات سنة 1957 حصلت النائبتان راوية عطية وأمنية شكرى على مقعدين لأول مرة فى التاريخ البرلمانى المصرى. وفى عام 1960 زاد عددهن إلى 6 نائبات، وفى عام 1964 زاد عددهن إلى 8 نائبات. ثم تقلص عددهن إلى 3 نائبات فقط فى برلمان سنة 1969. وعُدن إلى 8 نائبات فى برلمان سنة 1971، ثم انخفض عددهن إلى 6 نائبات سنة 1976.

فى إطار الانتخابات بالنظام الفردى فى سنة 1979 تم تخصيص مقاعد للمرأة فى ثلاثين دائرة على مستوى مصر بحيث ينتخب من كل منها عضوان يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين بالإضافة إلى عضو ثالث من النساء.. بواقع مقعد واحد على الأقل للنساء فى كل محافظة. 

وفى سنة 1984 تم تخصيص مقاعد للمرأة فى البرلمان المصرى، ولكن من خلال إطار نظام القوائم الحزبية حيث زاد عدد المقاعد المخصصة للمرأة لتصبح 31 مقعدًا. وقد ألزم القانون حينذاك بأن تقوم الأحزاب بتضمين المرأة بقوائمها فى إحدى وثلاثين دائرة تم تحديدها على سبيل الحصر. ولكن لم يلزم القانون المذكور بأن تدرج الأحزاب.. المرأة فى ترتيب معين على قوائمها. ولذلك تدخل المشرع بموجب القانون رقم 46 لسنة 1984 والذى ألزم بمراعاة شغل المقعد المخصص للنساء فى الدوائر الانتخابية من قائمة الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة. وهو ما أدى إلى وصول 35 سيدة للبرلمان فى انتخابات سنة 1984.

وبداية من انتخابات سنة 1987 تم استبدال نظام القوائم بنظام مختلط يجمع بين نظام القوائم الحزبية والمقاعد الفردية، ولم يخصص القانون أى مقاعد للمرأة فيه. وهو ما أدى إلى تراجع وصول المرأة إلى البرلمان حيث فازت المرأة بعدد 18 مقعدًا فى انتخابات مجلس الشعب عام 1987. وقد حكمت المحكمة الدستورية حينذاك بعدم دستورية ذلك النظام الانتخابى لما يتسبب فيه من إخلال بحق المواطنين غير المنتمين إلى أحزاب سياسية فى الترشيح على قدم المساواة وعلى أساس من تكافؤ الفرص مع مرشحى الأحزاب السياسية.

وهو ما ترتب عليه إصدار القانون رقم 201 لسنة 1990 ليقر النظام الفردى بديلًا عن أسلوب الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردى. وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد المقاعد التى فازت بها المرأة فى انتخابات 1990 إلى 7 مقاعد فقط. وفى انتخابات سنة 1995 تراجع عدد النساء المنتخبات إلى 5 سيدات فقط، ثم زاد إلى 7 سيدات منتخبات فى انتخابات سنة 2000، ثم تراجع مرة أخرى إلى 4 سيدات فقط فى انتخابات سنة 2005.

وفى برلمان سنة 2010 تم تخصيص «كوتا» لمقاعد للمرأة، والتى أتاحت وصول 64 نائبة من إجمالى 518 نائبًا بما يمثل ما يقرب من 12 %. وفى انتخابات سنة 2012، فازت 11 سيدة فقط سواء بالقوائم الانتخابية أو التعيين. 

وفى برلمان سنة 2015 بعد ثورة 30 يونيو، تم تخصيص 89 مقعدًا للمرأة المصرية لضمان تمثيلها بشكل عادل بنسبة 14.9 % من إجمالى عدد أعضاء المجلس.. فضلًا عن وجود تمثيل للمرأة من سيناء والنوبة. وفى سنة 2021، حصلت المرأة المصرية على 164 مقعدًا من إجمالى 595 عضوًا بنسبة 27.6 % من البرلمان حسب التعديلات الدستورية لسنة 2019، والتى نصت على تخصيص 25 % من إجمالى المقاعد البرلمانية للمرأة.

 دلالات التخصيص..

أولًا: تأمين المشاركة السياسية للمرأة، وزيادة تمثيلها فى المجلسين (النواب والشيوخ) هى خطوة إيجابية، بعد أن أثبتت التجارب الانتخابية السابقة.. صعوبة تنافس المرأة مع الرجل على المقاعد البرلمانية. وهو ما تم من خلال تخصيص مقاعد إضافية، وليس تخصيص دوائر كاملة جديدة أو غلق دوائر كاملة قديمة على المرأة. وبالتالى، فإن التخصيص هو خطوة فى اتجاه تطوير المشاركة السياسية للمرأة.

ثانيًا: تخصيص مقاعد للمرأة المصرية هو مبادرة سياسية إيجابية.. لأنها تعمل على تمكين المرأة من خلال تفعيل المادة 102 من الدستور، والتى تنص على أنه (... ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابى الفردى أو القائمة أو الجمع بأى نسبة بينهما. كما يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء فى مجلس النواب لا يزيد على 5 %، ويحدد القانون كيفية ترشيحهم...). وهو نص دستورى.. يتيح المرونة للمشرع بأن يتبنى النظام الانتخابى الذى يمكن أن يضمن حدًا أدنى لمشاركة المرأة فى البرلمان لتعزيز مشاركتها السياسية وزيادة عضويتها فى البرلمان.

  ملاحظات حول الكوتا.. 

إن فكرة تخصيص مقاعد للمرأة.. هى نوع من الاستثناء الإيجابى، وليس كما يقول البعض بأنه نوع من أنواع «التمييز الإيجابى».. لأن التمييز لا يمكن أن يتسم بالإيجابية من الأصل. كما أن الحديث عن التمييز هو حديث ضد منظومة المواطنة.. حسبما نصت عليها المادة الأولى من الدستور. كما أن «الكوتا» فى نهاية الأمر بما تضمنه من تخصيص مقاعد للمرأة.. ليست إجراءً كافيًا لتمكين المرأة المصرية من المشاركة السياسية. ولذا قامت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو باتخاذ إجراءات وقرارات وسن قوانين لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا.

ولا يجب بأى حال من الأحوال أن تتحول فكرة تخصيص مقاعد للمرأة من إجراء استثنائى إلى إجراء مستمر. إن «الكوتا» لن تؤثر إيجابيًا فى تفعيل المشاركة السياسية للمرأة المصرية.. دون أن يكون هناك تغيير فى الثقافة السياسية السائدة المرتبطة بتراث فكرى ضخم من عادات وتقاليد ضد أى شكل من أشكال مشاركة المرأة. 

نقطة ومن أول السطر..

تحتاج المشاركة السياسية للمرأة إلى مرحلة انتقالية.. تتمتع فيها المرأة بتخصيص عدد محدد من الدورات البرلمانية.. تمهيدًا للأسلوب الأمثل للارتقاء بها. وذلك كحل تدريجى مؤقت لمواجهة المعوقات الاجتماعية التى تحول دون مشاركتها السياسية. والمهم أن تستطيع المرأة  استغلال الفرصة المتاحة لها عبر «الكوتا» لإثبات وجودها والإسهام بشكل فعال فى صنع القرارات ورسم السياسات والتأثير بذلك على المنهج التقليدى فى العمل السياسى.