الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا وبنا .. فى الحوار الوطنى..  مصر دولة مدنية!

مصر أولا.. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا وبنا .. فى الحوار الوطنى.. مصر دولة مدنية!

ينعقد خلال هذه الأيام «الحوار الوطنى»  من خلال العديد من اللقاءات وجلسات النقاش. والذى يأتى من ضمنها لجنة الثقافة والهوية الوطنية، والتى تعمل على ثلاثة محاور أساسية هى: المؤسسات والسياسات الثقافية، والصناعات الثقافية، والهوية الوطنية.



وأتمنى فى هذا الحوار المهم الذى دعا له الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يكون الحوار خاصة فى مسألة الهوية الوطنية على قدر مسئولية دعوة الرئيس بالنقاش فى المفاهيم التى طالما اعتبرت ضمن المحرمات الثقافية والفكرية. وذلك بحسم بعض المفاهيم التى هى فى مضمونها استمرار لثورة 30 يونيو العظيمة على غرار: العلمانية والعقلانية والدولة المدنية.

 الحقيقة المطلقة

أعتقد أننا نحتاج إلى صياغة مشروع فكري يعتمد «العلمانية».. كطريق أساسى لحل أزمات مجتمعنا المصرى الذى ما زالت تسيطر عليه الأصوليات بأشكالها المتعددة (السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية)، وإن كان أكثرها تأثيرًا وفجاجة هى الأصولية الدينية المنتشرة فى الذهنية العامة للمجتمع فى ظل غياب اتجاه علمانى واضح يعتمد العقل كمنهج وطريقة للتفكير.

ترفض الأصوليات الدينية إعمال العقل، ولا تأخذ سوى بظاهر النص الدينى دون التعمق فيما ينطوى عليه من معان عميقة تتجاوز المعنى الظاهرى للنص الدينى. ولذلك فإن أصحاب التفكير الأصولى دائماً ما يشعرون ويروجون بأنهم ملاك الحقيقة المطلقة.. حسب التعبير الذى صكه الفيلسوف المصرى القدير د. مراد وهبة.

قطعًا، لا يجوز الالتفاف حول العلمانية، والاكتفاء بالحديث عن المجتمع المدنى والدولة المدنية والمواطنة.. لأن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والمحظورة قانونًا كانت تنادى بالمجتمع المدنى، ولكن من خلال المرجعية الإسلامية حسبما يرونها فى تكريس الفاشية الدينية.  

 

جماعات التهريج السياسى

شهد المجتمع المصرى قبل أحداث 25 يناير 2011 وبعدها ظهور العديد من الحركات الاحتجاجية دون هدف واضح مستهدف لها. والأسوأ أن العديد من تلك الحركات.. قد عملت تحت قيادة من أطلقت عليهم قبل ذلك «جماعات التهريج السياسى» على غرار العلاقة الوثيقة بين كل من «كفاية» و«6 أبريل» وبين الجماعة الإرهابية التى وظفتهما كوسيلة لتحقيق أهدافها بغض النظر عن حقيقة أهداف كل منهما التى ادعوا فيها تحقيق الدولة المدنية. 

أعتقد أنه بعد مرور كل تلك الأحداث والخبرات، أننا نحتاج إلى الحوار حول العلمانية دون مواربة وبشكل مباشر وصريح جدًا. وذلك من خلال حسم مدخلين، الأول هو التأكيد على أن «العلمانية ضد التعصب»، والثانى هو تحديد «دور الدين فى المجتمع العلمانى».. وهما يمثلان محتوى مفهوم العلمانية ومضمونها.

العلمانية هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى، وليس بما هو مطلق.. أى عدم مشروعية صعود النسبى إلى المطلق وعدم مشروعية إحالة المطلق إلى ما هو نسبى. أو ببساطة شديدة لا يجوز أن نخلط بين الدين والعلم أو بين الأدب والدين.. خاصة أن هذا الخلط لدى البعض هو الذى تسبب فى انتشار ظاهرة التعصب وتفشيها.. كنسق فكرى تلازمه كراهية غير منطقية لجماعة من البشر.

نعم.. لا يجوز تطبيق قانون إلهى ثابت على واقع متطور، أو بمعنى آخر لا يمكن أن يحكم التفكير أو الحكم بالنسبى للمتغيرات المجتمعية اليومية على ما هو مطلق من النصوص الدينية.

تحول الكثيرون فى مجتمعنا إلى «ملاك الحقيقة المطلقة». وهم السبب الرئيسى لنشر التعصب والتشدد وثقافة الكراهية والتمييز.. على اعتبار أنهم وحدهم من يعلمون ويعرفون ويفهمون ويقررون، وكل من هو خارج جماعتهم على خطأً، وربما يكون على ضلال وكفر مبين. فلا حقيقة سوى ما يعتقدون، ولا مطلق غير ما يفرضونه على غيرهم. 

 

شيوخ الديجيتال وكهنته

 أعتقد أن أقرب تعريف منطقى للدين هو أنه وجهان لعملة واحدة. الأول الإيمان وهو شأن يرتبط بالقلب.. لكونه الثقة مع التصديق، والثانى هو الاعتقاد أو المعتقد، وهو مفهوم لا يقبل الشك ممن يعتنقه وهو محصور فى العقل. وهو ما يستغل تجاريًا ودينيًا من خلال شيوخ الديجيتال وكهنته فى الترويج لأفكارهم السامة والفاسدة.  

ولذا من الطبيعى أن نرى نتائج كل ما سبق فى استمرار حالة «ازدراء الأديان».. فى شكل من أشكال تشويه الدين مع احتقار متعمد يأتى على غير مقصد هذا الدين الذى يتم ازدراؤه، وذلك على غرار ما يقال إلى الآن على بعض المنابر من أن (المسيحية دين الضعفاء، والإسلام دين الإرهاب..). مع العلم أن المسيحية ترفض أن تكون وسيلة لإذلال الإنسان، والإسلام يرفض الإرهاب ويدعو إلى السلام.

نحتاج إلى نشر مثل هذه المفاهيم التى لا تجد صدى حقيقيًا فى حياتنا الفكرية والسياسية هذه الأيام. إنها المفاهيم التى شوهها أتباع التيارات المتشددة والمتطرفة، واستهدفوها باعتبارها ضد الدين.. وهو قول حق يراد به باطل. لأن التشويه المتعمد لمفهوم العلمانية ومعناها هو أمر يصب فى صالح ترسيخ المطلق الأصولى المتشدد الذى يكفر أبناء الدين الواحد قبل غيرهم.. بعد أن تم التعامل معها على اعتبار أنها كلمة سيئة السمعة. وهو ما جعل الكثير منا يستخدم كلمات مثل: الدولة المدنية فى إشارة إلى الدولة العلمانية دون أن يقول ذلك صراحة تجنباً للدخول فى «متاهات» تفسير العلمانية بما ليس لها.  

 إقصاء العقل

التشكيك والتشويه المتعمد من المتطرفين والمتشددين والمتعصبين لمحاربة «العلمانية» من خلال تصديرها على أنها ضد الدين. وترتب عليه، تصنيفها باعتبارها مفهومًا سيئ السمعة فى مفردات قاموس الحياة السياسية المصرية. وهو ما يعنى أننا نتقدم إلى الأمام ظاهرياً خطوة.. ونعود إلى الخلف حقيقة أميالًا وسنوات.

ما سبق، يعنى ببساطة.. أننا نباعد بين طرفين أحدهما العقلانية، والطرف المقابل هو الأصولية الدينية والتشدد الفكرى الذى أصبح هو الغالب فى حياتنا. أصوليات دينية (يهودية ومسيحية وإسلامية)، وأصوليات سياسية.. لا تقبل الاختلاف والتعددية وتقوم باللعب بالنار من خلال التوظيف السياسى للدين، وأصوليات ثقافية.. تكرس للتكفير وترسخ لفقه المصادرة.

يتأرجح الفكر المصرى بين غالبية تتبع الإمام الغزالى وأقلية متأثرة بالعالم ابن رشد. فضلاً عما يحتله ابن تيمية من مساحة لا بأس بها فى العقلية الثقافية والدينية المصرية، وهى مدرسة ترفض تماماً التأويل. وبالتبعية، ترفض فهم النص الدينى على أساس منطق العقل وبرهانه.

إعمال العقل فى النص الدينى للكشف عن المعنى الباطن للنص. هو منهج لا يتعارض مع الفهم الحقيقى والعميق للنص الدينى..  بعد أن حول البعض ما يطرح على أرضية علمية.. على أنه يناقض الدين. وهو افتراض متشدد ليس له أساس من الصحة.  

 

مدنية الدولة

الدولة المدنية هى دولة علمانية وديمقراطية، علمانية فى مواجهة الدولة الدينية، وديمقراطية فى مواجهة الدولة الشمولية غير الدينية. وتتمثل سمات هذه الدولة وملامحها فى عدد من الثوابت، منها: سيادة القانون على جميع المواطنين دون أى تمييز، ووجود عدالة سريعة وناجزة ونافذة، وتعدد السلطات وتنوعها فى سبيل تحقيق العدالة والمساواة، وإقامة انتخابات حرة نزيهة تعبر عن رغبات مجتمعية، ووجود واقعى وحقيقى لتوازن القوى السياسية فى المجتمع.

أصبح من المرفوض أن يمارس أحدهم فعل الوصاية الفكرية أو الدينية على المجتمع دون وجه حق، كما أصبح من غير المقبول ادعاء فضيلة قيمة الحوار، وقبول اختلاف الآراء، رغم أننا على النقيض تمامًا. والمرفوض تمامًا هو بناء نتائج مرتكزة على مقدمات باطلة، ووهمية من اختراع أصحابها لنشر أفكار فاسدة وغير حقيقية.

 

 نقطة ومن أول السطر

«العلمانية» ليست ضد الدين، ولكنها تقوم على الفصل بين ما هو دينى وما هو سياسى، وترفض التوظيف السياسى للدين لأنه ينتهى بالتشكيك فيه، وترفض استغلال الدين للسياسة حتى لا نصنع أصوليات دينية متطرفة.

الأفكار.. لها أجنحة، ولا يمكن حجزها أو منعها أو حتى تجميدها!

يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يهاجمونك، ثم تنتصر فى النهاية!

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا وبنا.