الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الطرف الثالث.. وانحناء التسامح والمحبة والإنسانية.. مَن يملك الحقيقة الدينية المطلقة البابـا «تواضروس» أَمْ «فرنسيس» أَمْ...؟!

مصر أولا.. الطرف الثالث.. وانحناء التسامح والمحبة والإنسانية.. مَن يملك الحقيقة الدينية المطلقة البابـا «تواضروس» أَمْ «فرنسيس» أَمْ...؟!

نشرتُ خلال الأيام القليلة الماضية «بوست» على الفيسبوك يتضمن الصورة المرفقة بهذا المقال للبابا فرنسيس الثانى ينحنى ليقبّل الصليب الجلد الذى يرتديه البابا تواضروس الثانى، وكتبتُ تعليقًا ذكرتُ فيه بعض القيم التى تعبر عنها تلك الصورة، على غرار: التسامح والتنوع والتعددية وقبول الاختلاف والمحبة، الكنيسة المصرية، والفاتيكان.



 

وكالعادة، أشاد البعض إعجابًا بالصورة، كما هاجمها البعض الآخر. ولم تكن الصورة هى المقصودة بشكل مباشر؛ بل يمثل الهجوم انعكاسًا لحالة الانقسام بين الاتفاق والاختلاف على زيارة البابا تواضروس الثانى للفاتيكان.. مَقر رئاسة الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم.

معلومات تاريخية

أولاً: تتزامن زيارة البابا تواضروس الثانى إلى الفاتيكان خلال الفترة من 11 إلى 13 مايو 2023 مع الاحتفال بمناسبة مرور 50 عامًا على زيارة البابا شنودة الثالث إلى الفاتيكان ولقائه مع البابا بولس السادس فى شهر مايو 1973. وأيضًا الاحتفال بمناسبة مرور 10 سنوات على زيارة البابا تواضروس الثانى للفاتيكان سنة 2013، والذى تواكب معه تدشين الاحتفال بيوم «المَحبة الأخوية» فى 10 مايو من كل عام.

ثانيًا: يمكن تحديد شكل العلاقة بين دولة الفاتيكان والدولة المصرية فى أن كيان الكنيسة الكاثوليكية التى يتبعها جميع المواطنين الكاثوليك المصريين وغيرهم على أرض مصر.. تتبع روحيًا ودينيًا الفاتيكان مباشرة. وهناك العلاقات المسكونية بين الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية المصرية، والتى تعنى السعى إلى الوحدة بين جميع الكنائس المسيحية. وهناك العلاقات المتميزة جدًا بين الأزهر والفاتيكان، وما ترتب عليها من توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية بينهما فى فبراير 2019، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين البلدين؛ حيث كانت مصر أول دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية معها فى 23 مايو 1947.

ثالثًا: بدأت مساعى التواصل والعلاقات المباشرة بين الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالتزامن مع المجمع الفاتيكانى الثانى (1962 - 1965)، ثم تلتها زيارة البابا شنودة الثالث سنة 1973 إلى الفاتيكان، والتى نتج عنها تشكيل لجنة حوار مشترك لا تزال تجتمع إلى اليوم. وأخيرًا، توقيع اتفاقية حول طبيعة السيد المسيح «الكريستولوچى»، ووثيقة عدم إعادة المعمودية بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثانى فى القاهرة أثناء زيارة الأول سنة 2017.

رابعًا: حسب تصنيف الكنائس، نجد أن كلاً من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، والكنيسة الكاثوليكية من الكنائس الرسولية التاريخية، التى تؤمن بالأسرار الكنسية المقدسة (المعمودية، والميرون، والتناول، والتوبة والاعتراف، ومسحة المرضى، والزيجة، والكهنوت)، كما تؤمن بالشهداء والقديسين. وهى تعد من الثوابت الإيمانية للعقيدة المسيحية للكنائس الرسولية. 

خامسًا: لكل من الكنيستين مكانة عالمية مميزة، يعلم الفاتيكان ويقدر جدًا دور الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى الحفاظ على بقاء المواطنين المسيحيين فى الشرق الأوسط باعتبارها من أكبر الكنائس عددًا ومن أقدم كنائس المنطقة تاريخيًا. كما تعلم الكنيسة الأرثوذكسية المصرية المكانة العالمية للفاتيكان كدولة، وكمرجعية دينية للكاثوليك الذين يقدرون بنحو مليار و20 مليونًا على مستوى العالم، أو لدوره فى التقارب بين أتباع الأديان، أو لدوره فى الاتحاد الأوروبى بوجه خاص والسياسة الدولية بوجه عام. وهو ما يعنى أهمية مثل تلك اللقاءات التاريخية التى تمثل خطوة نحو الوصول إلى اتفاقيات مشتركة بعد الكثير من اللقاءات والمناقشات والحوارات اللاهوتية والعقائدية.

مجرد ملاحظة..

أعود إلى تقبيل البابا فرنسيس للصليب الجلد الذى يرتديه البابا تواضروس الثانى.. هذا التصرف الجميل الذى يُعبر عن نوع من المحبة والتسامح. وهو ما تم تفسيره فى روما فى سياقه الإنسانى الطبيعى باعتباره رد فعل تلقائيًا. ولم يتم الهجوم على البابا فرنسيس، واتهامه بالتنازل عن العقيدة الكاثوليكية وكرامتها. وأتصور أنه لو حدث العكس، وكان البابا تواضروس الثانى هو الذى قبّل الصليب الذى يرتديه بابا روما؛ لكانت شرارة الحرب الافتراضية للدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية أعلنت الحرب العالمية الثالثة. وهو بالمناسبة، ما ينطبق على الحياة السياسية المصرية التى يفترض فيها بعضهم نظرية المؤامرة للتفاعل مع كل ما يحدث من حولنا دون الوقوف على دقة المعلومات، أو معالجة ما يحدث فى سياقه وتحليله.

وبعيدًا عن أى افتراضات متخيلة سواء كانت شائعات أو تصورات بالتوقيع على بنود سرية واتفاقيات وهمية.. سيظل هذا اللقاء فى سياق اللقاءات التى سبقته والتى ترتكز على الوعى والاتزان.. تمثل تحديًا أساسيًا لنجاح استمرار الحوار والتواصل، وسيظل تحديًا للمحبة الحقيقية والحكمة البالغة والسلام العالمى الذى هو ركيزة استمرار مثل تلك اللقاءات.   

تخوفات وأزمات..

رَوّج البعض لفكرة أن ما حدث فى هذا اللقاء هو نوع من الشعارات العاطفية الرقيقة والإنسانية البراقة للتمويه على فعل خيانة العقيدة. وهو نوع من الغوغائية الدينية والعشوائية الفكرية تحت مظلة الفوضوية الفلسفية.

ويبقى السؤال لمثل هؤلاء: على ماذا تخشون تحديدًا؟ هل تخافون على الكنيسة، أَمْ تخافون على سُلطتها ووجودها وبقائها واستمرارها، أَمْ تخافون على أتباعها من التخلى والانفراط؟! 

وأتعجب: هل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بمثل ذلك الهوان والضعف الذى يجعل مجرد لقاء بين رؤساء الكنيستين؛ يمثل تهديدًا لبقائها؟

أعتقد أنه بدلًا من الترويج لمثل تلك الفزاعات.. أن نطلب بعقد مجامع (لقاءات) مسكونية (عالمية) متخصصة بين الكنائس برؤسائها وعلمائها من أجل بحث التحديات الأساسية المستقبلية على غرار: تراجُع مركزية الدين، ومدى قبول الأديان لبعضها البعض، وقبول تنصيب المرأة كقسيسة، ومدى قبول المثليين بعدما اعترفت بهم قوانين بعض الدول.. وهى إشكاليات تدعو للدراسة والبحث الحقيقى بعدما أصبحت تلك القضايا على خَط التماس مع ما يحدث فى مجتمعاتنا.

 

التكفير الطائفى.. 

نعم..

الأرثوذكس عند بعضهم.. هراطقة، والإنجيليون عند بعضهم.. هراطقة، والكاثوليك عند بعضهم.. هراطقة، الجميع يكفّر بعضه البعض من خلال الترويج لخطاب الكراهية الذى يتزعمه أفراد، كما تتزعمه حركات افتراضية من بقايا حركة شباب ماسبيرو التى برز دورها مع أحداث 25 يناير 2011.

أدى ما سبق إلى حالة من الانقسام والتشرذم بين المواطنين المسيحيين المصريين. وتناسَى هؤلاء ما يلى:

1 - أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تعد واحدة من أهم وأقوى الكنائس، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تخضع لأى كنيسة أخرى.. فميراثها العقيدى وتاريخها الفكرى؛ أكبر من الأشخاص؛ بل أكبر من تاريخ بعض الدول الحديثة. وبالتالى، لا يمكن لأى قيادة مسيحية مصرية أيًا كانت أن تقبل ما يتعارض مع الثوابت الإيمانية للعقيدة المسيحية الأرثوذكسية المصرية. 

2– أن أهمية الحوار اللاهوتى والتواصل بين الكنيسة الأرثوذكسية المصرية والكنيسة الكاثوليكية لا يعنى التنازل أو التفريط عن العقيدة الدينية؛ لأن الحوار بينهما يقوم على محاورات ونقاشات رجال الكنيسة وعلماء اللاهوت المنوط بهم الوصول لمساحات مشتركة.. تصب فى صالح خدمة العقيدة المسيحية للإنسانية. كما أنه دون تلك اللقاءات؛ لن يكون هناك مساحة للحوار من الأصل.

3 – قطعًا؛ يرى كل طرف من الكنيستين أنه وحده من يملك الحقيقة الدينية المطلقة دون غيره. ولن يحسم أمر مَن هو الأصح والأدق.. دون سجالات ومحاورات لجلسات وسنوات طويلة. فلا طرف منهما يستطيع إلغاء الطرف الثانى أو إقصاءه، ولذا لا أمل سوى فى الحوار.. الفضيلة الغائبة عن المتشددين والمدافعين افتراضيًا عن الإيمان. ومع ملاحظة أن الحوار هو سمة العلماء الواثقين.  

نقطة ومن أول السطر..

التسامح وقبول الاختلاف والتنوع والتعددية والمحبة والاحترام والتقدير.. هي التطبيق العملى للإنسانية.

والإنسانية.. هى التطبيق العملى للقيم الدينية.. بعيدًا عن التأويلات والتفسيرات والتبريرات، وبعيدًا عن التوظيف الدينى للسياسة، والاستغلال السياسى للدين.

الدين من أجل الإنسان، وليس الإنسان من أجل الدين.