الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. المواطنون المسيحيون المصريون ولعبة الأرقام.. .. الأقلية والأغلبية.. ضد معيار تحقيق الدولة المدنية!

مصر أولا.. المواطنون المسيحيون المصريون ولعبة الأرقام.. .. الأقلية والأغلبية.. ضد معيار تحقيق الدولة المدنية!

تابعت مؤخرًا باهتمام شديد تصريحات البابا تواضروس الثانى لمحررى الملف المسيحى فى 29 أبريل 2023. وفى اعتقادى أن أهم ما جاء بها هو تأكيده على أن «الكنيسة بنت الوطن وخادمة للوطن ولكنها لا تعمل بالسياسة»، و«الكنيسة القبطية أقدم كيان شعبى على أرض مصر»، و«عدد المسيحيين فى مصر يقارب 15 مليون مواطن وعدد المسيحيين فى المهجر يقارب مليونى مواطن منتشرون فى أكثر من 100 دولة».



أذكر أن التصريحات الأخيرة للبابا تواضروس الثانى.. هى الأفكار التى طالما طالبت بها على صفحات مجلة روزاليوسف تحديدًا خلال الفترة من سنة 2006 إلى سنة 2010، ومن سنة 2021 وإلى الآن. كما سجلتها فى كتابى «الكنيسة المصرية.. توازنات الدين والدولة» الذى صدر فى بداية سنة 2013، وكتابى الأخير «سؤال الإصلاح.. الكنيسة المصرية فى مجتمع متغير» الذى صدر فى شهر يناير الماضى.

سوف أركز هنا على تصريح البابا تواضروس الثانى.. الذى تناول فيه عدد المواطنين المسيحيين المصريين. وقبل أن أعلق على غرار ما كتبته قبل ذلك على صفحات مجلة «روزاليوسف».. أود أن أؤكد على ملاحظة تاريخية، وهى أن إعلان تعداد المواطنين المسيحيين المصريين كان ضمن أهم المحرمات السياسية والمحظورات التى طالما استغلتها جماعات الإسلام السياسى فى مصر للانتقاص من حقوق المواطنة وتبرير عدم بناء الكنائس، وكل ما يندرج تحت ممارسات التمييز.

لا أخفى انزعاجى الشديد من استقبال البعض على السوشيال ميديا لتلك التصريحات بمنطق إعلان حالة الحرب والسجال الدينى. واختزال فكرة الأرقام بترجمتها نسبيًا حسب مفهوم الأغلبية والأقلية العددية، وليس بمنطق المساواة والعدالة. وهو ما جعل العديد من التعليقات تصب فى رصيد الانتقاص من منظومة الحقوق الذى يبدأ من التمييز فى الحقوق، ومرورًا بالاستبعاد والتهميش والإقصاء، وصولًا إلى الحديث عن المواطنين المسيحيين المصريين باعتبارهم درجة ثانية فى الوطنية، أو بمعنى أدق فى منظومة المواطنة.  

تاريخ الأرقام

تاريخيًا، بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين حسب الإحصاءات الرسمية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الرسمية منذ ثورة يوليو وإلى الآن الأرقام والنسب التالية:

- سنة 1966: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 2.017536 نسمة من إجمالى 29.846809 نسمة أى بنسبة 7.2 %.

- سنة 1976: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 2.285630 نسمة من إجمالى 36.626204 نسمة أى بنسبة 

6.2 %. كما بلغ عدد المهاجرين (المسيحيين والمسلمين المصريين) 1.42500 نسمة.

سنة 1986: بلغ عدد المواطنين المسيحيين المصريين 2.868139 نسمة من إجمالى 48.254238 نسمة أى بنسبة 

5.9 %. كما بلغ عدد المهاجرين (المسيحيين والمسلمين المصريين) 2.250000 نسمة.

سنة 1996: وهو التعداد الذى لم يعلن فيه التعداد حسب التصنيف الدينى.

تصريحات ودلالات..

تم اختزال النقاش حول تعداد المواطنين المسيحيين المصريين بالرد على ما سبق فى:

- ما قاله الراحل البابا شنودة الثالث إلى الرئيس الأمريكى جيمى كارتر سنة 1977 بأن تعداد المواطنين المسيحيين المصريين بلغ 7 ملايين مواطن.

- وأيضًا، ما صرح به البابا شنودة الثالث فى حديث لقناة ON TV فى شهر أكتوبر سنة 2008 من أن عدد المواطنين المسيحيين المصريين بلغ حوالى 12 مليون مواطن، وهو الحوار الذى قال فيه إن الكنيسة تعرف أعداد الأرثوذكس المصريين عن طريق «كشوف الافتقاد».

- ما ردده البعض خاصة من التيار الإسلامى من أن المواطنين المسيحيين المصريين لا يزيدون على 2.5 مليون نسمة، أو حسبما صرح الراحل المستشار طارق البشرى حينذاك أكثر من مرة بأن المواطنين المسيحيين المصريين يمثلون %6 من إجمالى 80 مليون نسمة أى أقل من 5 ملايين نسمة.

- وأخيرًا، جاء تصريح البابا تواضروس الثانى الذى كان أكثر دقة وأقرب إلى التعداد المنطقى، والذى أكد فيه أن المواطنين المسيحيين المصريين يبلغون ما يقرب من 15 مليون مواطن.

 

أقلية تحت الحصار..

حاول البعض على مر سنوات طويلة أن يرسخ فكرة أن نسبة المواطنين المسيحيين المصريين تدور حول 6 % بأكثر قليلًا أو أقل قليلًا.. وفى الوقت نفسه، تم الهجوم الموجه حينذاك على الراحل البابا شنودة الثالث لأنه قال إن المواطنين المسيحيين المصريين حوالى 12 مليون نسمة. وأنه يمكن معرفتهم فى سياق حديثه عن دور الكنيسة فى حصر أتباعها من خلال كشوف الافتقاد للأسر المسيحية من الكنائس. اعتبر البعض ذلك التصريح باعتباره اغتصابًا لسلطة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء التابع للدولة. وهو فى الحقيقة حديث طائفى يستخدم «لعبة الأرقام» بالحديث عن النسبة بما يوحى بالإشارة إلى الأقلية العددية والأغلبية العددية، هو فى تقديرى نوع من المراوغة السياسية.. كحق يراد به باطل. 

يتعامل هذا المنطق مع المجتمع بمنطق التقسيم الطائفى، وهو ما يعتبر ضد منظومة المواطنة المصرية.. لما يمكن أن يترتب عليه من تجاهل حقوق بعض المواطنين المصريين بحجة أنهم «أقلية عددية» فى شكل من أشكال انتزاع حق تلك الأقلية العددية عند المجتمع وعند الدولة، وما يتبع ذلك من تهميش واستبعاد وتمييز.. ينزع عنهم ولاءهم ويشكك فى وطنيتهم، والتعامل مع فئات من المواطنين داخل المجتمع الواحد بمنطق الدرجات: مواطن درجة أولى، ومواطن درجة ثانية منتقص الحقوق. وذلك مع مراعاة أن الأقلية والأغلبية هى مفاهيم متغيرة طبقًا للسياق التاريخى والسياسى.. فأقلية اليوم.. يمكن أن تتحول إلى أغلبية الغد، والعكس صحيح. وما حدث بعد أحداث 25 يناير 2011 لخريطة القوى السياسية فى المجتمع المصرى يؤكد ذلك. والمفترض أن يتم التعامل طبقًا لمبدأ المواطنة لكافة المواطنين المصريين بغض النظر عن معتقدهم الدينى أو انتمائهم الفكرى أو نسبتهم العددية حتى لو لم تتجاوز

 1 %.. وهو ما لا يؤثر بأى حال من الأحوال بحقهم فى المساواة على كافة المستويات من الحقوق والواجبات.

تعليق وملاحظات..

التعليق هو أن الحديث على أنه يجب على الأقلية أن تخضع لحكم الأغلبية إعمالًا بالديمقراطية.. هو منطق فاسد يرسخ مفهوم «الأقلية» لتبرير المشروعية السياسية لحكم الأغلبية حتى ولو كانت أغلبية ديكتاتورية أو مستبدة على غرار الفاشية الدينية التى حكمت مصر قبل ثورة 30 يونيو 2013 من جانب، كما أنه تصنيف عنصرى ضد المواطنة يحمل بذور الطائفية فى طياته من جانب آخر.

أما الملاحظات هي: أن تضارب الأرقام بين الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المنوط به رسميًا إصدار نتائج تلك الإحصاءات والإعلان عنها، وبين تصريحات الراحل البابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثانى تفتح باب الشك فى مدى صحتها ودقتها ومصداقيتها.. خاصة أن تلك الأرقام لا تتضمن أتباع الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية.  

 

نقطة ومن أول السطر..

لعبة الأرقام فى الحديث عن حقوق المواطن وواجباته هى ضد منظومة المواطنة المصرية.. تلك المنظومة التى لا تعتمد على العدد والنسب بقدر ما تعتمد على ترسيخ قواعد المساواة والعدالة بين كافة المواطنين المصريين دون استثناء.. حتى لو اقتصر الأمر على مواطن مصرى واحد فقط لا غير. العدد هنا ليس له أى تأثير فى التمتع بالحقوق أو الانتقاص منها. وربما تكون فائدته الوحيدة هو سياق تحليلات المشاركة السياسية من خلال التصويت فى العملية الانتخابية.

منظومة المواطنة حسبما رسختها ثورة 30 يونيو هى فلسفة الدولة المدنية التى لا تقصى أو تستبعد أو تهمش أى إنسان بأى شكل من الأشكال.. طالما كان مواطنًا مصريًا.