الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

رغم محاولات الدمج داخل الجيش ميليشيا الدعم السريع كيف أصبحت وقود انفجار الأوضاع فى السودان؟

قبل أيام من تفجر الأوضاع، كانت السودان الشقيق على موعد لوضع خطة للإصلاحات السياسية حيث انطلقت لجنة صياغة الدستور الانتقالى فى السودان، أوائل أبريل الجارى لوضع المرحلة النهائية للعملية السياسية، وسط تأكيد «قوى الحرية والتغيير» المعارضة توفير الإرادة اللازمة للوصول لاتفاق شامل «فى أقرب وقت».



وعلى الرغم من تأجيل مراسم توقيع اتفاق سياسى لتشكيل حكومة مدنية لإدارة السودان للمرة الثانية، إلا أن القوى السياسية أكدت وفق بيان مشترك أنه «بمجرد الوصول لاتفاق عليها  فإن الطريق سيكون سالكًا أمام توقيع الاتفاق السياسى النهائى وخروج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية، وتشكيل مؤسسات حكم مدنية كاملة».

وقد دعا رئيس مجلس السيادة الانتقالى بالسودان، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القوى السياسية والوطنية بالبلاد إلى تغليب المصلحة الوطنية بتقديم تنازلات متبادلة لتحقيق تطلعات الشعب السودانى فى الاستقرار والعيش الكريم، إلا أن ميليشيات الدعم السريع سارعت بتفجير الأوضاع فى البلاد وتهديد حياة المدنيين فى العاصمة الخرطوم رغم محاولات القوات المسلحة للعمل على دمج ميليشيات «الدعم السريع» ضمن صفوف القوات النظامية، وهو الأمر الذى كان الخلاف عليه لوضع اللمسات الأولى للانتقال السلمى للسلطة، لتسقط السودان مرة أخرى فى براثن حرب جديدة وإزهاق مزيد من أرواح الأبرياء.. ووسط مشهد ضبابى على نهاية هذا الوضع ما زال أمام الوطن العربى والعالم مزيدًا من الجهد لإنقاذ شعب وأرض سئمت من حروبها المستمرة ووضعها الهش على مدار عقود.

 مدينة الأشباح

على مدار أيام تحولت العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح حيث طال الاقتتال الدائر بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع العاصمة ونحو 7 مدن أخرى، وبات من الصعب على السكان التحرك لقضاء احتياجاتهم فى ظل القصف الجوى والاشتباكات العنيفة على الأرض.

ورسمت لجنة أطباء السودان المركزية صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية، وقالت إن أعداد القتلى تتزايد فى أوساط المدنيين داخل الخرطوم وخارجها، مشيرة إلى تكدس الجثث فى الشوارع وسط صعوبات كبيرة فى الوصول إليها.

وإلى جانب الأوضاع الأمنية الخطيرة التى تعيق عمل فرق الإسعاف، تعانى معظم المستشفيات نقصًا حادًا فى الكوادر والمعينات الطبية.

ويتعرض العديد من المدنيين لخطر الموت بسبب إصابات داخل منازلهم، نتيجة إطلاق النار العشوائى فى ظل المطاردات المستمرة بين قوات الجانبين فى شوارع المناطق السكنية.

فما سبب تفجر الأوضاع فى السودان؟ وكيف نشأت ميليشيات الدعم السريع بهذه القوة داخل البلاد والعاصمة بصورة خاصة؟

 «المراحيل» و«الجنجويد»

تاريخيًا، يرجع كثيرون من المراقبين ظهور الميليشيات القبلية فى السودان إلى الفترة الانتقالية التى أعقبت سقوط الرئيس جعفر النميرى فى العام 1985 وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، ينسب لها البدء فى تسليح بعض القبائل ذات الأصول العربية فى إقليم كردفان، المعروفة بـ «المراحيل» لمعاونة الحكومة الانتقالية فى حربها مع تمرد جنوب السودان وحماية الحدود مع غرب البلاد المتاخمة لحدود الجنوب، وامتد الأمر إلى حكومة الصادق المهدى المنتخبة فى الفترة من 1986، وأصبحت هذه الميليشيات، إلى جانب دورها فى حماية قبائلها، تقدم مساندة فعالة للقوات المسلحة فى حربها ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بالجنوب، بزعامة جون قرنق وقتها، خاصة فى مناطق بحر الغزال وأعالى النيل المتاخمة لدارفور، وقد توسع نظام الرئيس المعزول عمر البشير فى استخدام هذه التشكيلات شبه العسكرية فى عام 1994.

ولاحقاً، خاضت هذه الميليشيات الحرب التى اندلعت فى العام 2003، فى إقليم دارفور، وبرز وقتها مسمى ميليشيات «الجنجويد» والتى اتهمت لاحقًا بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية والتطهير العرقي، نتيجة إفراط نظام البشير الحاكم وقتها فى استخدام هذه الميليشيات فى النزاع، بصورة خلخلت بشدة النسيج الاجتماعى فى الإقليم بعد أن تعاظم دورها فى مواجهة حركات التمرد مع الجيش الحكومي.

ومنذ ظهورها عام 2003 كميليشيات لتأمين القوافل التجارية خلال مسيرتها الطويلة مرورًا بمرحلة الاستيعاب والتقنين، تراوحت ميليشيات الدعم السريع فى تبعيتها لجهات نظامية عدة، ففى بادئ الأمر تم إلحاقها بوحدة استخبارات حرس الحدود بالقوات المسلحة، لكن فى منتصف عام 2013 انتقلت تبعيتها إلى الحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وفى 2017 صدر قانون الدعم السريع ليجعلها تحت إمرة رئيس الجمهورية مباشرة على رغم تبعيتها إلى القوات المسلحة فى الوقت نفسه.

وفى محاولة نظام البشير رسم خطوط مستقبل لهذه القوات، سعى الرئيس المعزول مع حكومته بشكل حثيث لخلق وضع دستورى وأساس قانونى لتقنين وضعها بضمها رسميًا بصفوف النظام، وتم إتباعها لرئاسة الجمهورية بالقرار الجمهورى رقم (351)، فى 21 أبريل 2016، بعد أن كانت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات.

وبعد اكتمال التشكيل الرسمى لميليشيات الدعم السريع بدعم ورعاية مباشرة من البشير، بدت كقوة تضم وقتها ما يقارب حوالى 40000 مقاتل، كما تم تجهيزها بعربات مقاتلة سريعة الحركة والمناورة والتعقب ومجهزة بالمدافع الرشاشة الخفيفة والثقيلة أيضًا، ورجح مراقبون أن يكون عددها يقارب اليوم 100000 مقاتل مع استمرار عمليات التجنيد طوال السنوات الماضية وباتت تنتشر فى معظم أنحاء البلاد.

وبعد حسم المعارك والتمرد فى دارفور والمنطقتين تحول نشاط الدعم السريع للعمل كقوة موازية واتجهت إلى العمل فى مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وانتشرت على الحدود الطويلة بين السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، وعندما ضاق الخناق على نظام البشير بتزايد الاحتجاجات الشعبية الرافضة لاستمراره فى الحكم، حاول البشير الاستعانة بحليفه محمد حمدان دقلو «حميدتي» وقوات الدعم السريع لحسم الاحتجاجات، لكنه تفاجأ برفض «حميدتي» المشاركة فى قمع المظاهرات وانحيازه لاحقًا لقادة الجيش المقربين من البشير وإعلانهم عزل البشير من سدة الحكم.

 انفجار الأزمة

وبدأ تصاعد التوتر بين البرهان وحميدتى بسبب أمرين: الأول، الإفراج عن موسى هلال، وهو عم حميدتى وينافسه فى النفوذ بقيادة القبائل العربية فى دارفور، والذى كان مسجونًا بأوامر من البشير، والثانى إصدار البرهان أمرًا بعدم السفر لأعضاء المجلس من دون إذن منه، وهو ما اعتبره حميدتى يأتى ضمن «هندسة شاملة لتقليص نفوذه ومنعه من ممارسة أدوار سياسية فى ملفات السلام»، بحسب تحليل أمانى الطويل، الخبيرة فى الشئون الإفريقية فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. 

ولم يرضخ حميدتى لمحاولات «تقزيمه» إذ قام بالسفر إلى تركيا من دون موافقة البرهان، وعقد اتفاقيات اقتصادية معهم، وهو ما تم الرد عليه بعد ذلك بتسريب «فيديو مشاركة شقيق حميدتى فى فض اعتصام القيادة العامة إبان الثورة السودانية» والذى راح ضحيته العديد من الأشخاص.

وبعدها بفترة خرج حميدتى ليصف علنًا أحداث 2021 بأنها «خطأ» أدى إلى «إعادة تنشيط الفلول»، فى إشارة إلى أنصار نظام البشير. فيما أكد البرهان من جهته أن تحركه كان «ضروريًا لإشراك مزيد من القوى السياسية فى إدارة الفترة الانتقالية»، بحسب فرانس برس.

وفى 2022، زار دقلو روسيا عشية حربها فى أوكرانيا وأبدى انفتاحه على بناء قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر.

ونفى حميدتى فى خطاب ألقاه أمام أفراد من ميليشيات الدعم السريع فى مارس الماضي، فى أم درمان «أى خلافات مع الجيش». وقال «خلافاتنا مع المكنكشين فى السلطة (أى المتمسكين بها)» واستنكرت القوات المسلحة حينها الاتهامات الموجهة إلى قيادة الجيش «بعدم الرغبة فى استكمال عملية التحول الديمقراطى والخروج من السياسة». وقالت فى بيان «إنها محاولات علنية لكسب التعاطف السياسى وعرقلة عملية الانتقال الديمقراطي».

ولم يهدر حميدتى أى وقت فى محاولة رسم مستقبل السودان وتحدث علنًا عن الحاجة إلى «ديمقراطية حقيقية» والتقى بالسفراء الغربيين وأجرى محادثات مع الجماعات المتمردة.

وأبدى حميدتى القليل من التسامح مع المعارضة وفق رويترز. وقال شهود إن الدعم السريع شنت حملة دامية على تجمع احتجاجى فى 2019 أمام وزارة الدفاع بعد الإطاحة بالبشير، مما أودى بحياة ما يزيد على مئة شخص. ونفى حميدتى إصدار أمر بالاعتداء على المحتجين.

وقال رئيس المرصد السودانى للشفافية والسياسات، وهو مؤسسة فكرية مستقلة، سليمان بلدو قال إن حميدتى المنحدر من خلفية بدوية ترعى الجمال يحاول أن يصبح قوة يحسب لها حساب داخل الهيكل الوطنى للسلطة فى البلاد.

وفى تصريحات إعلامية العام الماضي، قال حميدتى إنه لن يقف مكتوف الأيدى و«يشاهد البلاد وهى تنهار»، لكنه نفى أن تكون لديه طموحات للزعامة.