الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. يوم المرأة المصرية: قوانين وقرارات أنصفتها.. عقليات ذكورية أجهضت أحلامها وسرقتها!

مصر أولا.. يوم المرأة المصرية: قوانين وقرارات أنصفتها.. عقليات ذكورية أجهضت أحلامها وسرقتها!

لا يزال المجتمع المصرى يعانى من مواجهة قوى التطرف.. تلك القوى التى تريد الرجوع بالمرأة المصرية إلى عصر «حريم السلطان». هذه النظرة هى التى تحكم فى نهاية الأمر.. المساحة التى يمكن أن تحصل عليها المرأة المصرية دون أن تتعرض لفتاوى البعض، التى تحرِم عليها ما يفسرونه على أنه ضد الشرع أو ضد الدين، أو اجتهادات البعض الآخر فى التشكيك فى قدراتها وإمكانياتها.



 مؤامرات العقلية الذكورية

المشكلة الحقيقية فى الخطاب الذكورى والأبوى المجتمعى.. أنه يتسم بكونه حمال أوجه. فى العلن هو نموذج يستحق التقدير فى الحديث عن حقوق المرأة ومكانتها فى الأديان، وفى الحقيقة والخفاء.. لا يرفض ختانها أو إهانتها أو ضربها أو ممارسة أشكال العنف ضدها فى حالات يقننها حسبما تذهب ذكوريته الرجعية والمتخلفة.. مستندًا إلى تراث شرعى هو فى حقيقته تأويل موجه على النقيض من الاجتهادات الوسطية.

الخطورة فى تحليل قضية حقوق المرأة هى العنف العائلى والمنزلى غير المعلن، والمرتكز على العديد من التفسيرات الدينية التى ترسخ المفاهيم الذكورية.. تلك المفاهيم التى تضع الرجل قبل المرأة، وتضع المرأة تحت قيادة الرجل، وتضع الرجل على رأس المرأة، وتضع المرأة باعتبارها مجرد وسيلة للاستهلاك الجنسى وأداة للمتعة حسب الطلب. وهو الأمر الذى ينتج عنه المزيد من القهر والظلم والمعاناة فى التعامل مع المرأة باعتبارها غير إنسانة دون عقل أو فكر أو شخصية مستقلة. وربما يكون ما سبق هو ما أدى إلى دفع العديد من الفتيات أو السيدات إلى الانتحار والقتل بعد تعرضهن لأشكال متعددة من التحرش والتنمر والابتزاز إلكترونيًا مثلما حدث خلال الفترة الماضية.

 العنف ضد المرأة

يتخذ العنف ضد المرأة المصرية العديد من الأشكال، وفى مقدمتها العنف الجسدى الذى تتعرض له لمجرد أنها أنثى، سواء من خلال الانتهاكات الجسدية والجنسية، أو من خلال التجاوزات التى تتم ضدها من أفراد أسرتها، والدها وإخوتها، ومن عائلتها، ومن زوجها وعائلته، وفى عملها، وللأسف فهى تلتزم الصمت تجاه التجاوزات التى تتم ضدها. وهناك أيضًا أشكال متعددة من العنف، منها: السياسى، والاجتماعى، والاقتصادى، والثقافى، والتربوى، وكذلك العنف الرقمى الذى يندرج تحته «التحرش الديجيتال» الذى يمثل واحدًا من أهم الأشكال الجديدة للعنف ضد المرأة، والذى يستخدمه بعض الرجال فى تجاوزاتهم ونزواتهم الإلكترونية. دائمًا ما يبدأ التحرش الإلكترونى من الأقارب أو الأصدقاء والمعجبين. وفى الغالب يبدأ بطلب صداقة، وبعدها يتخذ أشكالًا عديدة منها إرسال الأدعية والحكايات الإنسانية والأقوال المأثورة المعبرة عن التقوى والورع والإيمان والحكمة، متزامنًا مع تسجيل الإعجاب على كل ما تنشره المرأة المستهدفة سواء فى العام فقط، أو فى العام والخاص مع المزيد من كلمات الثناء والاستطراد. ثم يتحول الأمر إلى فتح خط اتصال على الخاص بإرسال النكت التى تحمل إيحاءات جنسية، ويتطور الأمر إلى إرسال إيحاءات بألفاظ مباشرة، ثم إرسال صور وفيديوهات موحية تحت بند الفكاهة. هذا النوع من العنف ضد المرأة.. يرفض المجتمع الاعتراف به، ويرفض تجريمه بشكل حقيقى.. رغم تجريم الدولة والقانون له. وهو يعبر عن نوع من التصرفات الذكورية التى تمثل انتهاكًا للمجال الشخصى للمرأة دون إرادتها، وانتهاكًا لحقها فى الحياة بسلام وأمان، وانتهاكًا لحقها فى الاختيار دون أن يفرض شخص نفسه عليها، ودون أن يجبرها أحد على ما تفعله تحقيقًا لرغباته، مستغلًا أزماتها أو احتياجاتها أو حالتها الاجتماعية كأرملة أو مطلقة.. ليخطط لها كفريسة يجب قنصها، وباعتباره الصياد الذكر الماهر.

هناك نظرة استباقية لدى العديد من الذكور للتحرش بأى سيدة مطلقة أو أرملة.. وهناك اعتقاد وهمى افتراضى أنها «صِيدة» أو «لُقطة» للشقط حسب التعبير الذكورى، بل يزيد البعض ويتوهم أنه مبعوث العناية الإلهية المنقذ لها لتلبية احتياجاتها العاطفية والنفسية والجنسية المتخيلة فى عقله المريض الذى يتعامل مع المرأة باعتبارها أداة للتفريغ الجنسى له ولأقرانه الذكور.. حسبما يريد.

ترفض الغالبية العظمى من العائلات بشكل عام، والمجتمع بشكل خاص.. أن تفصح المرأة عن رفضها لأى تجاوز ضدها بشكل معلن، وما يترتب على ذلك قطعًا برفض اتخاذها أى خطوات قانونية يكفلها لها القانون والدستور لاسترداد حقوقها تحت بند عدم التشهير بها.. ونسوا تمامًا أنهم بذلك منحوا لكل متحرش ومتجاوز رخصة رسمية مجتمعية لتكرار أفعاله والاستمرار فيها دون رادع.

 مفارقات جندرية

العقلية الذكورية تنظر للمرأة باعتبارها ملكية شخصية، سواء فى العلن أو فى الخفاء، ويصل حد التعامل معها إلى مقايضة حياتها وملكيتها بالهدايا والأموال، وأحيانًا بالضغط والابتزاز لتحقيق أهداف تلك العقلية التى ترى فى المرأة ملكية شخصية لوالدها أو شقيقها أو زوجها أو ابنها، وباعتبارها كذلك ملكية عامة للمجتمع ككل، كأنها تفتقد أى كرامة أو عقل أو كيان، أو كأنها ليست شخصية مستقلة. بالإضافة إلى التعامل معها باعتبارها سلعة معروضة للبيع، يمكن النظر إليها والتدقيق فيها مثل أى بضاعة والحكم عليها من خندق التمييز، بسبب العديد من الموروثات الدينية والثقافية والاجتماعية، وما ينتج عن ذلك من عنف موجه ضدها.

يتناقض ما سبق، مع العديد من التصرفات المعلنة لهؤلاء من أشباه الرجال من أصحاب السلطة والنفوذ المالى الذين يتعاملون أمام الشاشات والرأى العام ومن على المنصات مع المرأة بشكل راق يصل إلى حد المبالغة، وفى الخفاء يتعاملون بحقيقتهم باعتبارها سلعة تباع وتشترى حسب العرض والطلب والتنافس لمن يدفع منهم أكثر لحد الامتلاك.

ومن أهم المفارقات هو وصف المرأة بأنها «ست بـ100 راجل»، وهو تعبير ضد مفهوم الچندر الذى يرسخ مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة، فلا يمكن أن نطالب بالمساواة، ونكرس التمييز من خلال مقارنات غير عادلة بوصف السيدة أو المرأة بالرجل، لإثبات نجاحها أو جدعنتها. لا تحتاج المرأة أن تثبت نفسها بأن تكون رجلًا، حتى لو كان المقصود الصفات أو السمات أو المظاهر، لأن المرأة استطاعت فعليًا إثبات نفسها فى جميع مجالات العمل، بما فيها ما يتطلب الدقة أو التحمل أو القوة والشقاء، ويظل الاختلاف الوحيد بينهما هو الدور البيولوچى الخاص بالحمل والإنجاب. 

 

 أمنيات

تم تحرير المرأة المصرية قانونيًا وتشريعيًا، ولكن لا تزال تحتاج إلى التحرير الفكرى والثقافى من الموروثات والعادات والتقاليد البالية، التى تتعامل معها باعتبارها كائنًا تابعًا لا عقل له أو دين، تحرير المرأة من حالة تنميط المجتمع لها وتصنيفه لها بالشكل الذى يسمح بممارسة كل التجاوزات ضدها.

الطريف دائمًا أن المتدينين شكلًا ومظهرًا هم أكثر الفئات من أصحاب المواقف ضد المرأة، وهم أكثر الفئات توظيفًا للدين بعكس حقيقته لتبرير أفكارهم وتصرفاتهم ومواقفهم. وهى مواقف تستند مرجعيتها إلى ثقافة ذكورية مرتكزة على عادات وتقاليد المجتمع الأبوى البطريركى وعلى خبرات سلبية فى التنشئة وخبرات حياتية مضطربة.

تمكين المرأة المصرية يحتاج إلى تغيير فى العقلية الذكورية للتعامل معها كامرأة وليست كأنثى تحت الطلب لنزوات طائشة لذكرٍ يرى فى نفسه «ديك البرابر».. المتشبع بأفكار متخلفة تتلخص فى كون المرأة مجرد أداة للاستهلاك الجنسى المتاحة له، سواء بالهدايا أو بالأموال أو حتى بورقة زواج لمجرد الحصول عليها، حتى لو وصل به الأمر أن يحتجزها فى قفص من ذهب اسمه «المنزل». وهو أمر يتجاهل تمامًا أن لهذه المرأة شخصيتها المتميزة وعقلها الراجع وربما أيضًا أفكارها المبدعة والمبتكرة.. أمر يتجاهل فيه أنه ربما تكون شخصيتها أفضل من شخصيته.

قامت الدولة المصرية بدورها فى حفظ مكانة المرأة المصرية، ولكن يتبقى دور المثقفين والمفكرين والكتاب والإعلام والتعليم والدراما لتثبيت هذه المكانة، ومواجهة هذه الأفكار فى التعامل مع المرأة، باعتبارها ملكية شخصية للرجل.. مع الانتباه جيدًا إلى أن من صدر لنا هذه الأفكار بشكل تم تسويقه باحترافية شديدة لم يطبق هذه الأفكار وتخلى عنها لدرجة النقيض.

 نقطة ومن أول السطر

يتناسى أشباه الرجال أنهم أبناء امرأة، وأخوات لامرأة، وآباء وأجداد لامرأة.. ويتجاهلوا أن كسر هيبة المرأة ومكانتها واستغلال شكلها أو جمالها أو احتياجاتها أو أزماتها هو نوع من الثقافة الذكورية الرجعية التى لا ترى فى نفسها سوى الكمال الوهمى المتخيل أنه يمكن أن يحقق رغباته ونزواته بحفنة من الدولارات.

المرأة وحدها ليست رمز العفة والشرف والكرامة.. وكرامة الرجل ليست فى مقابل شرف المرأة.

العفة والشرف والكرامة فى العقل والضمير، قبل أن تكون فى جسد رجل أو امرأة.

لولا المرأة لما وجدت الإنسانية.